الرئيسية » أرشيف - الهدهد » تقرير أمريكي: ليبيا وخطر الحرب الأهلية المتنامي

تقرير أمريكي: ليبيا وخطر الحرب الأهلية المتنامي

في 16 أيار/مايو، أطلق اللواء السابق في الجيش الليبي خليفة حفترعملية كرامة ليبيا” في بنغازي بهدف “تطهير المدينة من الإرهابيين”. وجاءت هذه الخطوة بعد ثلاثة أشهر من إعلان حفتر عن الإطاحة بالحكومة، لكنه فشل في اتخاذ أي خطوات في أعقاب إعلانه ذلك. ومع هذا، فمنذ يوم الجمعة تتحدى وحدات الجيش الموالية لحفتر، رئيس أركان القوات المسلحة اللواء سالم العبيدي، الذي وصف هذه العملية بـ”الانقلاب”. وفي يوم الإثنين، قامت قوات متعاطفة مقرها في الزنتان بتوسيع العملية إلى طرابلس. إن هذه وغيرها من التطورات تدفع البلاد على حافة حرب أهلية، الأمر الذي يعقد جهود الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي.

خطوط فاصلة

تطعن القوى الإسلامية وغير الإسلامية منذ مدة طويلة في الادعاءات التي ينشرها الطرف الآخر بأنه هو النواة الشرعية لثورة 2011. وقد تمكنت الفصائل الإسلامية، أمثال “حزب العدالة والبناء” المرتبط بـ جماعة «الإخوان المسلمين» و”كتلة الوفاء للشهداء”، من الهيمنة على “المؤتمر الوطني العام” منذ صيف 2013 حين مُنع جميع الأعضاء السابقين في نظام القذافي – حتى أولئك الذين قاتلوا النظام – من المشاركة في الحكومة لمدة عشر سنوات وذلك بموجب “قانون العزل السياسي” الذي أُقرّ بالقوة. ونتيجة لذلك استُبعد بعض أعضاء “تحالف القوى الوطنية” الأكثر علمانيةً عن “المؤتمر الوطني العام” أو استقالوا منه، فيما تم تهميش كبار الموظفين وأولئك من ذوي المستوى المتوسط والعاملين في دواوين الحكومة والقوات المسلحة. وقد اضطرت القوات المسلحة، سواء عن قصد أم بحكم العواقب، إلى البقاء على الحياد فيما أجاز “المؤتمر الوطني العام” للميليشيات الإسلامية، شبه الرسمية أو غير الرسمية على حد سواء، حفظ الأمن في البلاد.

وتعمل هذه القوى الإسلامية تحت لواء وزارة الداخلية أو رئيس الأركان العبيدي بالدرجة الكبرى، وتواصل دعم رئيس “المؤتمر الوطني العام” نوري أبو سهمين. وتضم الوحدات التابعة لها كلاًّ من قوات “درع ليبيا” التي تبسط نفوذها على البلاد بأجمعها، والفصائل المتشددة في بنغازي، ومختلف الفصائل في شرقي طرابلس على غرار “غرفة عمليات ثوار ليبيا” ووحدات سابقة في “اللجنة الأمنية العليا”. وتعمل القوى غير الإسلامية عموماً بإمرة وزارة الدفاع، وخير من يمثّلها هي القوات الليبية الغربية كألوية القعقاع والصواعق والمدني (التي مقرها في الزنتان والقسم الجنوبي من جنوب غرب طرابلس)، وكذلك “القوات الخاصة” (الصاعقة)” التي مقرها في بنغازي. وتقف جماعة الاتحاديين المتمردين بقيادة ابراهيم الجثران أيضاً بمواجهة الإسلاميين.

تجدر الإشارة إلى أن ولاية “المؤتمر الوطني العام” كان من المفترض أن تنتهي قانونياً في 7 شباط/فبراير، إلا أن المؤتمر مدد هذه الولاية حتى نهاية العام على نحوٍ مثير للجدل. وقبل التمديد المذكور، هددت إحدى الميليشيات غير الإسلامية في الزنتان التي عارضت “قانون العزل السياسي” والتيار الإسلامي ككل بحلّ “المؤتمر الوطني العام”، واقتربت من مقاتلة القوات الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، أدى التصويت الذي أجري في “المؤتمر الوطني العام” من خلال اتخاذ إجراءات مشكوك فيها إلى إقالة رئيس الوزراء السابق علي زيدان من منصبه في 11 آذار/مارس وإحلال المرشح المدعوم من قبل الإسلاميين أحمد معيتيق محله في 4 أيار/مايو.

