الأردن ومصر تمارسان ضغوطا لتهدئة “انتفاضة فلسطين” ولكنهما لا تعرفان أن الهبة “لا قائد لها”
كشفت مصادر أمنيّة وسياسيّة رفيعة المستوى في تل أبيب، النقاب عن أنّ المملكة الأردنيّة الهاشميّة ومصر تُمارسان ضغوطًا جمّة على السلطة الفلسطينيّة ورئيسها، محمود عبّاس، لتهدئة الأوضاع في القدس المُحتلّة وعدم السماح للأحداث بالانتقال إلى الضفّة الغربيّة، على حدّ تعبير المصادر، التي تحدثت للمُعلّق العسكريّ في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان.
وتابعت المصادر عينها قائلةً إنّ الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة لم تتوقّع أنْ يتحوّل العمق الإسرائيليّ إلى جبهة داخليّة مُستهدفة بهذا الشكل، واعترفت المصادر أنّ العمق الإسرائيليّ هو عمليًا الجزء الضعيف في المعادلة، نظرًا لحالة الرعب والهلع والهستيريا التي تعمّ الدولة العبريّة من شمالها إلى جنوبها، مرورًا بمركزها.
وأوضحت المصادر عينها أنّه على الرغم من الحشود العسكرية في القدس وباقي المناطق المحتلة، والتي استهدفت تبديد الذعر في صفوف اليهود، استمرت العمليات وتفاقم الخوف، ولم تجد الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، بنيامين نتنياهو، سوى مهاجمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وخطابه الذي أشار فيه إلى إعدام صبي فلسطيني بقي حيّا. وبدا أن الحملة على الرئيس وعلى السلطة الفلسطينية ترمي إلى صرف الأنظار عن تدهور مكانة نتنياهو وحكومته في استطلاعات الرأي.
وواضح أن الإدارة الأمريكيّة، التي تمهد لتدخل سياسي، آثرت الاصطفاف إلى جانب الموقف الإسرائيلي في مهاجمة المقاومة الشعبية الفلسطينية، وتراجعت عن توصيف سابق لها بأنّ إسرائيل عمدت إلى تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى توسع في حالة الرعب التي انتشرت في داخل إسرائيل تخوفًا من عمليات يُقْدِم عليها فلسطينيون. وفي أعقاب موجة الشك والريبة التي سرت في نفوس الكثير من الإسرائيليين تجاه يهود ذوي ملامح عربية، ابتدع بعض اليهود من أصول عربية سبلا لإبعاد الشك، فمنهم من صار يعتمر القلنسوة اليهودية، بالرغم من أنه غير متديّن، ومنهم من صار يرتدي قميصاً كتب عليه: “لا تنفعل، أنا يمني”. وكتب موقع (NRG) أنّ موجة الإرهاب قادت إلى الذعر: فالرعب والارتباك سادا اليوم الخميس في حيفا وجفعتايم.
وأغلقت طرق رئيسية وأوقفت حركة القطار أثناء سفره، بسبب شبهات تبددت. وكلّ هذا جرى بعدما صرخ إسرائيلي في القطار: “مخرّب”، فبدأ الناس يقفزون من القطار فور توقفه. ووصل المستشفى عشرات من المصابين بالذعر أو بكدمات جراء القفز من القطار. وصرخت مجندات، فقام ضابط بالبدء بإطلاق النار في الهواء. في كل حال، تواصلت عمليات الطعن في القدس والمستمرة منذ أسبوعين رغم القرارات الأمنية الحاسمة بنشر الجيش في الطرق. ولهذا السبب يرى المعلق العسكري في “هآرتس″، عاموس هارئيل أنّ الجيش الإسرائيلي لم يعد يقدم أي تقدير بشأن مدى استمرار الأحداث، وصار يكرر القول بأن هذا وضع مختلف من الأساس، ويمكن أن يستمر لفترة زمنية لا بأس بها.
