في تقرير مطول له في مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس” قال المراسل العراقي غيث عبد الأحد الذي جال في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في شمال البلاد طيلة الأشهر الماضية، وكذلك التقى بمعارضين سوريين في تركيا، في ما ننقله لكم في العالمية: نحن في الشرق الأوسط لدينا دوماً قابلية قوية باتجاه التشرذم. وبينما يردّ البعض هذه الحالة إلى الفردانية يلوم آخرون طبيعة تطورنا السياسي أو عشائريتنا. ويصل الحال بالبعض إلى لوم الطقس حتى. ومن المعروف أنّ هذه الحالة ترافقنا في كافة مسارات تاريخنا من الاندلس وصولاً إلى فلسطين. ومع ذلك فنحن نحبّ هذه الحالة، بل ونذهب أبعد من ذلك في تقدير التفتت الناشئ عن المفتت. وفي ضوء حروب أخرى جرت في الشرق الأوسط سابقاً، يبدو أنّ السوريين وصلوا إلى آفاق جديدة من هذا النوع. فالفلسطينيون في أفضل أحوالهم لم تتخط التشرذمات لديهم العشرة أو ما شابه، كما أنّ اللبنانيين -رعاهم الله- الذين يزعمون أنّ أيديولوجيات كانت خلف انقساماتهم، ولم يصل تشرذمهم أبعد من 30 فئة مختلفة في أقصى أحواله. أما السوريون فيبدو أنّهم يصلون إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
ويتابع الكاتب: في إسطنبول سألت صحافياً وناشطاً سورياً لماذا هنالك الكثير من الكتائب في المعارضة المسلحة. فضحك وأجابني: “لأنّنا سوريون”، ومضى لإخباري القصة التي سمعتها مراراً من قبل: “عندما وقع الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي اتفاق الوحدة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وتنازله عن الرئاسة لصالحه، مرر لعبد الناصر المستند الموقع وقال له: تخليت بالفعل عن منصبي كرئيس لكنني أسلمك بلداً فيه 4 ملايين رئيس (عدد الشعب السوري في ذلك الوقت)”.
قد يهمك أيضا:
دون معرفة مصيره حتى الآن .. قوات سوريا الديموقراطية تخطف طفلاً من مدينة منبج منذ 7 سنوات
“دمرتم بلدي الأم سوريا”.. رجل أعمال سوري الأصل يعلن تشكيل كتيبة عسكرية للدفاع عن أوكرانيا!
ويتحدث الكاتب عن مشاعر الخوف والقلق التي عاناها السوريون كغيرهم من أهل المنطقة على مدى العقود الماضية في ظلّ الحكم الغستبدادي، وما تعرضوا له من حبس وتعذيب وقتل وسوى ذلك من قمع للحريات وإذلال، في بلد تملأه الرشاوى والفساد، ويفتقد المواطنون فيه لحاجات الإنسان المعاصر الأساسية. ليصل الكاتب إلى نقطة مهمة هي أنّ المواطنين ومع سقوط سطوة الدولة عليهم بات كلّ منهم بحد ذاته يمثل سلطة لنفسه، فلماذا يخضع بعد اليوم لسلطة آخرين؟ وعلى هذا الأساس انتشرت تلك الكتائب المعارضة على امتداد سوريا لتعلن عصيانها وحربها المفتوحة ضد النظام بقيادات خاصة بها.
ويشير الكاتب أنّ العديد من تلك الكتائب في سوريا لم يتأسس إلاّ بفضل رجل واحد لا غير لديه صلات بممول واحد، وتضم إليه بعضاً من أقارب المؤسس وأفراد عشيرته. وبات هؤلاء مجموعات من المقاتلين يتنقلون بين معركة وأخرى، متعطشين للمزيد من التمويل والمعارك وكلّ الغنائم التي تتبع ذلك.
ويتابع الكاتب أنّه ورسمياً –أو ما يفضل البعض اعتقاده- فإنّ كلّ الكتائب هي جزء من “الجيش السوري الحر”، لكن ومنذ بدء التظاهرات في آذار (مارس) 2011، لم يتمكن الجيش السوري الحر من أن يتحول إلى منظمة ذات نوع من الإمرة المركزية التي يمكن أن تتيح له تنظيم وتوجيه الهجمات وتحريك الوحدات على الأرض.
وهنا يأتي الكاتب إلى السؤال عن كيفية تشكيل كتيبة في سوريا، فيقول: أولاً تحتاج إلى رجال، غالباً من الشبان من داخل البلاد، حيث هنالك فائض كبير من العاطلين عن العمل الذين أمدّوا عبر القرون الماضية مختلف الجيوش وحركات التمرد. ثانياً الأسلحة، وهي تأتي من المهربين، خاصة من العراق وتركيا. ثالثاً تحتاج كذلك إلى شخص ما يعرف كيفية استخدام اللابتوب وكاميرا الكومبيوتر ويمنه نشر مقاطع الفيديو على الإنترنت، ومن مهامه الرئيسية طلب المساعدات من سوريي المهجر، ومن الممولين الخليجيين. رابعاً: لا ضير من بعض الأيديولوجيا، مع إشارة إلى مصدر إسلاموي لمثل هذه الأيديولوجيا في بعض درجاتها. وخامساً وأخيراً تحتاج إلى المال، لكنّ 3 آلاف دولار أو 4 يفترض أن تكون كافية للبدء.