ملامح إستراتيجية للستة أشهر المتبقية من حكم الأسد

By Published On: 18 نوفمبر، 2013

شارك الموضوع:

لاحظت من خلال أحاديث الدبلوماسيين الغربيين مؤخرا أن كلمة ستة أشهر متواترة في أحاديثهم كلهم، وعندما صارحتهم بملاحظتي، محتجا على أن ستة أشهر مدة كافية للنظام لارتكاب ما يشاء من المجازر، قالوا لنحاول أن ننهي الموضوع قبل ذلك، وطالما نحن (الغرب) لن نتدخل عسكريا، سيكون بالتالي الحل السياسي هو الخيار الوحيد، ونحن نساعدكم فيه، وجوابا على سؤال هل تضمنون نتائج هذا الخيار، قالوا لا نضمن شيء، بل نعمل معا، هل تضمنون وحدة سوريا؟ لا، هل تضمنون انسحاب الإيراني؟ لا، ومصير الأسد؟؟ الأسد ليس له مكان في مستقبل سوريا هذا أكيد (منطقيا)، والروس متفهمون لذلك، ونحن نعتمد على نفوذهم.

 

التحديد الزمني هذا، مرتبط على ما يبدو بتفاهم روسي أمريكي (قديم- جديد)، ومرتبط ببرنامج تسليم السلاح الكيميائي الذي هو برنامج مستمر عبر مسلسل التسليم والتحقق، وهم يعلمون أن الأسد يحاول إخفاء كميات ويراوغ، وهم جاهزون لهذه المراوغة على ما يبدو، ولن يتساهلوا مع هذا النوع من السلاح.

 

أم التفاوض مع إيران، فهو أيضا غير ناجز، وهو أشبه بمسار معقد وعلى مراحل، ولا توجد صفقة واضحة وكاملة، وأمريكا لا تفكر بالطريقة التي نظنها (اتفقت مع إيران علينا)، هذا في نظرهم من وحي خيالنا، ولا يقبلوا أن نعتقد أنهم تخلوا عن صداقة العرب والسنة في المنطقة وخاصة في الخليج، فهم ما يزالوا مقتنعين بابتعاد المسافة بينهم وبين الثقة بالإيرانيين، ولن يسمحوا لإيران باستمرار العبث بأمن المنطقة، ولا زالوا رافضين لفكرة مد نفوذها خارج حدودها وتدخلها في غيرها، ولبقاء سلاح حزب الله خارج سيادة الجيش اللبناني وهو العنوان الثاني.

 

أما سورية متحررة من نظام الأسد فهي الأولوية الثالثة، لكن هذا لن يطرح للتفاوض مع إيران التي على ما يبدو لن يسمح لها بوضع ورقة سوريا في البزار كونها من وجهة نظرهم لا تملكها، فهي عامل استنزاف لها، أكثر منها رصيد في حسابها، فهي قد خسرتها بعد اندلاع الثورة، وشعبية إيران عند العرب انهارت تماما، وهذا طبعا تحقق بدماء وبطولات السوريين. وفي التفاوض الجاري يطلب من إيران وقف التدخل في سوريا كتعبير عن حسن نية، وليس مقابلا لأي ثمن.

 

وعليه ولكي نبني إستراتيجيتنا، لا بد أن نستعرض ملامح إستراتيجية النظام المعادي، والتي ناقشتها أيضا معهم. فالنظام يحاول أن يتجنب الحل السياسي، ويسعى لفرض الحل العسكري بكل ما لديه من قوة، وبتدخل سافر من حلفائه خاصة حزب الله، والذي فهم أن بقاء سلاحه بيده موضوع على طاولة التفاوض الإيراني الغربي، وهو أولوية ثانية بعد الملف النووي الإيراني، لذلك لم يعد حريصا جدا على الاحتفاظ بمخزون قوته، بل يستطيع إطلاقها واستعمالها في سوريا.

 

وقد يفكر حزب الله بنقل هذا السلاح مع العناصر للأراضي السورية إذا حصل على مربعات أمنية فيها، أي أننا قد نشهد احتلالا استيطانيا في أكثر من منطقة في سورية بدءاً بمربع الست زينب والقصير.