وفي 18 أيار/مايو، هاجمت قوات الزنتان “المؤتمر الوطني العام” في محاولة لاعتقال ممثليه وحلّ المجلس بالقوة. وأوضح المتحدث باسم حفتر، محمد الحجازي، هذه الخطوة لقناة “ليبيا لكل الأحرار” بقوله، “أن هذا البرلمان يدعم الكيانات المتطرفة، لذا كان الهدف من ذلك هو القبض على أولئك الإسلاميين الذين يتخفون تحت عباءة السياسة.”

مسرح العمليات الشرقي

كان انقلاب 14 شباط/فبراير الذي جاهر به حفتر محط استهزاء وسخرية على نطاق واسع في جميع أنحاء ليبيا نظراً لضعفه الواضح. وما كان من هذا الضابط الذي أُقصي منذ ذلك الحين – والذي قاد الجيش سابقاً خلال الحرب الكارثية التي شنها معمر القذافي ضد تشاد ويعتبر الآن من قبل البعض على أنه النسخة الليبية للقائد العسكري المصري عبد الفتاح السيسي – إلا أن توجّه إلى شرق ليبيا للتعافي من النكسة التي ألمّت به. ومن هناك طاف من مدينة سرت وصولاً إلى طبرق على الحدود المصرية ملقياً الخطابات السياسية لدعم قضيته المناهضة للإسلاميين ومجنّداً الجنود ورجال القبائل الساخطين. ومن جملة الأمور التي قام بها، اتهام الأحزاب الإسلامية في “المؤتمر الوطني العام” بإحباط عملية إعادة تأهيل الجيش وبعدم القيام بأي شيء للتصدي لحملة الاغتيالات التي تستهدف الأعضاء الحاليين والسابقين في المؤسسة الأمنية. كذلك تحدث عن إنشاء معسكرات تدريب لمكافحة الإرهاب، وكسِب ولاء القوات التي تحرس القواعد الجوية في الأبرق، وبنينا، ومؤخراً طبرق.

وفي سياق مناهضة الجماعات الإسلامية في بنغازي، تمحورت الخطوة الأخيرة التي أخذها حفتر حول جماعة “أنصار الشريعة في ليبيا” المصنفة على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب، وحول اثنين من الميليشيات الاسلامية هي: “سرايا راف الله السحاتي” و”كتيبة 17 فبراير”. ووفقاً لقناة “الجزيرة”، تشمل قوات حفتر كما أفادت التقارير، القوة الجوية وما يقرب من 6000 جندي وموالين من القبائل، وقد أنشأ هؤلاء حواجز تفتيش خارج بنغازي. ورداً على ذلك، فرض “المؤتمر الوطني العام” الذي يسيطر عليه الإسلاميون منطقة حظر جوي فوق بنغازي ضد طائراته المقاتلة الخاصة، ولكن لم يكون لذلك تأثير يذكر؛ فالتهديد الفعلي لسلاح حفتر الجوي هو الوجود الواسع الانتشار للأسلحة المضادة للطائرات، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي المحمولة التي تملكها “كتائب 17 فبراير”.

وجاءت عملية حفتر في أعقاب الاشتباكات المتصاعدة بين القوات الخاصة المعروفة بـ “الصاعقة” وتنظيم “أنصار الشريعة في ليبيا”، ومن ضمنها تفجيرٌ انتحاري وقع مؤخراً (تكتيك تصعيدي نادراً ما يشاهد في ليبيا) واغتيال مدير المخابرات العامة في بنغازي إبراهيم السنوسي بعد يوم من ظهوره على شاشة التلفزيون للتحذير من مؤامرة إسلامية. حتى أنّ الاقتتال بين “الصاعقة” و “أنصار الشريعة في ليبيا” أدى إلى تعاون عسكري غير مترابط مع ميليشيا القائد الاتحادي الجثران.

وصحيحٌ أن درجة تعاون حفتر مع الجثران وآمر قوات “الصاعقة” ونيس بوخمادة خلال الأيام القليلة الماضية ليست واضحة، لكن كلا الطرفين دعم رسمياً عملية حفتر في 19 أيار/مايو. ومنذ بدء الحملة، اتخذت وحدات “الصاعقة” موقع الهجوم ضد “أنصار الشريعة في ليبيا” في سيدي فرج والهواري والقوارشة ومناطق تيكا في بنغازي، ودعت جميع الليبيين إلى التظاهر دعماً لهذه ” الحركة القومية للدفاع عن الوطن”.

مسرح العمليات الغربي

كانت الأجواء المتوترة في طرابلس تحتدم قبل عملية حفتر العسكرية. إذ أصبح اختطاف الدبلوماسيين الأجانب – وأبرزهم السفير الأردني، الذي احتُجز من قبل جماعة تطالب بالإفراج عن عميل لـ تنظيم «القاعدة» –  تطوراً جديداً مثيراً للقلق في مدينةٍ تعيش إلى حد كبير بمنأى عن فظائع بنغازي. وبرر آمر “كتيبة الشيخ الشهيد محمد المدني”، ابراهيم المدني، عملية حفتر عبر إلقاء اللوم على “غرفة عمليات ثوار ليبيا” في قضية الاختطاف وفي “قتل وتدمير ليبيا”.