وأوضح أن ذلك يعود إلى واقع أن الأحداث بدأت من أدنى وأنه لا وجود لقيادة مركزية، ما يجعل التقدير صعبًا، على حدّ تعبير المصادر الأمنيّة. في السياق عينه، عمد الجيش الإسرائيلي إلى إخراج المجندين من قواعد التدريب، وزجهم في القدس ومدن أخرى لمساعدة الشرطة. وزاد هذا من عبء الجيش الذي اضطر أصلاً إلى مضاعفة نشر قواته في الضفة الغربية، وعلى طول قطاع غزة، ما دفع إلى إلغاء معظم التدريبات في الوحدات النظامية، فضلاً عن تجميد العديد من دورات الضباط القيادية. وهناك تفكير في الجيش باستدعاء القوات الاحتياطية بعدما استدعى حرس الحدود بعضًا من قوته الاحتياطية ووضعها تحت إمرة الشرطة.
وقد أقام الجيش حواجز إسمنتية أمام بعض الأحياء العربية في القدس الشرقية لفرض المزيد من القيود عليها. ومع ذلك، فإن التقديرات تشير إلى وجود الكثير من الثغرات التي يستطيع عبرها مرور من يرغب في تنفيذ عمليات. وواضح أن أحدا لا يستطيع في ظل انتشار الجيش والتقسيم الحادث في القدس ادعاء أن المدينة موحدة أو أنها عاصمة لدولة واحدة.
وبحسب المصادر في تل أبيب، أضافت الهبة الشعبية الفلسطينية الواسعة إلى أعباء إسرائيل الأمنية أعباء جديدة. وثمة من يشير إلى أنّ كل هذه الأعباء لا يمكن مقارنتها بالأعباء التي يمكن أنْ تنشأ في حال انضمام تنظيم فتح إلى الهبة، وهنا يطالب هؤلاء الحكومة الإسرائيلية بالكف عن اتهام السلطة في رام الله ورئيسها والسعي للتفاهم معهما لأن لهما أيضا مصلحة معلنة في تهدئة الأجواء.
في كل حال، يبدو أنّ الإسرائيليين يريدون تدفيع نتنياهو ثمن الرعب الذي يعيشونه جراء تدهور الوضع الأمني، إذ أشار استطلاع أجراه المركز الإسرائيلي للديمقراطية وجامعة تل أبيب إلى انعدام ثقة الجمهور جراء موجة العنف. ويمنح أغلب الإسرائيليين درجة راسب للحكومة في إدارة الأمن في القدس. وتوقع 41 في المائة نشوب انتفاضة فلسطينية كبيرة خلال عام إذا بقيت العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حالها الراهن.
ويؤمن 61 في المائة من الإسرائيليين أن نتنياهو لا يريد حل الدولتين. وربما أن الضربة القاضية لنتنياهو هي إيمان أغلبية الإسرائيليين بأنّ أفيغدور ليبرمان هو وزير الأمن المُفضّل لديهم، كما أكّدت نتائج الاستطلاع.
أمّا فيما يتعلّق بموعد انتهاء الهبّة الشعبيّة الفلسطينيّة، فأكّدت المصادر الأمنيّة في تل أبيب، على أنّه من المُستحيل تحديد الفترة الزمنيّة لذلك، معللةً ذلك، بأنّ الحديث يدور عن أعمالٍ فرديّةٍ، وأنّه لا توجد قيادة لهذه الهبّة، ولفتت إلى أنّه على الرغم من تحريض عبّاس، على حدّ تعبيرها، فإنّه يمنع انتقال الأحداث إلى الضفّة الغربيّة، وبالمُقابل، تابعت المصادر ذاتها، تعمل حماس في قطاع غزّة على تهدئة الأوضاع ونقل المواجهة إلى القدس والضفّة الغربيّة، لأنّها لا تُريد دفع الثمن، بحسب المصادر الإسرائيليّة.