 

وربما نشهد قيام مربعات طائفية عسكرية متناحرة تستمد شرعيتها من بعضها، باشر النظام بترويجها عندما أطلق عملية إقامة (دويلات كردستان الغربية الثلاث) التي أعلنت بالتنسيق مع النظام وبسلاحه، مستغلة العاطفة الكردية وتعطشها لوطن قومي حرمت منه طويلا، ومستغلة محاولة دولة العراق والشام في الرقة وريف حلب، ثم إعلان دويلة الائتلاف التي ستقوم بين الباب وغازي عنتاب … وإمارات غيرها، وغيرها ممن لم يرتق لمستوى الحكومات بعد … وهكذا .

 

وبالنظر لعدم تدفق الدعم الكفيل بتغيير ميزان القوى لصالحنا على الأرض، الذي وُعدنا به سابقا ومن وزراء خارجية الدول الصديقة قبل أشهر في اجتماع عمان، وذلك كشرط لأن نقبل مناقشة فكرة الموافقة على الذهاب لجنيف، وبسبب حدوث العكس (تخفيض المساعدات عن الثوار)، والسبب المزعوم لامتناع الغرب عن الوفاء بوعوده، هو أن السلاح يباع ويذهب إلى اليد الخطأ، وأن الجماعات على الأرض تتحالف مع منظمات (الإرهاب؟)، وتزامن هذا مع تدفق كل أشكال الدعم للنظام، بما فيها مقاتلي المليشيات (خاصة حزب الله)، حيث أطلقت جل قوتها بمستوى لم يتوقعه الغرب، مستفيدة من تفكك وخلافات الجماعات العسكرية للجيش الحر، وتخاذل بعضها عن القتال بشكل غير متوقع أيضا في أكثر من منطقة (خاصة تنامي داعش السرطاني في مؤخرة الجيش الحر وامتناعها عن الدخول في مواجهة مع النظام، ودخول الميليشيات الكوردية المدعومة من نظام سوريا والعراق الحرب)، كل هذا وغيره أخل بالتوازن العسكري لصالح معسكر النظام.

 

وعليه ومن حيث النتيجة، ما أظنه أن الغرب لا يمانع في هزيمة الجهاديين على الأرض لصالح النظام الذي لا أمل في تجديده، ولا حتى لصالح حزب الله، الذي يتفاوضون مع أسياده على مصيره، معتمدين ليس على انتصار الثورة السورية، بل على الخوف الذي أحدثه التهديد بالضربة العسكرية، والذي سوف يبقى قائما ومدعوما بخوف تلك الأنظمة من تحرك شعوبها، وبأزماتها، وباستمرار الحصار عليها.

 

ويعتمدون في هذا أيضا على نفوذ الروس الذين يخافون كثيرا من قيام دولة إسلامية في سوريا، حتى ولو على قسم منها، بسبب العلاقة التاريخية بين مجتمعها وبين شعوب جنوب روسيا المسلمة، وهم بالتالي يفضلون وحدة سوريا تحت قيادة الأقليات، أو أي نظام مبني على عقائد علمانية وشيوعية ومدنية، لأنهم خبروا قوة وخطورة الفكر الجهادي، ويخافون من تجدد ثورة الشعوب المسلمة المضطهدة في إمبراطورية المافيات (روسيا) لو نجحت الثورة السورية، أو تشكلت قاعدة للثورات الجهادية الإسلامية في المنطقة، وكذا حال الصين ذات الوضع المشابه، لذلك يطمئن الغربي لحليفه الروسي، ويضع الأوراق في يده، وهم متوافقون على ذلك منذ زمن طويل فيما استنتجت.

 

الدول الخليجية تشرح أن هذه الجماعات الإسلامية في أغلبها معتدلة، تكونت عفويا بسبب طبيعة المجتمع وهويته، وبتأثير نوعية الأحداث الرهيبة، وهي مجموعات تدافع عن المدنيين ولا ترهبهم، وبالتالي لا يمكن تصنيفها إرهابية، وهذا ما قد تقبل به الدول الغربية على مضض، كما لاحظت بعد نقاش حامي معهم حول تصنيفهم ودورهم من وجهة نظرنا، لكنها لا تزال ترفض تسليحهم بالمطلق حتى المعتدلة منها، وفي الواقع هم بالفعل من يقاوم على الأرض.

 

وهم من دون سند عسكري ومالي من الصعب عليهم الصمود في كل جبهاتهم الحالية، أو الاستمرار طويلا في خوض حرب الجبهات غير المتكافئة، ومن دون دعم خليجي واضح وسريع، قد يضطرون تدريجيا للتحول لخوض حرب العصابات المتحركة في كل ربوع سوريا، وإجبار بعض هذه الجماعات على أن تغادر جبهاتها، وعلى الانعزال والتشرذم، وترك ذويها ومدنييها تحت رحمة النظام وشبيحته القادمين من (العراق ولبنان وإيران)، سيزيد من تعصبها وعنفها وانعزالها عن الحياة المجتمعية.