في 18 أيار/مايو، قامت بعثة تدعو نفسها “قيادة الجيش الليبي”- بقيادة قائد الشرطة العسكرية العقيد مختار فرنانة، من الزنتان – بالإدلاء ببيانٍ على قناة “ليبيا لكل الأحرار” دعت فيه إلى تعليق عمل “المؤتمر الوطني العام” وتكليف لجنة الستين في مدينة البيضاء، المنوط بها صياغة الدستور، بالسيطرةعلى “المؤتمر” لفترة مؤقتة، وتفعيل القوات المسلحة والشرطة، وإحياء عملية الحوار الوطني، وعودة النازحين الليبيين. وتعهّد البيان أيضاً بألا تكون ليبيا مهداً للإرهاب.

وبالإضافة إلى ذلك، ادعى فرنانة أن عملية حفتر “ليست انقلاباً إنما هي تعبير عن إرادة الشعب بوضع حد لـ «المؤتمر الوطني العام»”. وتبذل الصفحات التابعة للقعقاع والصواعق والمدني على الفيسبوك جهوداً متضافرة لتصوير المعركة بأنها ليست قبلية ولا هي محاولة للاستحواذ على السلطة، بل معركة ضد هيئة تشريعية “فقدت شرعيتها وهمّشت الجيش ودعمت الميليشيات الإرهابية.” وكما هو متوقع، وصفت “غرفة عمليات ثوار ليبيا” في بيانها الرسمي العملية برمتها بمثابة انقلاب. وفي حين يشارك القادة في الزنتان الأهداف نفسها مع حفتر، إلا أنه من غير الواضح مدى التنسيق بين الجبهتين أو مدى تشاركهما رؤية سياسية محددة؛ فمن الممكن أن يعارض الزنتانيون أي محاولة يقوم بها حفتر لوضع نفسه في مكانة القائد السياسي لهذه المعركة.

وحتى الآن، امتدت رقعة القتال من “طريق المطار” الخاضع لسيطرة الزنتانيين إلى مناطق أبو سليم وباب بن غشير. وشنت القوات الزنتانية هجوماً على “غرفة عمليات ثوار ليبيا”، فيما زعمت “قوة الردع الخاصة” الإسلامية المتمركزة في قاعدة معيتيقة الجوية في سوق الجمعة أنها صدّت هجوماً هي أيضاً. وتم إطلاق صواريخ غراد على “طريق المطار” من جهة الشرق، بالقرب من وادي الربيع في المنطقة الخاضعة للجماعات الإسلامية، وزُعم أن أحدها أصاب السفارة الأمريكية. ولا تزال خطوط المعارك تتكاثر في طرابلس ومن حولها، فيما تهدد الفصائل المركزية والغربية لقوات “درع ليبيا” بدخول العاصمة وتكشف القوات الزنتانية عن حركة للدبابات والمدافع الثقيلة.

تحديات لواضعي السياسات الأمريكية

يطرح الهجوم الأخير تحديات خطيرة على المساعي الأمريكية للتخفيف من حدة العنف في ليبيا والتوسط في النزاع، لا سيما وأن كل جهة تعتبر نفسها صاحبة الشرعية وتسعى إلى معاقبة الجهات الأخرى على تجاوزاتها. كما أن القتال يزيد من تعقيد الحل المتوازن المألوف وغير المريح الذي يقضي بالسعي إلى الاستقرار من جهة، وبإنجاز العملية السياسية المضطربة والديمقراطية في الظاهر من جهة أخرى. وفي حين أن لواشنطن مصلحة كبيرة بهزيمة المتطرفين، إلا أن أعمال حفتر والاتحاديين وميليشيات الزنتان المعارضة لـ “المؤتمر الوطني العام” تقلل ظاهرياً من شأن المؤسسة التشريعية الرئيسية في ليبيا، بغض النظر عن الحالة المتردية التي وصلت إليها. ومن هذا المنطلق، يجب على المسؤولين الأمريكيين وغيرهم من الأطراف الأخرى أن يفكروا في التركيز على لجنة الستين المنتخبة والمنوط بها صياغة الدستور وعلى عملية الحوار الوطني بدلاً من “المؤتمر الوطني العام،” لأنها قد تشكل آليات أفضل لتحقيق المصالحة.

أندرو اينجل هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن، حصل مؤخراً على شهادة الماجستير في دراسات الأمن من جامعة جورجتاون ويعمل حالياً كمحلل لشؤون أفريقيا. وكان قد تنقل في جميع أنحاء ليبيا بعد تحريرها الرسمي.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.