لماذا تعشق النساء التسوق؟
قال سيجموند فرويد ذات مرّة لماري بونابرت: “إن السؤال الكبير الذي لم تتم الإجابة عنه أبداً، والذي لست قادراً بعد على الإجابة عنه، وعلى الرغم من ثلاثين عاماً من البحث في النفس الأنثوية هو: ما الذي تريده المرأة؟”.
وقد كثرت الدراسات التحليلية والكتب النظرية وحتى الأفلام الهوليوودية والتي تطرح هذا السؤال الذي عجز الكثيرين عن الإجابة عليه. ولكن خلال العقود الماضية ظهر عشقٌ جديدٌ لدى النساء قد يكمن فيه الجواب المثالي على هذا السؤال، وهو التسوق.
أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2013 أن الرجال يشعرون بالملل بعد قضاء ستة وعشرين دقيقة في التسوق بينما تشعر النساء بالملل بعد مرور ساعتين على الأقل. كما أظهرت الدراسة أن 80% من الرجال لا يحبون التسوق مع زوجاتهم وأن 45% منهم يتفادون التسوق مع زوجاتهم بأي ثمن. فما هو سبب هذا الاختلاف الجذري بين النساء والرجال؟
لما تستمتع النساء بتجربة التسوق؟
لمئات ألاف السنين وحتى عام 8000 قبل الميلاد، عمل البشر كصائدي الحيوانات وجامعي الثمار. أي أنهم نجوا واستمروا إما من خلال صيد الحيوانات البرّية (وهذا كان غالباً دور الرجال) أو جمع النباتات والفاكهة والمكسرات (وهذا كان غالباً عمل النساء). والمثير للاهتمام بالموضوع، هو أن النساء كنّا يعتبرن كالمعيلات الأساسيات لعائلاتهن حيث كنّا يجمعن حوالي 80 % من الطعام وساهم الرجال بحوالي 20 % من الطعام الناتج عن الصيد.
بعد العام 8000 قبل الميلادي، بدأت المجتمعات الإنسانية في الشرق الأوسط بالتحول نحو الزراعة وامتدت هذه الحركة تدريجياً إلى أوروبا وآسيا. إذاً، ما العلاقة بين غريزة الجمع والتسوق؟ العلاقة وثيقة جداً. فبالرغم من هذا التحول الزراعي، إلا أن الغريزة الأولى لدى النساء لجمع الغذاء لم تختفي. وقد لاحظ إخصائيي علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا، الذين قاموا دراسة سلوكيات صائدي الحيوانات وجامعي الثمار وكيف تنطبق هذه النظريات على العصر الحالي، أنّ البشر اليوم يقضون 12 إلى 20 ساعة أسبوعياً بالبحث عن الطعام سواء كان في السوبرماركت أو في المطاعم يتفحصون لوائح الطعام.
وبقيت النساء في وضع الجمع (Gathering Mode) حيث يقضين ساعات طويلة وهن يتنقلن من متجر إلى متجر (أو من شجرة إلى شجرة) بحثاً عن المنتج الأفضل (أو الطعام ذو القيمة الغذائية الأفضل) وبعد ذلك يعدن إلى منازلهن مع أكياس التسوق المليئة بالملابس والأحذية والمجوهرات (أو حعبةٍ مليئةٍ بالأطعمة). وبنفس الشكل، حافظ الرجال على غريزتهم في الصيد حيث كانوا يحددون هدفهم، يترصدون له، ومن ثم يصطادونه ويعودون إلى منازلهم منتصرين. وهذا ما يفسر أحادية تركيز الرجال (Mono-focus) فيما يتعلق بالتسوق حيث يقصدون المراكز التجارية لزيارة متجرٍ واحد أو بمهمةٍ واضحة عوضاً عن التنقل من متجر إلى الآخر.
أمّا بعيداً عن الغريزة الأولى، تعتبر النساء الراعي الأول لمصالح الأطفال وكبار السن ولذلك تتسوق النساء أكثر من الرجال فهن يتبضعن بالنيابة عن أزواجهن وأولادهن وأهلهن وأصدقائهن ومنازلهم وغيرها. ومع ارتفاع القدرة الشرائية لدى النساء، وتحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي وانتشار المجمعات التجارية التي تفيض بمختلف العلامات التجارية والمنتجات، أصبحت تجربة التسوق لدى النساء أكثر سهولة.
النساء هن السوق النامي القادم
أصبحت القوة الاقتصادية لدى النساء مذهلة وثورية خلال الأعوام الماضية وأصبحن يمثلن إحدى أهم الفرص المالية الواعدة للشركات العالمية. فقد توقع البنك الدولي أن يبلغ الدخل العالمي للنساء لأكثر من 5 تريليون دولار أميركي مع نهاية عام 2015.
