التطرف العلماني يوشك أن يقضي على فرص التعايش؟!(2/8)
التطرف العلماني يوشك أن يقضي على فرص التعايش؟!(2/8)
-الجزءالثاني-
بقلم: سري سمّور
(2) ماذا عن التطرف الإسلامي؟
المقالةتتحدث عن التطرف العلماني، وأضراره ومخاطره، وهو السائد على أصناف التطرف الأخرى،إلا أنني لا أنفي وجود متطرفين عند الإسلاميين، ولكن كم تبلغ نسبتهم، وما حجمتأثيرهم؟ وهل هم الذين انتخبهم الناس؟ وهل حرب العلمانية السافرة موجهة نحوالمتطرفين أم لكل ما هو إسلامي؟
والأهمأننا شهدنا ونشهد على الساحة الإسلامية ما يعرف بـ«المراجعات» أو ما رادفها منمصطلحات، وهي سياسة أدت إلى تغيير في الأفكار والأساليب لدى العديد من الحركاتوالقوى الإسلامية العاملة، وشهدنا تطورا إيجابيا محمودا في طرحها، بشهادة أي باحثمحايد منصف.
بينمالم نشهد أي مراجعة حقيقية لدى العلمانيين وأشياعهم، وحتى من يوجه النقد الذاتي،يكون أغلب كلامه هجوما على الإسلاميين،ونلحظ أن العلمانيين يزدادون تطرفا وتشنجا وغلوّا واستعلاء، كلما أبدى الإسلاميونمرونة وابتعادا عن التطرف، وكأن العلمانيين يردون على دعوات الاعتدال من الجانبالإسلامي، بمزيد من التطرف ورفض التفاهم والحوار، ربما ظنا منهم أن مرونةالإسلاميين ضعفا، أو لأسباب أخرى ولكن النتيجة واحدة!
وهذا ما معناه أن تبرير ما نسمعه ونراه من مظاهرتطرف علمانية بكونها ردة فعل على تطرف إسلامي،هو مبرر مرفوض على وجه الإطلاق، وأمامنا الحالة التونسية التي نرى فيها تحالفاوشراكة بين علمانيين معتدلين يتولى أحدهم وهو المنصفالمرزوقي رئاسة الجمهورية، وحركة النهضة، التي أبدت مرونة وانفتاحا حتى بعضالإسلاميين يوجهون للحركة انتقادات لاذعة بسببه، ومع ذلك فإن التيار العلمانيالمتطرف في تونس سادر في غيّه ولا يريد إلا استئصالا أو إقصاء للنهضة، مع أنهاتنازلت عن الحقائب السيادية في التوليفة الحكومية الجديدة.
(3) إدعاءباطل:العلمانيون لم يحكموا!
وفيسياق حملة التضليل العلمانية المتطرفة منذ سقوط العديد من النظم العربية المستبدة؛يخرج علينا علمانيون بخطاب مرتفع الصوت، مفاده أن العلمانية لم تحكم، ولم يجربهاالناس، بل كانت هناك حالة عداء بين العلمانية والأنظمة البائدة، وبأن أفكارهمورؤيتهم للدولة والمجتمع لم تر النور في عهد الأنظمة الساقطة.
وهذهمن أكبر الأكاذيب التي يجري ترويجها، وللأسف هناك من يصدقها، ولا عجب فإن حملةالعلمانية في هذا الاتجاه مركزة ومحكمة في أساليب الإقناع المضللة…لو قال هؤلاءبأن علمانيين قمعوا، أو أن الأنظمة كان لها مفهومها الخاص للعلمانية، ربما كانللكلام وجه من الصدق، أما التنصل والتبرؤ بهذه الطريقة فأمر مستهجن، وسأرد على هذهالكذبة بنقاط محددة:-
أولا:كيف كانت النظمالبائدة تـقدم نفسها للغرب بعد الحرب الباردة، وللغرب والشرق أثناء الحرب الباردة؟هل كانت تـقول للغرب أنها إسلامية مثلا؟ ومعلوم أن النظم البائدة كانت تستمدشرعيتها من الغرب، خاصة أمريكا التي غضت الطرف عن تجاوزاتها وفسادها، وزودتهابأسباب البقاء، وسمحت لها بتزوير إرادة الشعب، وحين اندلعت الثورات، كان الرؤساءالمخلوعين يلوحون لأمريكا بأن البديل عنهم هم الإخوان أو القاعدة، في إشارة واضحةأنهم يمثلون النقيض الأيديولوجي لهذه القوى، وبأن أمريكا كانت توفر لهم الغطاء على هذا الأساس…هل أحزابمثل التجمع الدستوري في تونس أو الوطني في مصر أو البعث تصنف بأنها غير علمانيةغربيا(وحتى عربيا) من وجهة نظر الذي يرفعون أصواتهم ليتنصلوا منها ممن يتنسبون إلىالعلمانية؟
ثانيا:لا أحد ينكر هيمنةالعلمانيين على المشهد الثقافي والإعلامي في عهد الاستبداد، وسيطرتهم كذلك علىمعظم مفاصل العملية التربوية والتعليمية، وهذا ليس بحكم التميز أو الخبرة، بل بحكمأفضلية أفكارهم عند الحكومات المستبدة، التي يتنصل العلمانيون منها اليوم؛ فمثلاماذا يعني منح جائزة الدولة التقديرية لشخص مسرف في عدائه للدين هو «سيد القمني» بدعم من وزير ثقافة المخلوع في مصر «فاروق حسني»؟ هل نعتبر هذه حالة شاذة، أم تتويجالإمساك العناصر والشخصيات العلمانية بناصية كل المؤسسات الثقافية والتعليميةوالإعلامية؟ وهل كانت سوزان ثابت صاحبة البرامجالتعليمية المعروفة إسلامية في برامجها وطرحها؟علما أن تلك البرامج مدعومة منالغرب وإسرائيل، وهي التي كانت تحظى بتصفيق وتشجيع وإطراء الذين يزعمون اليوم أنهمكانوا ضد مبارك…أما في تونس فالحال كان أكثر سوءا بشهادة الجميع، حيث أن هناكتشريعات تتعارض تماما مع النصوص القرآنية الصريحة، وإعلان حرب على كل ما هوإسلامي؛ وإذا كانت المذيعات المحجبات قد منعن من الظهور على شاشة التلفزيون المصريالرسمي في زمن المخلوع، فإنهم في تونس قد نزعوا الحجاب عن رؤوس النساء علنا،ومنعوا إصدار جوازات سفر لهن بغطاء الرأس، وأول جواز سفر صدر لمحجبة كان بعد رحيلزين العابدين.
وفيتركيا نتذكر ما جرى للسيدة مروة القاوقجي بسببالحجاب أواخر تسعينيات القرن الماضي…فهل ينكر العلمانيون اليوم مشاركتهم أوتحريضهم أو تأييدهم لهذه الانتهاكات بل الجرائم، التي تمت بدعوى العلمانيةومفاهيمها؟!
ثالثا:السلطة الشرقيةالمعاصرة عموما باطشة، ولا تتردد في سحق من تحسبه خطرا عليها، حتى لو كان يشاطرهاالفكر والتوجه، وقد يصل الحال بالحاكم المستبد إلى قتل أفراد أسرته لو شعر مجردشعور أنهم ينافسونه حكمه، أو قد يسببون له إزعاجا؛ فمثلا جمالعبد الناصر عزل محمد نجيب، ثم عبد الحكيم عامر، وربما فعل به أكثر من العزل، ومحمد حسنين هيكل في كتابه الأخير، يشهد على حسني مبارك بأنه كان يريد ألا ينجح شقيقه في الانتخاباتالبرلمانية، إضافة إلى انشقاق جناحي البعث وتنافرهما وتخاصمهما، وما حدث داخل كلجناح في دمشق وبغداد من تصفيات داخلية منظمة، هذا بينهم أنـفسهم فكيف حينما يتعلقالأمر بكاتب أو صحافي أو ناشط تظن السلطة به سوءا حتى لو كان علمانيا حتى النخاع؟ولا يفوتنا أن جمال عبد الناصر رافع شعارالاشتراكية زج بالشيوعيين المصريين في السجون والمعتقلات قبل تحالفه مع السوفييت،فهل هذا البطش ينفي صفة العلمنة عن عبد الناصر ونظامه؟ لا،بالتأكيد، فالبطش الذيمارسته الأنظمة كان شاملا ضد كل من توجست منه خيفة، بل داخل الأحزاب الحاكمةنفسها، وهذا لا ينفي البتة أن العلمانية صفة النظم والحكام المخلوعين.
وفيكل الأحوال لا ينكر الإسلاميون أن النظم مارست القمع ضد يساريين وقوميينوليبراليين بدون وجه حق، وكان بعض هؤلاء شريك الإسلاميين في المحنة والنضال ضدالنظم المستبدة، مثل حمدين صباحي الذي تمتّعبمقعد نيابي بدعم إخواني واضح معلن، ويتنكر اليوم لمن ناضل معهم وقدموا له الدعم!
رابعا:في «إسرائيل» هناكأحزاب دينية تشارك في الحكومات، ولها نسبة تمثيل في الكنيست، ويسعى من يسمونبالعلمانيين لاسترضائها، وتـفرض على المجتمع في المناطق الرئيسة حظر العمل والحركةيوم السبت، وحتى أن اسم الدولة هو اسم ديني، وقامت على أساس ديني، وتجميع اليهودفي كيان سياسي فوق أرض فلسطين المحتلة، ولكن هناك من يراها علمانية، وهناك منيراها دولة دينية، وهي أقرب للدولة الدينية في شؤون كثيرة، وهي تخلط هذابذاك…فكيف يرى العلمانيون هذا الكيان؟كتبتهم غاليا ما يشيدون بديموقراطيةوعلمانية إسرائيل، مثل علي سالم و مأمون فندي و أسامة سرايا،فما قولهم بحركة شاس مثلا؟لماذا يشيدون بدولة تسمح بأحزاب دينية، وتعطيها مزايامالية وإدارية، ويعتبرونها علمانية كاملة، ويعيبون على دولهم بعضا من المظاهرالإسلامية، ويعتبرون أنها ليست علمانية؟…طبعا لن أخوض في مقارنات بين اليهوديةوالإسلام وبأن إسرائيل مهما كانت هويتها هي دولة غاصبة…وقد يتحجج العلمانيونبوجود رقابة من الأزهر أو غيره، للبرهنة على أن الأنظمة كانت غير علمانية وهو ماسأناقشه في الجزء الثالث بمشيئة الله…..يتبع.