 

وإذا ما ارتُكبت جرائم بحق المدنيين، وهذا ما يجري على قدم وساق وفي كل مكان، فهو سوف يدفع بعض الجماعات لأن تستهدف المدنيين في الطرف الآخر للرد على هذه الوحشية ليس في سوريا فقط، بل في محيطها أيضا، أي من حيث يتدفق الشبيحة، وبالتالي ينتشر العنف والحرب الأهلية ويزداد تشدد وعنف هذه المجموعات، ويولد ما يسمونه بالقاعدة، وهو ما أحذر منه الغرب بكل وضوح.

 

لذلك، وبدلا من ترك الثورة السورية والجهاديين يتقهقرون، ويغيرون تكتيكاتهم وإيديولوجياتهم، كان لا بد من زيادة دعمهم للصمود، ولابد من فتح معابر للمدنيين الذين يموتون من الجوع، ومن الخطأ أن يفكر الغرب بهذه الطريقة التي ستزيد من المأساة، وبالتالي ستزيد من عدد المهاجرين القادمين للنصرة، الذين يلبون فريضة الجهاد للدفاع عن أخوتهم، والذين سيجعلون “الشرق الأوسط” برمته ساحة لعملياتهم.

 

كما إنه من الصعب التفكير في إجبار المهاجرين بعد قدومهم على العودة لديارهم، لأن ذلك سيسمح بانتشار فكرهم وتنظيمهم في كل العالم بعد أن تمرسوا في فنون الحرب، بل لا بد من التفكير في استيعابهم ضمن المجتمع السوري.

 

وعندما تتحدث بكل ذلك مبررا طلب الدعم، يتهربون (المفاوضون الغربيون) باقتراح الإسراع في فتح باب جنيف السحري، ويؤيدون اشتراط وقف الهجوم، وفتح المعابر، وإطلاق النساء والأطفال قبل فتح باب التفاوض، وعندما نشرح لهم أن وقف إطلاق النار هو ما يحتاجه النظام لوقف الثورة، ولأنه آلة الضغط الوحيدة المتبقية لدينا، يتفهمون منا عدم إمكانية تطبيقه قبل ضمان توقف كل الهجمات والسماح بعودة الحياة للمناطق المحاصرة، والاطمئنان لرحيل الزمرة الحاكمة دون عودة.

 

وهذا كله يجب أن يتحقق قبل السماح بعمل المجلس الانتقالي كامل الصلاحيات المفترض تشكيله، ويبدو أن هذا المطلب قد يكون مقبولا روسيا على مضض، لكنه مرفوض إيرانيا (من منطلق مذهبي)، والغرب يقبلون به ويسعون لتحقيقه خلال ستة أشهر، لكنهم لا يضمنوه وهو مرتبط بما سيجري في جنيف.

 

وعما سيجري في جنيف، فالجميع مقتنع أن الطرفين (مهما كانت نوعية وفودهم) سيفشلون في تحقيق أي اتفاق، وبالتالي ستقع مهمة فرض مجلس حكم انتقالي على الجهتين (أقصد روسيا وأمريكا)، وهذه الأخيرة ستتشاور مع الطرفين وتستمع لاعتراضاتهم فقط وليس لمطالبهم، بحيث تكون الشخصيات المرشحة لمجلس الحكم الانتقالي غير معترض عليها من الطرفين، وعندها ستبدأ آليات فرض سلطة هذا المجلس على الأرض، وهي سياسة قد تطول وقد تقصر، فالوضع يشبه إلى حد ما الصومال، ووجود حكومة مركزية قادرة على فرض الأمن واحتواء الأزمات هو شيء صعب ومعقد، ولا ينتهي في جنيف، بل لابد من برنامج دولي طويل عريض، ومبادرات داخلية خلاقة.

 

لكننا نشرح لهم أن مجرد انتقال سلطة الجيش النظامي والأمن النظامي لسلطة أخرى غير العصابة، ستغير كثيرا طبيعة الصراع، خاصة إذا التزمت إيران بسحب شبيحتها، ومارس المجتمع الدولي صلاحياته بجدية وفقا لأحكام البند السابع، عبر وسائل مثل قطع الدعم والحصار حتى الإذعان (طبعا هذا غير متوفر وغير كاف).