وأثبتت الدراسات أن النساء يتحكمن بحوالي 65 % من الإنفاق الاستهلاكي العالمي أي ما يقدر بـ 20 تريليون دولار أميركي. وتؤثر النساء في كلا الدول النامية والمتطورة على معظم العمليات الشرائية الصغيرة والكبيرة. فاليوم، تتخذ المرأة معظم القرارات الشرائية في منزلها وليس فقط فيما يتعلق بالمنزل كالطعام والمفروشات والملابس والسيارات فحسب، بل تتخطاها إلى اتخاذ القرارات التي تتعدى دورها التقليدي وأصبح لها دورٌ فعال في صنع القرارات المصرفية والصحية والتعليمية وغيرها الكثير. وقد أظهرت الإحصائيات أن النساء يتخذن القرارات النهائية بشراء المنازل بنسبة 90 % و65 % للسيارات الجديدة و80 % لقرارات القطاع الصحي و66 % من الكمبيوترات.
هذا الأمر دفع إلى تغيير طريقة عمل الشركات الكبرى التي تصنّع منتجات كانت تعتبر رجالية في الماضي كالإلكترونيات والسيارات والتي أدركت أهمية دور المرأة كصانعة قرار، فقامت بتعديل رسائلها الإعلانية وتصاميمها للتوجّه إلى النساء.
إذاً، ما هي المشتريات المفضلة لدى النساء العرب؟
للنساء العرب العديد من المشتريات المفضلة ولكن القاسم المشترك بين هذه المشتريات هي الرفاهية. قد أظهرت الإحصائيات أن النساء العرب ينفقن حوالي 8 مليار دولار أميركي في مجال السلع الفاخرة سنوياً. كما ثبت أن هؤلاء النساء لهن الحصة الأكبر من سوق الموضة الراقية أو Haute Couture مع أكثر من ثلث مشتري الملابس الراقية يأتين من الشرق الأوسط.
أما المنتجات الأقرب إلى قلبهن فهي بلا شك هي مستحضرات التجميل. فقد كشفت الأرقام أنّ واردات السعوديّة من مستحضرات التجميل بلغت 91913 طنّاً بقيمة تجاوزت 1.08 مليار ريال منها 1599 طنّاً لأحمر الشفاه فقط بأكثر من 108ملايين ريال، وبمعدّل استهلاك يوميّ بلغ 251ألف كجم) من مستحضرات التجميل في اليوم، منها أكثر من 4.3 آلاف كجم استهلاك لأحمر الشفاه فقط. كما أظهرت دراسة مؤخراً أن النساء في دولة الإمارات ينفقن حوالي 60,000 درهم سنوياً على هذه المستحضرات. وبالطبع، لا يمكن أن ننسى القول القديم الذي يقول:” المجوهرات هي صديق المرأة المفضل”، حيث بلغ حجم سوق المجوهرات في المملكة نحو 30 مليار ريال ليحتل سوق الذهب والمجوهرات في المملكة المركز الثالث عالمياً من حيث الاستهلاك.
ومع ازدياد الوعي الاستثماري لدى النساء العرب، ظهر نوعٌ جديد من التسوق لديهن مؤخراً وهو القطاع العقاري. ففي الإمارات، أظهرت معاملات دائرة أراضي وأملاك دبي أن الاستثمارات العقارية المسجلة باسم النساء نحو 14 مليار درهم خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2014، منها 4383 صفقة أبرمتها نساء أجانب بقيمة 9.9 مليارات درهم، فيما أبرمت نساء عربيات 557 صفقة بقيمة 1.2 مليار درهم، في حين أبرمت النسوة الخليجيات 802 صفقة بقيمة تجاوزت 2.7 مليار درهم. وقال مدير عام الدائرة، سلطان بطي بن مجرن: إن “المنزل هاجس المرأة منذ الأزل، ودائماً ما تربط المرأة حياتها بسقف المنزل وتعتبره حجر الأساس في طمأنينة العائلة وضماناً لنجاح مسيرتها، ولأنها تتمتع بحدس لا يخطأ فهي تدرك مغزى الاستثمار العقاري ولا تتأخر في خوض غماره أو دعم الرجل وتشجيعه للدخول فيه”.
النساء في سوق العمل والقدرة الشرائية
أعلنت شركة “تي إن إس” الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن دخول المرأة سوق العمل واستخدامها للتكنولوجيا في دول العالم العربي قد حفزاها ودفعاها للتعبير عن نفسها. وكشفت النتائج أن التطلعات الرئيسة للنساء تتلخص في الحرية والاستمتاع والتعبير عن الذات ونيل الاحترام وقبول الجمال العلني، بالإضافة إلى ميل متزايد نحو الاهتمام بالصحة والعافية. ولذلك، لا شك أنّ مشاركة المرأة في سوق العمل تنعكس على قدراتها الشرائية. فمن خلال ارتفاع دخلها المستقل، ستتمكن من أن تصبح مستهلكة من الدرجة حيث لا يعود هناك أي قيود على إنفاقها وتزداد خياراتها.
ومن جهةٍ أخرى، أظهرت دراسة قامت بها شركة استراتجي أند (Strategy&ا عروفة سابقاً بـ Booz & Company) أنه إذا ما ساوت معدلات النساء معدلات الرجال في سوق العمل، فستساهم النساء بزيادة الناتج المحلي للإمارات بنسبة 12% وفي مصر بنسبة 34%. كل هذه الأرقام تظهر بوضوح الدور المحوري الذي تلعبه المرأة في القوى العاملة في تحفيز النمو الاقتصادي وليس فقط من الناحية الاستهلاكية فحسب بل من الناحية الإنتاجية.