البارحة، عصراً، وأنا مستلق على صوفاية عتيقة في بلاد المهجر، تغبشتْ عيناي، واختلط لدي الضوءُ بالعتمة، الواقع بالرؤى، وأحسستُ بأنني نائم، وما أنا بنائم..
سرحتُ في ملكوت سوريا التي أحبها، وأخذتْ صورُ البلاد والعباد تترى في شاشة مخيلتي المتعبة..
رأيتُ، فيما رأيتُ، ثواراً لا يحيدون عن هدفهم في إسقاط النظام المجرم، يقاتلون فيَقْتُلون، ويستشهدون، فيسطرون، بدمائهم، تاريخ سورية القادمة،.. وثواراً، يقال إنهم ثوار، يأكلون الأخضر واليابس، ويعتدون على حرية الناس وممتلكاتهم، ويبنون لأنفسهم ثروات طائلة، ثم يذهبون إلى موقع للنظام ويحاصرونه، فما يزيدُ حصارُهم ذلك الموقعَ إلا منعةً وصموداً.. وتمر الأيام، والشهور، وهم يستجدون المساعدات والدعم مقابل قيامهم بعمل (الحصار)..
رأيتُ، وأنا لستُ متأكداً مما رأيتُ، ناشطين يتفانون في إسعاف السوريين الذين تنهمرُ قذائف إيران وحزب الله وعصابة الأسد فوق رؤوسهم وبيوتهم، كالمطر،.. وناشطين آخرين يسرقون القسم الأكبر من الأموال والأعتدة والمواد التي تأتي من أجل دعم السوريين، ويقعدون في المجالس متبجحين بكونهم أوصلوا القسم الأصغر من تلك الأموال والأعتدة والأغذية إلى الشعب السوري المسكين، سالمة، كاملة غير منقوصة..
تخيلتُ، وتصورتُ هيئات جنود سوريين يطلقون قذائف الموت باتجاه إخوة لهم، مواطنين سوريين لا ذنب لهم إلا أنهم تعاطفوا مع أبنائهم الذين خرجوا يطالبون بالممنوعات الثلاثة (الحرية- المواطنة- التداول السلمي للسلطة).. ورأيتُ طيارين سوريين يدحرجون براميل المتفجرات لتسقط فوق رؤوس مواطنيهم، ويطلقون ضحكات الشماتة حينما يتأكدون من أن هذه البراميل قتلت أكبر عدد ممكن منهم.
رأيت معارضين مجهولين، لا أسماءَ لهم، ولا نُمَرَاً، ينطلقون من داخل البلاد، ويجولون يريدون أن يقيسوا نبض الشعب والبلاد، ليبنوا عليها مواقفهم، ومعارضين سفسطائيين شبيهين بنجوم (باب الحارة) الذين أمضوا أعمارهم وهم يحكون للشعب السوري حكايات العزة والكرامة والرفض والثورة على كل من يحاول إهانته، فلما قامت الثورة هرعوا إلى استوديوهات الإعلام السوري الاستبدادي ليعلنوا رفضهم للثورة، ويدعوا عصابة الجيش السوري التي يقودها ماهر الأسد لقتل كل من تسول له نفسه المطالبة بـ (العزة والكرامة والرفض والثورة).. ويؤكدوا على دعوة المفتي أحمد بدر الدين حسون إلى مَن لم تقتله العصابة للعمل بصفة (شبيحة) ضد الثوار المطالبين بـ (العزة والكرامة والرفض والثورة).
رأيت معارضين يذهبون بالطائرات، من دولة إلى دولة، وينزلون في الفنادق الفخمة، ويجلسون في القاعات المكيفة، ويستعرضون وقائع أمجادهم ونضالاتهم، القديمة والمعاصرة، (قال لي السفير الفلاني كذا، وأنا جاوبته كيت.. عرض علي كيت، وأنا جاوبته بكذا!!).. ويحكون، ويلحون بالحكي عن ضرورة توحيد المعارضة من أجل التصدي للمذبحة الإيرانية الحزبلاهية الأسدية الكبرى التي ترتكب ضد الشعب السوري، ثم ينط الواحدُ منهم، مثل اللعبة المثبتة على راسور، ليرفض أي محاولة، أو فكرة، أو اقترح، أو مسعى، أو تَحَرُّك باتجاه توحيد المعارضة، متهماً الشخص الذي طرح الفكرة، أو أجرى المحاولة، أو قدم الاقتراح، أو بذل المسعى، أو أراد التحرك بأن له تاريخاً طويلاً في التعامل مع النظام (سابقاً).. وارتباطات مشبوهة (حالياً) وأجندات غير وطنية يعمل لتحقيقها (مستقبلاً)..
في إحدى حواري الشام، شام التاريخ ذات السيف الذي (لم يغبِ)، شام سعيد عقل التي إن ضاقت (ألحقت الدنيا ببستان هشامْ).. رأيت مظاهرة محدودة، يقودها شبان حليقو الرؤوس، يذمون الجيش الحر ويهتفون (لا للحمصنة.. لا للحلبنة).. يعني، (معليشي تتدمر حمص وحلب.. نحنا ما بدنا).. وسمعتُ، من عمق المشهد، صوت سميح شقير يغني: يا حيف.
وفجاة..
غامت الرؤيا، وتداخلت الصور والأصوات.. وعجز كياني عن استيعاب ما يجري..
فجأة..
رأيتُ رجلاً من المعارضة، رجلاً أحببناه، وتعلقنا بوطنيته وحكمته.. في مشهد غريب..
كان يقف في حضرة الديكتاتور المسطول بشار الأسد.. ويحلف أمامه اليمين القانونية بوصفه رئيساً للحكومة الانتقالية التي يقترحها أعداؤنا الأميركان والروس والإيرانيين..
لا أدري ما جرى بعدها.. وجدت نفسي انتفض مذعوراً وأنا أصيح: لا لا…
خطيب بدلة