قال الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” في مقال نشره موقع “عين الشرق الأوسط” (MIDDLE EAST EYE) إن صفقات الطاقة غير المتوازنة التي وقعتها مصر مع إسرائيل في ظل حكم مبارك كلفت البلاد مليارات وتركت الناس يعانون من عجز يومي. ومع صعود السيسي لرئاسة مصر، فإن هذا يمهد الطريق لمزيد من استنزاف مقدرات البلد.
استغرقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية 60 عاما للاعتراف بضلوعها في الإطاحة بحكومة محمد مصدق، أول رئيس وزراء إيران منتخب ديمقراطيا، في العام 1953.
في حين قد لا يستغرق الكشف عن ملابسات الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا، محمد مرسي، وقتا طويلا، بغض النظر عمن وراء ذلك.
مصدق وضع حدا لمستقبله عندما أمم إنتاج النفط الإيراني، والذي كانت تحت سيطرة شركة النفط الأنجلو فارسية، لتصبح في وقت لاحق شركة بريتيش بتروليوم (BP). بينما كان عدو مرسي هو الغاز، وأثبت أنه عقبة رئيسة أمام صفقة مربحة مع إسرائيل، والتي على وشك أن تُعقد الآن، وقد أزاحوه الآن.
ويقول الكاتب إن “كلايتون سويشر” من قسم الجزيرة الانجليزية للتحقيقات أمضى خمسة أشهر للنبش في ملف صفقة البيع الفاسدة للغاز المصري إلى إسرائيل. وكشف تقريره أن مصر قد فقدت كمية هائلة من المال (11 مليار دولار، إضافة إلى الديون والالتزامات القانونية والتي تقدر بحوالي 20 مليار دولار) في صفقات بيع الغاز بأسعار بخسة لإسرائيل وإسبانيا والأردن.
في المقابل، جمع رجل الأعمال المصري حسين سالم، والذي كان طرفا أساسيا في الصفقة ومؤسس الشركة المصرية الإسرائيلية، شرق البحر المتوسط للغاز (EMG)، ثروة هائلة.
واعتقل سامح فهمي، الذي عمل في البداية لصالح شركة سالم قبل أن يصبح وزيرا للبترول بين عامي 1999 و2011، بعد وقت قصير من ثورة 25 يناير. في يونيو 2012، حُكم على حسين سالم في ظل حكومة مرسي، لمدة 15 عاما على صفقة الغاز الإسرائيلية.
وأُلقي القبض على سالم في أحد منازله بمدريد ولكن لم يُسلم إلى يومنا هذا. وقد أُسقط الحكم العام الماضي، ولا تزال إعادة المحاكمة معلقة.
ويقول الكاتب إن عملية الاحتيال كانت بسيطة. ذلك أن شركة EMG اشترت الغاز المصري بـ1.50 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (mmBTU) (رغم أنهم رفعوه إلى 3 دولارات في وقت لاحق) وبعد ذلك بيع إلى الشركة الإسرائيلية الكهربائية بقيمة 4 دولار لكل مليون وحدة. وكان هذا في وقت كانت تدفع فيه ألمانيا 8 – 10 دولار لكل مليون وحدة واليابان حوالي 12 دولارا.
وقد اختار رجل الأعمال المصري سالم، وكيل المخابرات المصرية في الستينيات من القرن الماضي، شركاء للصفقة من المخابرات الإسرائيلية. إذ إن شريك سالم في شركته EMG كان الضابط الإسرائيلي السابق ورجل الأعمال يوسي ميمان، وكان مدير شركته رئيس الموساد السابق “شبتاي شافيت”، الذي أقنع رئيس الوزراء ارييل شارون بالتوقيع الصفقة.
في ذلك الوقت، وصفت الصحيفة العبرية “يديعوت آحرنوت” سالم باسم “الرجل رقم واحد” في عملية التطبيع بين الدولتين.
ولم يتوقف تصدير الغاز لإسرائيل في ظل حكم حسني مبارك إلا خلال الثورة المصرية 2011. وكانت إسرائيل قبل هذا الوقت قد اكتشف الكثير من الغاز في شرق المتوسط، ذلك أنها لم تكن تنظر لمصر كمصدر للغاز، ولكن كوسيلة لتسييل الغاز وتصديره إلى الأسواق الدولية.
مع احتياطي يُقدر بحوالي 26 تريليون قدم مكعب من الغاز في حقل تنين و10 تريليون في حقل تمار، فإن إسرائيل لديها أكثر مما يكفي من الغاز لتلبية احتياجاتها المحلية والتسويقية. علاوة على ذلك، فإنه من المقرر أن تنخفض سعر الغاز في غضون السنوات القليلة القادمة، ولذلك، فإن إسرائيل بحاجة لبيعه الآن.
وفي الوقت نفسه، يقول الكاتب، ارتفع الطلب على استهلاك الغاز في مصر بما يتجاوز قدرتها على إنتاجه. الأمر الذي جعل مصر غير قادرة على الوفاء بالتزامها للشركات الأجنبية لتصدير الغاز، ودفعها لبحث السبل لاستيراد الغاز.
وكانت خطة إسرائيل تقضي بإنشاء محطتي للغاز الطبيعي المسال في مصر لتسييل الغاز لإسرائيل مع ضمان تمريره عبر قناة السويس إلى الأسواق الآسيوية المربحة. وكان مرسي عقبة رئيسية ليس لاستيراد الغاز الإسرائيلي وفقط، ولكن أيضا لاستخدام محطات الغاز الطبيعي المسال في مصر وقناة السويس لتصديره إلى الأسواق العالمية.
وقد حصل “سويشر” على مقابلتين صريحتين، الأولى مع إدوارد ووكر، السفير الأمريكي السابق في مصر، والذي قال بصوت عال ما لا يجرؤ كثير من زملائه السابقين في وزارة الخارجية اليوم على الاعتراف به:
“الإخوان المسلمون لديهم سمعة قوية جدا لأنهم غير مرغوب فيهم من قبل الغرب، وبشكل خاص من الولايات المتحدة، لذلك لم يكن من مصلحتنا حقيقة أن نراهم ناجحين”.
وقال إنه غني عن القول لماذا يبدو الرئيس عبد الفتاح السيسي جذابا جدا. “[السيسي] جذاب لأنه ليس مرسي …. وهذا انطلاقا من حرصنا على الإبقاء والحفاظ على العلاقة بين مصر وإسرائيل”.
والمقابلة الثانية مع “سايمون هندرسون” الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، الذي قال إن تغيير الحكومة في مصر يعني أن إسرائيل يمكن أن تعيد النظر في خيار تحويل بعض من احتياجاتها من الغاز إلى الغاز الطبيعي المسال. في ظل حكم مرسي، لم تكن هناك ثقة في أن مصر ستسمح لهذه الشحنات بالمرور عبر قناة السويس.
وختم حديثه بصراحة: “إن الجمهور المصري يمكن أن يجري عملية حسابية: إما أن يكون سعيدا بالحصول على الكهرباء 24 ساعة في اليوم لأنه يتعامل مع إسرائيل للتنعم بالغاز الطبيعي، أو يفضل أن يعيش تحت جنح الظلام لبعض ساعات في اليوم من أجل قضية مبدئية”.
عندما جاء مرسي إلى السلطة، هل كان لديه خيار أفضل؟ الجواب: نعم. فقد وافقت قطر على توريد 18 إلى 24 شحنة من الغاز الطبيعي إلى زبائن الشركتين التين تصدران الغاز من مصر.