 

المشكلة أن هذه السلطة الانتقالية ستعتمد في قوتها على أجهزة الدولة أو ما تبقى منها، تلك المتورطة بل المنغمسة حتى أذنيها بالقتل والفساد، ولا بد من إعادة بنائها جذريا قبل الاطمئنان لدورها، كما إن بنية الجيش الحر لا تسمح له بالتحول لجيش منظم، ودمج الجيشين الحر والنظامي مستحيل، وعليه لابد من صيغة لاستيعاب الجيش الحر كجيش شعبي أو حرس وطني، إلى جانب بناء جيش نظامي جديد مختلف، ومن الصعب إقناع الثوار بترك سلاحهم قبل فترة طويلة يتأكدون فيها أن السلطة الجديدة لن تنقلب عليهم قتلا وتنكيلا.

 

أخطر شيء في هذه المرحلة الصعبة هو الشعور بالهزيمة، فالثورة ليست جيشا يحارب على جبهة، إنها شعب كامل يغير وسائله وأدواته وتكتيكاته، وهو مستمر بإذن الله، والحالة المعنوية تلعب الدور الحاسم في مسار المعارك، حتى الشأن العسكري هو قابل لتغيير الخطط والوسائل، ولا يجب أبدا التفكير بالانسحاب، أو بتفكيك مجموعات الجهاديين الثوار أو دمجهم، ولا تسليم سلاحهم قبل استكمال تحقيق أهداف الثورة، فهم الضامن الوحيد لكل ما سبق.

 

وهناك الكثير من الوسائل القتالية التي تتناسب مع الإمكانات ومع ظروف المعركة، لذلك أقترح على الثوار المجاهدين أن يستعدوا وأن يفكروا في احتمال تغيير إستراتيجيتهم العسكرية من حرب الجبهات، التي لا ضامن لصمودها كلها أمام الهجمة الشرسة الإيرانية، مع تواطؤ المجتمع الدولي، إلى حرب الاستنزاف، والعمل على الإفادة من المدنيين بكل الوسائل، خاصة عبر إعلان رؤية سياسية عملية مقنعة للناس، وليس خطابات نظرية متشددة لا أمل في تحقيقها، والسعي لعدم خسارة الحاضنة الشعبية، التي لن تكون حالها أفضل تحت بطش النظام، والسعي لتخفيف الهجرة قدر الإمكان، ووضع اليد على الموارد الذاتية.

 

كما يجب العمل على جر النظام لحرب استنزاف وإجباره على نشر قواته وإخراجها من قلاعها، وتحت ضغط خسائره البشرية وعدم سيطرته على الأرض، سيضطر للبحث عن مخرج ….. لكن وفي الوقت نفسه، على قسم من الثوار أن ينجزوا تحضيراتهم للانتقال للعمل السري المنظم، وأن يتعاونوا مع حلفاء الثورة في الدول المجاورة، خاصة تلك الدول التي دعمت النظام في إجرامه، والاستعداد لتنسيق التحرك في مواجهة أي انحراف أو انقلاب للسلطة الانتقالية الجديدة المفروضة، بدعم ورعاية من الدول الصديقة والعدوة التي لا يجب أن نثق بنواياها، والاستعداد لقلب الطاولة على أي حل لا يضمن ثوابت الثورة والوطن.

 

فهؤلاء الأبطال بسلاحهم وحاضنتهم الشعبية سيبقون الضامن الوحيد لمتابعة الثورة حتى تحقيق أهدافها، ولو بوسائل مختلفة، لأنه بتخليهم ستضيع كل تضحيات هذا الشعب، كما ستكون مهمة القوى المدنية التماسك السياسي والنضالي، والوقوف ضد أي قفز فوق العدالة، وضد أي محاولة لإعادة إنتاج النظام البائد ولو بصيغ أخرى، أو للتفريط بوحدة البلاد وسيادته وهويته، فالجسد الانتقالي المقترح سيكون هشا تتقاذفه الأمواج.

 

ما أقصده أن جنيف لن تأتي بالسلام ولا بالديمقراطية، بل ستغير قواعد اللعبة، ولن تعيد إنتاج النظام، ولن تقضي عليه، بل ستجد صيغ صراع أخرى علينا أن نستعد لها، ونتبادل الآراء والتصورات حولها، كي لا تفاجئنا الأحداث، وللحديث بقية …

 

لكن الثورة مستمرة بجنيف وغيرها، سلما وحربا، حتى النصر إن شاء الله …… والله الموفق.

 

د. كمال اللبواني / سياسي سوري ومؤسس التجمع الديمقراطي اللبرالي المعارض

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment