خلف مركز للتسوّق بالقرب من مركز مدينة الدوحة، يوجد مطعم هادئ حيث اعتاد حسام على إدارة أعمال لواء الثوار السوريين التابع له. في عام 2012 و2013، كان هناك 13 ألف من الرجال تحت سيطرته بالقرب من مدينة دير الزور شرق البلاد. وقال حسام: “جزء من الجيش السوري الحرّ (FSA)، كانوا موالين لي”. وأضاف: “كان لدي فريق جيّد للقتال”.
وحسام هو أحد المغتربين السوريين في منتصف العمر، ويملك العديد من المطاعم في جميع أنحاء الدوحة، وهي المطاعم التي يرتاد معظمها أبناء الطبقة الغنية في البلاد. الطعام ممتاز، وفي الليل تمتلئ مطاعمه بالقطريين، والغربيين، والعرب، الأنيقين. وبعضٌ من دخْله لا يزال يذهب في اتجاه دعم ألوية مقاتلة في سوريا، أو في اتجاه دعم المدنيين بالسلع الإنسانية، من بطانيات ومواد غذائية وحتى سجائر.
ويصر حسام على أنه قد توقف عن إرسال الأموال إلى المعركة، في الوقت الراهن. وكما يقول، فقد جاءت الأموال للوائه، على الأقل جزئيًا، من قطر، وتحت توجيه من وزير الدولة للشؤون الخارجية في ذلك الوقت، خالد بن محمد العطية. ولكن ضخّ الأموال كان مخصصًا، حيث إن العشرات من الألوية الأخرى تلقت التمويل في البداية، ولكن بعضها فقط استمرّ بتلقي الدعم القطري مع مرور الوقت.
وعندما نفذت الأموال في منتصف 2013، سعى مقاتلو حسام للبحث عن الدعم في مكان آخر. وعن هذا يقول حسام: “المال يلعب دورًا كبيرًا في الجيش السوري الحر. وفي هذا اللواء، لم يكن قد تبقى لدينا المال”.
وحسام هو شخصية هامشيّة في شبكة واسعة من الوكلاء القطريين ذوي الميول الإسلامية، والتي تمتد لتشمل جنرالات سوريين سابقين، مسلحي طالبان، الإسلاميين الصوماليين، ومتمردين سودانيين. غادر حسام وطنه عام 1996، بعد العيش لأكثر من عقد من الزمن تحت ضغط من النظام السوري بسبب تعاطفه مع الإخوان المسلمين.
قتل العديد من أصدقائه في مجزرة تعرضت لها الجماعة في محافظة حماة في عام 1982 على يد الرئيس حافظ الأسد. وفي النهاية، وجد هذا الرجل ملجأً له هنا في قطر، وبنى عمله واتصالاته ببطء. ويقول حسام: “في الغالب، اعتادت الدوحة على أن تكون مرحبة جدًا بالرئيس الشاب بشار الأسد وزوجته الأنيقة، حيث كانا كثيرًا ما يشاهدان في محلات الأزياء الراقية قبل اندلاع الثورة في عام 2011″.
وفي الأشهر الأخيرة، أثبت الوسطاء في قطر، مثل حسام، أنهم قد يشكلون نعمة ونقمة في نفس الوقت بالنسبة للولايات المتحدة. فمن ناحية، لم تتوانَ واشنطن عن طلب مساعدة الدوحة عندما احتاجت لها: قطر دبرت تبادل الأسرى الذي شهد الإفراج عن الجندي الأمريكي، بو بيرغدال، بمقابل إطلاق سراح خمسة سجناء من طالبان في خليج غوانتنامو.
وأدارت أيضًا المفاوضات مع جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، وهو ما أدى إلى تحرير الكاتب الأمريكي، بيتر ثيو كورتيس، في أغسطس. وأرسل رئيس المخابرات القطري، غانم خليفة الكبيسي، بعد الانتهاء من الإفراج عن الكاتب الأمريكي، كلمة “تم”، مرفقة بإشارة أصابع النصر المرفوعة، إلى أحدهم.
ولكن نفس الشبكة القطرية هذه لعبت أيضًا دورًا رئيسًا في زعزعة استقرار كلّ بقعة فيها مشاكل في المنطقة تقريبًا، وتسريع نمو الفصائل الراديكالية والجهادية. وتراوحت النتائج من سيئ إلى كارثيّ في البلدان التي استفادت من المساعدات القطرية، حيث شهدت ليبيا حربًا بين الميليشيات، وطغى على المعارضة السورية الاقتتال الداخلي وتجاوزات المتطرفين، كما يعتقد البعض بأنّ تعنت حماس ساعد في إطالة المحنة الإنسانية في قطاع غزة.
ولسنوات، كان المسؤولون الأمريكيون على استعداد لتجاهل شبكة وكلاء الدوحة، أو حتى الاستفادة منها من وقت لآخر، ولكن جيران قطر لم يفعلوا هذا. خلال العام الماضي، وبّخت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، قطر علانيةً لدعمها الإسلام السياسي في جميع أنحاء المنطقة. وهددت هذه الدول بإغلاق الحدود البرية أو تعليق عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي الإقليمي ما لم ينخفض دعمها للجماعات المقاتلة.
وبعد نحو عام من الضغط، جاءت أول علامة على تنازل القطريين في 13 سبتمبر/ أيلول، عندما غادرت سبع شخصيات من الإخوان المسلمين المصريين الدوحة، بناءً على طلب من الحكومة القطرية.
وكل من قطر ومنتقديها يعملون لضمان أن واشنطن سوف تقف على جانبهم من النزاع داخل الخليج. وفي أواخر الأسبوع الماضي، نشر غلين غرينوالد في موقع “ذا إنترسيبت” كيف أجرت شركة كامستول في واشنطن، والتي لديها علاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، اتصالات مع الصحفيين لنشر المواد التي تروج إلى أنه قد تم جمع التبرعات لجماعات مثل جبهة النصرة، وحماس، بشكل علني في الدوحة، عاصمة قطر.
وحصلت مجلة “فورين بوليس” أيضًا على وثائق من مجموعة كامستول، والتي يديرها مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية هو ماثيو إبشتين. وعلى الرغم من أن بعض المعلومات التي يشير إليها هذا التقرير هي مفتوحة المصدر، إلّا أن الغالبية العظمى من المعلومات تأتي نتيجةً لأشهر من التحقيق في المنطقة.
وبعد عدة أسابيع من الضغط، انتقلت قطر إلى الهجوم. وقال أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، لمحطة CNN التلفزيونية الأمريكية في 25 سبتمبر: “نحن لا نقوم بتمويل المتطرفين”. وقبل هذه المقابلة بأسبوع، وضعت قطر قانونًا جديدًا لتنظيم الجمعيات الخيرية ومنعها من الانخراط في السياسة.
ويوم 15 سبتمبر، بدأت الدوحة عقدًا جديدًا لمدة ستة أشهر مع شركة بورتلاند للعلاقات العامة في واشنطن، والذي قد يشمل الضغط على الكونغرس وإطْلاع الصحفيين على سياسات الدوحة.
وحتى الآن، لا يبدو أن واشنطن مستعدة لمواجهة قطر مباشرةً. وبصرف النظر عن وزارة الخزانة الأمريكية، والتي اتهمت الأسبوع الماضي مواطنًا قطريًا ثانيًا بدعم تنظيم القاعدة في سوريا وأماكن أخرى، لم يصرح أيٌّ من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية علنًا بأن الدوحة قد أصبحت مزعجة بالنسبة لهم.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن لا أحد سوف يكون متاحًا للتعليق على هذا الموضوع. لكن، وفي بيان أصدرته الوزارة في 26 أغسطس، وصفت قطر بأنها “شريكٌ مهمٌّ للولايات المتحدة”، وتم منحها الفضل في “لعب دور مؤثر في المنطقة خلال فترة التحول الكبير”.
ويقول جان لوي بروغيير، الرئيس السابق لبرنامج تتبع تمويل الإرهاب المشترك بين إدارة الاتحاد الأوروبي ووزارة الخزانة الأمريكية، ومقرّه الآن في باريس، إنّ السؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للتخلي عن قطر إذا فشلت الأخيرة في وقف دعم مواطنيها للجماعات المتطرفة.
وأضاف المسؤول متحدثًا إلى فورين بوليسي عبر الهاتف، إنّ “الولايات المتحدة لديها الأدوات اللازمة لمراقبة التحويلات الحكومية وشبه الحكومية للجماعات المتطرفة. ولكن المخابرات هي شيء، ورد الفعل هو شيء آخر”.
أصدقاء قطر
ليس هناك إشارة أكثر وضوحًا على طموحات قطر من حقيقة أنّ سائقي سيارات الأجرة في الدوحة هم غير متوفرين على الدوام. مع عمليات البناء الجارية في كل مكان كجزءٍ من خطة البنية التحتية بقيمة 100 مليار دولار للإعداد لاستضافة كأس العالم 2022، أصبحت الأمور تسير بسرعة لا يستطيع سائقو سيارات الأجرة في المدينة مجاراتها.
وعلى المسرح العالمي، لا ترى قطر دورها بطريقة أقل تكلفًا. تحت السقوف العالية لفنادق الخمس نجوم في الدوحة، توجد وفود من جميع أنحاء العالم جاءت للحصول على الدعم لقضاياها. الحكومات والأحزاب السياسية والشركات والجماعات المتمردة من الداخل والخارج تهرول مسرعة في انتظار أن تنظر السلطات القطرية ذات الصلة في اقتراحاتها ومطالبها.
ويشير الفندق الذي يقيم فيه الزوّار إلى نوعية الدعم الذي يتوقعونه. زعيم حماس، خالد مشعل، كان يقيم في فندق فور سيزونز، والمعارضة السورية تقيم في فندق وريتز كارلتون، وهما من الفنادق القديمة. وأما فندق دبليو هوتيل، وهو جديد وفاخر، فتقيم فيه عادةً الوفود الأوروبية التي تسعى للاستثمار في العقارات أو الغاز الطبيعي.
وبالنسبة إلى فندق الشيراتون، والذي كان من أوائل الفنادق في الدوحة، فقد عفا عليه الزمن الآن، وفيه بقي كبار المتمردين في دارفور خلال مفاوضاتهم مع الحكومة السودانية. الجميع يريد الانضمام إلى الشبكة هنا، لأنه، وكما قال أحد السوريين المقيمين في الدوحة: “قطر لديها المال، وقطر يمكنها تحقيق الاتصال بين الأموال”.
وكثيرًا ما كان الفائزون في هذا الزحام هم أولئك الذين لديهم أطول العلاقات مع هذه الدولة الصغيرة والغنية بالغاز، وهؤلاء هم عادةً من قادة جماعة الإخوان المسلمين. الدوحة كانت قد أصبحت بالفعل مركزًا للمتطرفين في وقت مبكر من بداية الألفية الثانية، وذلك حين برزت هناك مؤسسات الفكر والرأي والجامعات، التي تمولها الحكومة، والمليئة بالمفكرين الإسلاميين.
قناة الجزيرة، والممولة حكوميًا أيضًا، كانت تنمو في جميع أنحاء المنطقة، وتقدم صورة إيجابية عن شخصيات الإخوان في جميع أنحاء الشرق الأوسط. والعديد من كبار مستشاري العائلة الحاكمة كانوا كذلك على ارتباط بالإخوان، مثل رجل الدين المصري المثير للجدل يوسف القرضاوي، والذي يرأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من الدوحة.
وما رأته الدوحة في جماعة الإخوان المسلمين هو أنهم كانوا مزيجًا من التديُّن والكفاءة. وعلاوةً على ذلك، فقد سعت العائلة الحاكمة القطرية إلى تمييز نفسها عن الملكيات المنافسة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما حاربا الإسلام السياسي لأنه يشكل خطرًا من خلال سعيه إلى السلطة.
ويقول صلاح الدين الزين، وهو رئيس مركز الجزيرة للدراسات: “جاء الإسلاميون [إلى المنطقة] في الثمانينيات، وكانت قطر تحاول أن تتحالف مع القوى التي رأت بأنها على الأرجح سوف تكون القوى المهيمنة في المستقبل”.
ولكن جماعة الإخوان المسلمين العالمية هي ليست ملكًا لقطر فقط. ولا العائلة الحاكمة.. هناك مُثُل وأفكار تشترك فيها قطر مع الإخوان. الأمر الذي كثيرًا ما يتم إغفاله هو الشق الثاني من سبب تعاطف قطر الرسمي مع الإخوان، وهو الحركة السلفية.
عندما نشأوا في التسعينيات، قام ناشطو السلفية [الحركية] بدمج أيديولوجية المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية مع الأهداف السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. بعض هؤلاء المفكرين أصبحوا فيما بعد أول تجسيد لتنظيم القاعدة، في حين حصدَ آخرون منهم على موطئ قدم قويّ في الكويت المحررة، حيث تم تشكيل أول حزب سياسي سلفي ناشط.
وفي قطر، وجد هؤلاء السلفيون مكانًا حاضنًا لهم. حيث، وعلى مدى السنوات الـ 15 الماضية على وجه الخصوص، أصبحت الدوحة مركز التشغيل الفعلي للمجتمع المترابط للسلفيين الذين يعيشون في قطر، وكذلك للسلفيين الذين يعيشون في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وأماكن أخرى. استضافت الوزارات القطرية رجال الدين، ودعتهم للحديث عن الأحداث الهامة.
كما قامت الجمعيات الخيرية باحتضان قضية السلفيين، ومنها جمعية الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، والتي تنظم أعمالها وزارة قطر للعمل والشؤون الاجتماعية، والتي هي ربما “منظمة الإغاثة الأكبر، والأكثر تأثيرًا، التي يتحكم بها ناشطو السلفية حول العالم”، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.
وفي وقت مبكر من عام 2003، بدأ الكونغرس الأمريكي يدرك أن المؤسسات الخيرية القطرية تساعد في تحريك وغسل أموال على صلة بتنظيم القاعدة. وفي الوقت نفسه، كان تأثير قطر العالمي في صعود. حيث بدأت الخطوط الجوية القطرية المدعومة من الدولة فورة شراء طائرات في عام 2007 لتغذية توسعها الهائل، وربط الإمارة بكل ركن من أركان العالم.
وبحلول عام 2010، أصبحت الجزيرة من وسائل الإعلام الأكثر تأثيرًا في العالم العربي، وذلك بفضل ميزانيتها السنوية الضخمة، والتي تبلغ 650 مليون دولار.
إسقاط السلطة بالوكالة
وكانت قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تَخف من التغييرات التي هزت العالم العربي بدءًا من عام 2011. بخلاف المملكة السعودية التي أرعبها تخلي واشنطن السريع عن حليفها لعقود طويلة في مصر، حسني مبارك.
البحرين بدأت تنتفض عندما نزلت غالبية السكان من الشيعة إلى الشوارع للمطالبة بنفوذ سياسي أكبر. وانضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قطر في دعم ضربات حلف شمال الأطلسي في ليبيا، ولكنها كانت أكثر تحفظًا بكثير فيما يخص صعود الإخوان المسلمين هناك وفي مصر، وذلك خوفًا من أن المجموعة سوف تنشط العواطف الإسلامية بين سكانها أيضًا.
ولكن قطر، وفي الوقت نفسه، كانت قد وضعت رهانها لفترة طويلة على أن الإسلام السياسي هو الشيء الكبير المقبل. ويقول المحلل السياسي الكويتي عبد الله الشايجي: “قطر تؤمن بأمرين: أولًا، الدوحة لا تريد بأن يكون السعوديون اللاعب الرئيس أو الوحيد في المنطقة السنية في الشرق الأوسط. وثانيًا، قطر تريد أن يكون لها دور تلعبه كقوة كبرى في المنطقة”.
ولكن هذه الطموحات الكبرى للسياسة الخارجية لقطر واجهت صعوبات رئيسة. البلاد هي موطن لأقل من 300 ألف فقط من المواطنين، ويتركز اتخاذ القرار الحكومي فيها في أيدي عدد قليل من المسؤولين فقط. ولذلك سعت قطر إلى تضخيم تأثيرها عن طريق العمل من خلال شبكتها من الحلفاء الإخوان والسلفيين.
ويقول أندرياس كريج، وهو أستاذ مساعد في كلية كينغز في لندن ومستشار للقوات المسلحة القطرية: “القطريون يعملون عادةً من خلال تحديد الأفراد الذين يعتقدون بأن أيديولوجياتهم تسير على نفس موجة الأيدولوجيات القطرية”. ويضيف: “هؤلاء هم الناس الذين يمكن الوثوق بهم بالنسبة للدوحة”.
وكان الاختبار الأول لسلسلة وكلاء قطر في ليبيا، حيث كان هناك إجماع إقليمي واسع، وكذلك دعم أمريكي، على الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي. وقعّت قطر، جنبًا إلى جنب مع دولة الإمارات العربية المتحدة، على الضربات الجوية الغربية ضد النظام الليبي. ولكن الدوحة أرادت أيضًا المساعدة في بناء قوة المتمردين على الأرض.
ويقول كريج: “كان عليهم حرفيًا الذهاب إلى دفتر العناوين والتساؤل: من الذين نعرفهم في ليبيا؟ هكذا قاموا بتنسيق العملية هناك”. ووفقًا لما قدرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية لاحقًا: قامت الدوحة بوضع قائمة من رجال الأعمال والأصدقاء القدماء من جماعة الإخوان والحلفاء فكريًا لها، قبل أن تمدهم بعشرات الملايين من الدولارات، و20 ألف طن من الأسلحة.
وبعد حرب طويلة استمرت لأشهر، كان الثوار قد استولوا على طرابلس، وكان القذافي قد مات. وهنا، وجد عملاء الدوحة أنفسهم وقد أصبحوا من بين سماسرة السياسة الأكثر نفوذًا في ليبيا الجديدة. وحتى بعد فترة طويلة من انتهاء ضربات حلف شمال الأطلسي، استمرت بعض الميليشيات المدعومة من قطر بتلقي الدعم.
وفي خضم النشوة الأولى من الربيع العربي، توقع الكثير بأن احتجاجات سوريا سوف تؤدي إلى إسقاط نظام الأسد بسرعة. حيث كان الرؤساء في تونس ومصر قد استمروا لأسابيع فقط قبل أن يستقيلوا، وبعدها، وقف العالم بسرعة من أجل الإطاحة بالقذافي الأكثر ثباتًا. وبحلول شهر أغسطس، دعت واشنطن الأسد إلى التنحي كذلك. ولم يمض وقت طويل بعد ذلك، حتى بدأت قطر بشن عملياتها السورية، على غرار مغامرتها الليبية.
وأصدرت الدوحة دعوة لمقدمي العروض للمساعدة في الإطاحة بنظام الأسد. ويتذكر حسام: “عندما بدأنا كتيبتنا [في عام 2012]، قال لنا القطريون: أرسلْ لنا قائمة بالأعضاء الخاصين بك، وأرسلْ لنا قائمة بما تريد من رواتب واحتياجات دعم”. وبالفعل، قام حسام، والعشرات مثله ممن يريدون أن يصبحوا زعماءً للثوار المسلحين، بإرسال قوائمهم. حسام لا يقول كم من المال حصل عليه لوائه، ولكنه يقول بأن حملات جمع التبرعات التي قام بها للدعم الإنساني أثمرت مئات الآلاف من الريالات.
وكان أصدقاء قطر في الخارج يعملون أيضًا. طوال عام 2012، وفي أوائل عام 2013، تعاون السلفيون الناشطون في الكويت مع المغتربين السوريين لبناء وتمويل وإمداد الكتائب المتطرفة، والتي كان من شأنها أن تصبح في نهاية المطاف جماعات مثل جبهة النصرة، وحليفتها الوثيقة، أحرار الشام.
ومن خلال استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي في الترويج لقضيتهم، والاعتماد على علاقاتهم الوثيقة برجال أعمال ودين كويتيين، جمع الكويتيون مئات الملايين من الدولارات لعملائهم. وكانوا قادرين على العمل دون عوائق أساسًا، وذلك بفضل قوانين مكافحة تمويل الإرهاب المتراخية في الكويت، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية التعبير فيها.
وكان أحد المانحين الكويتيين هو الشاب رجل الدين السلفي، حجاج العجمي، والذي عين في يوم 6 أغسطس على أنه ممول للإرهاب وداعم لجبهة النصرة، من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. العجمي يدير ما يسمى باللجنة الشعبية لدعم الثورة السورية، وكثير من ملصقات حملاته على تويتر تحدثت عن العمل الخيري، والذي يشمل إعطاء الطعام أو الدواء للمحتاجين والمشردين.
ولكن، وفي يونيو/ حزيران 2012، دعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر رجل الدين هذا لكي يتكلم في المدينة الساحلية من الخور، 30 ميلًا خارج الدوحة، حيث جادل بأن الدعم الإنساني وحده لن يطيح بالنظام السوري. وقال العجمي: “هل تعلم أن إسقاط دمشق لن يكلف أكثر من 10 ملايين دولار؟ إن الأولوية هي دعم الجهاديين وتسليحهم”.
وفي الأشهر التي تلت ذلك، أصبحت العديد من حملات العجمي في الكويت تعمل بالتوازي مع حملات له في قطر. ويمكن وضع التبرعات تحت اسم مبارك عجمي، وفقًا لملصقات الحملة، والتي تؤكد على أن العجمي هو من يقوم بعملية “الإشراف”. ويصف حساب عجمي على تويتر هذا الشخص بأنه من محبي الجهاديين السنة الذين يكرهون “الشيعة والكفار”، وصفحته مليئة بالثناء على أسامة بن لادن.
وأحد زملاء العجمي في الكويت، وهو رجل دين يدعى محمد العويهان، يستخدم أيضًا قطر كقاعدة لنشاطه، واصفًا إياها “ببلده الثاني”. ومؤخرًا، في أبريل، جمع العويهان القطريين للمساعدة في إعداد المقاتلين للمعركة على الساحل السوري، وقال في إحدى ملصقاته: “إن الجهاد هو جهاد المال في سوريا”، واضعًا أرقام للاتصال في الكويت وقطر.
ومن بين كتائب الثوار التي أصدرت أشرطة فيديو لشكر رجل الدين الكويتي، محمد العويهان، هي حركة أحرار الشام، وهي جماعة سلفية أحد كبار قياداتها كان سابقا من عناصر تنظيم القاعدة وقتل هذا العام. ويقول أحد مقاتلي المجموعة في فيديو صدر في أكتوبر 2013: “يا أيها الناس الطيبون في قطر، ويا شعب الخليج، وصلت أموالكم”. كما وتفاخر العجمي بقربه إلى أحرار الشام في تغريدة له يوم 9 سبتمبر تظهر رسالة خاصة وصلته من زعيم الجماعة، وذلك عندما تم اتهامه بتمويل الإرهاب من قبل وزارة الخزانة الأمريكية.
وقد دبّرت كل أنشطة جمع التبرعات هذه من قبل أفراد، وليس من قبل الحكومة، كما أكدت قطر في دفاعها عن نفسها خلال الأسابيع الأخيرة. ولكن النقطة هنا، هي أنه، ومن خلال الاعتماد على الوسطاء، لم تستعن الدوحة بمصادر خارجية من أجل القيام بالعمل فقط، ولكنها أيضًا تتحمل مسؤولية التوسط. وحتى لو لم تشارك قطر بشكل مباشر، فإنها بالتأكيد ليست غافلة عما يجري ضمن شبكتها.
العديد من رجال الدين في الحركة السلفية، مثل العجمي، كانوا صريحين في دعمهم لمجموعات مثل جبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا.
رجل الدين السعودي محمد العريفي، والذي دعا إلى تسليح الجهاديين في سوريا وفلسطين، دعي من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر لإلقاء خطبة الجمعة ومحاضرة في مسجد قطر الكبير، في مارس 2012، ويناير 2014.
وكان السلفي الكويتي، نبيل العوضي، والمعروف بجمع التبرعات لجماعات قريبة إلى جبهة النصرة، المحاضر الرئيس في مهرجان رمضان في قطر، في 4 يوليو عام 2014، والذي استضافته مجموعة خيرية على ارتباط وثيق بالحكومة.
رهينة بيد الوكلاء
وبدأت استراتيجية الربيع العربي لقطر تفشل في نفس المكان الذي بدأت بالنجاح فيه، وهو وسط جموع المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة.
في 3 تموز 2013، هتف المتظاهرون للجيش المصري لقيامه بخلع الرئيس (الإخواني) محمد مرسي، والذي أيدت قطر حكومته بما يصل إلى 5 مليارات دولار. وخلال أيام، رحبت المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت بالحكومة الجديدة المدعومة من الجيش، مع تعهدات من هذه الدول مجتمعة بتقديم 13 مليار دولار من المساعدات لها.
وبعد أيام أيضًا، استولت المملكة العربية السعودية على التحكم بدعم المعارضة السورية عن طريق تثبيت القيادة السياسية المفضلة لها. وقبل بداية الخريف، كانت ليبيا قد سقطت أيضًا في حالة من الفوضى المطلقة، وكمثال على هذه الفوضى كان الاختطاف المؤقت لرئيس وزراء البلاد في أكتوبر 2013. وبخنوع، تعهدت الدوحة، والتي شهدت للتوّ فقط صعود الأمير الجديد البالغ من العمر 33 عامًا، بالتركيز على شؤونها الداخلية.
ويقول حسين إيبش، وهو زميل بارز في فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين: “واحدة من الأشياء عن السياسة الخارجية لدولة قطر هي مدى الفشل الكامل والشامل الذي تعرضت له، وما يقرب من سلسلة متواصلة من الكوارث”. ويضيف: “ولكن، ولأن كل شيء يعمل بالوكالة، فإن لا شيء سيئ يحدث لقطر أبدًا”.
وفي كل من ليبيا وسوريا، ساعدت قطر مجموعات مدعومة دوليًّا، ولكنها أيضًا وجهت دعمها لأفراد وميليشيات بشكل مباشر. في ليبيا، على سبيل المثال، واحدة من قنوات قطر الرئيسة إلى الثوار، وهو رجل الدين علي الصلابي المقيم في الدوحة، اشتبك بشراسة مع محمود جبريل، وهو الزعيم المدعوم من الغرب، والذي شغل منصب رئيس الوزراء المؤقت حتى استقالته في أكتوبر 2011، محذرًا من “الفوضى” بينما اشتبكت الفصائل المختلفة من أجل السيطرة على السلطة.
واليوم، يبدو بأن تحذيره كان ذا بصيرة، حيث إن ليبيا أصبحت غارقة في معركة متسارعة بين مختلف الميليشيات المتناحرة والمنقسمة على طول الخطوط الإقليمية والأيديولوجية. ووفقًا للتقارير، عملت دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال استخدام طائرات أمريكية الصنع وقواعد الانطلاق في مصر، على القيام بعدة جولات من الغارات الجوية لدحر الإسلاميين الليبيين الممولين قطريًا منذ منتصف أغسطس.
وفي سوريا، حيث صبت شبكة قطر أكثر قوتها، وأدت المنافسة بين العملاء القطريين والسعوديين إلى جعل المعارضة السياسية بلا أسنان، وأصبح ينظر إليها على أرض الواقع باعتبارها تابعة لقوى أجنبية. وفي الوقت نفسه، وطوال عامي 2012 و2013، أدت هذه المنافسة إلى انتشار الجماعات المتمردة وتنافسها على التمويل. وبعض عملاء قطر أصبحوا ألوية رئيسة، مثل لواء التوحيد، والذي وحد زعيمه الثوار المتفرقين في معركة للسيطرة على حلب.
وبمعنى آخر؛ لم يكن هناك من منتصر. قطر، والقوى الدولية الأخرى، دعمت بشكل عشوائي عشرات الألوية المختلفة، وسمحت لهم بالتقاتل من أجل تأمين حصة أكبر من التمويل. كان لدى هذه الألوية القليل من الحوافز للتعاون في العمليات، ناهيك عن الاستراتيجيات. ولم يكن لدى داعميهم كذلك أي حافز لدفعهم إلى التوحد؛ لأن هذا قد يضعف من نفوذ هؤلاء المانحين بين الثوار.
وحفز نظام المناقصات الذي اتبعته قطر أيضًا الفساد، حيث بدأ الوسطاء بالمبالغة بقدراتهم على الأرض أمام المانحين في الدوحة.
ويقول حسام: “في كثير من الأحيان، تقدم الجماعات أسماء لـ 3 آلاف شخص على أنهم يقاتلون في صفوفها، ولكن في الواقع يكون هناك فقط 300 أو 400 شخص”. ويضيف: “المال الزائد يذهب في الطريق الخاطئ. وهم يفعلون الشيء نفسه مع العمليات. إذا كانت الاحتياجات الفعلية هي مليون دولار، فإنهم ربما يقولون بأنها 5 ملايين دولار. ومن ثم تختفي الـ 4 ملايين الأخرى”.
وساعدت فوضى التمويل هذه في دفع المقاتلين بشكل متزايد إلى الالتحاق بالمجموعات التي يبدو بأن لديها بعض التوازن بين التمويل والأهداف، وهذه المجموعات كانت في نهاية المطاف جبهة النصرة، وداعش.
حيث شهد العام الماضي سلسلة من الانشقاقات في صفوف الجماعات الأكثر اعتدالًا، لصالح الانضمام إلى صفوف هذه الجماعات المتطرفة. وفي ديسمبر عام 2013، على سبيل المثال، أعلن القائد السابق للجيش السوري الحر في دير الزور، صدام الجمل، في شريط فيديو، بأنه انضم إلى “الدولة الإسلامية”، لأنه، “وبينما مرت الأيام، أدركنا بأن الجيش السوري الحر كان مشروعًا تم تمويله من قبل بلدان أجنبية، وخاصةً قطر”.
ومن غير المرجّح أن الحكومة القطرية، أو أي دولة خليجية، دعمت في أي وقت مضى “الدولة الإسلامية”. ولكن، وكما في حالة جمال، فإن بعض الأفراد الذين استفادوا من الأموال القطرية ذهبوا للانضمام إلى ألوية أكثر تطرفًا، مع خبراتهم وأسلحتهم.
ويوضح إميل الحكيم، وهو زميل بارز لأمن الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “طورت قطر في وقت مبكر من علاقاتها مع بعض الجماعات المتمردة التي قامت بالتطرف في وقت لاحق، وانضمت إلى فضاء السلفية الجهادية، بما في ذلك النصرة، وربما الدولة الإسلامية”.
ويضيف: “إن الطبيعة المتغيرة للتمرد السوري خلقت في كثير من الأحيان إشكاليات مضرة وغير مقصودة، وفي بعض الأحيان تشابكات مفيدة”.
وحتى مع انجذاب المعارضة السورية نحو التطرف، جادلت قطر في أواخر عام 2012 بأن على العالم أن يقلق بشأن المتطرفين في وقت لاحق. وقال خالد بن محمد العطية، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في مؤتمر أمني في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام: “أنا ضد استبعاد أي أحد في هذه المرحلة، أو تحديدهم كإرهابيين، أو كتنظيم القاعدة”.
وقد أكد على هذا أيضًا الأسبوع الماضي، أمير قطر في حديثه مع CNN، بحجة أنه سيكون “خطأ كبيرًا” أن نضع معًا كل المجموعات ذات الميول الإسلامية في سوريا على أنهم متطرفون. وفي الواقع، وفي جميع التصريحات الأخيرة بشأن رفض التطرف، كانت الدوحة قد ذكرت “الدولة الإسلامية”، ولكنها لم تذكر جبهة النصرة بالاسم.
والزين، من مركز الجزيرة للدراسات، يدافع عن دعم قطر للإسلاميين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويصف الخلاف بين الدوحة ودول الخليج الأخرى بالمنافسة “بين القوى المدافعة عن الوضع الراهن، والقوى الساعية للتغيير”.
ويقول: “السياسة الخارجية لدولة قطر ولدت الكثير من الجدل، ولكن ربما كان ذلك جزء من طبيعتها”. ويضيف: “عند محاولة فعل شيء جديد في منطقة من المعروف أنها محافظة جدًا، فإنك ستكون ملزمًا بالتعرض لهذا النوع من النقد وسوء الفهم”.
وبالفعل، قطر ليست بأي حال من الأحوال الدولة الخليجية الوحيدة التي أدى دورها في سوريا وأماكن أخرى إلى تداعيات سلبية. المملكة العربية السعودية دعمت أيضًا أفرادًا وجماعات متمردة ومتباينة في سوريا، كما انحازت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب ميليشيات محددة في ليبيا. وفي مصر، أشرفت الحكومة المدعومة بقوة من كلا البلدين على انتهاكات جماعية لحقوق الإنسان في حملتها ضد الإخوان المسلمين.
لكنه ما زال من الصعب معرفة ما الذي غيرته قطر إلى لأفضل (!)، على الرغم من نواياها لمساعدة الشعب السوري كانت حقيقية بشكل شبه مؤكد، إلّا أن المزيج من الأساليب العشوائية في دعم الوكلاء الأيديولوجيين، لم يدفع المعارضة السورية إلا في تجاه التطرف والفوضى.
واشنطن والدوحة
وقد حصلت قطر على هذه الحرية بتشغيل شبكتها للسنوات الثلاث الماضية؛ لأن واشنطن كانت تنظر في الاتجاه الآخر. وفي عام 2011، وبحكم الأمر الواقع، أعطت الولايات المتحدة الدوحة العنان لتفعل ما كانت واشنطن غير مستعدة لفعله في الشرق الأوسط، وهو التدخّل.
وكانت ليبيا مثالًا على ذلك. عندما بدأت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ببناء تحالف للغارات الجوية في ربيع عام 2011، اتخذت الإدارة نهج “القيادة من الخلف”، حيث أخذت فرنسا وبريطانيا زمام المبادرة في تنفيذ منطقة حظر الطيران، في حين قامت قطر والإمارات العربية المتحدة بلعب دور الدعم العربي.
وعندما أبدت الدوحة بعدها رغبتها في المساعدة في تنظيم الثوار هناك، حصلت هذه الرغبة القطرية على ترحيب واسع النطاق في واشنطن، وفقًا لما أكده مسؤولون أمريكيون في لقاءات سابقة مع فورين بوليسي.
وينطبق هذا على سوريا أيضًا. فعلى الرغم من التكتم بين كتل معينة من الحكومة الأمريكية، وخاصةً أولئك الذين عملوا في ليبيا، كان لا يزال الخيار الأقل سوءًا، هو خيار أن قطر، وهي حليف للولايات المتحدة، يمكن أن تساعد في توفير حل إقليمي للصراع الذي لم يكن للبيت الأبيض مصلحة في التورط فيه. وببساطة، طلبت واشنطن من الدوحة فقط عدم إرسال صواريخ مضادة للطائرات أو مضادة للدبابات للثوار هناك، وهذا ما حدث في بعض الأحيان على أي حال.
وبالإضافة إلى الراحة السياسية، كانت هناك سهولة العمل لوجستيًا مع القطريين. الدوحة تتخذ القرارات بسرعة، وهي على استعداد لتحمل المخاطر. وفي حين أن السعوديين كانوا بطيئين في نقل الأسلحة إلى سوريا، أرسل القطريون طائرات لنقل ما يقدر بـ 3500 طن من المعدات العسكرية في عامي 2012 و2013، ويقال بأن هذه الأسلحة شحنت بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية.
ونفس هذه الإيجابيات أدت إلى تعامل واشنطن مع الدوحة عندما سعت لإجراء اتصالات مع حركة طالبان الأفغانية في عامي 2011 و2012. وكان الهدف هو المساعدة في تسهيل خروج قوات الناتو من أفغانستان من خلال حل سياسي. وفي الاتصالات، والتي تمت دائمًا بشكل غير مباشر من خلال القطريين، وافقت حركة طالبان على التفاوض، ولكنها أرادت أولًا الحصول على مكتب لها. وفي يونيون/ حزيران عام 2013، حصلت طالبان على مكتبها، وهو فيلا كبيرة في حي السفارات في الدوحة قرب دائرة المرور المزدحمة، والمعروفة باسم دوار قوس قزح.
ولكن مزايا قطر سرعان ما تحولت إلى نقمات. وبينما انتقلت الدوحة من أزمة إلى أخرى، أظهر القطريون القليل من القدرة على اختيار وكلاء موثوق بهم أو السيطرة على الوكلاء بعدما يتم ضخهم بالموارد. ويقول مسؤول أمريكي سابق: “برأيي السياسات القطرية كانت نوعًا من سياسات هواة. عندما وصلوا إلى السلطة، أظهروا عدم القدرة على البقاء فيها”.
وفي حالة طالبان، أثبت القطريون أنهم غير قادرين أو غير راغبين ربما، في منع المتشددين الأفغان من رفع علمهم بجرأة فوق الفيلا الخاصة بهم في الدوحة، وهو فعل رمزي دبلوماسيًا، أثار غضب كابول، وألغى المحادثات قبل أن تبدأ. وكل ما تم إنقاذه من هذه العملية، أصبح واضحًا بعد ذلك بعام، وكان تبادل أسرى طالبان لدى الولايات المتحدة بمقابل إفراج الحركة عن الرقيب بو بيرغدال.
وفي سوريا، لم تشعر واشنطن بما وصلت إليه الأمور حتى صعود “الدولة الإسلامية”. في مارس، اتخذ ديفيد كوهين، وهو وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، خطوة غير مسبوقة حين وصف قطر بـ “البيئة المتساهلة مع تمويل الإرهاب”. ومثل هذه الانتقادات الصارخة، وفقًا لما يقول خبراء مكافحة الإرهاب، عادةً ما كانت تترك للمحادثات المغلقة.
وقبل وأثناء حرب غزة الأخيرة، بدأت دول الخليج العربي بحشد التأييد في واشنطن ضد قطر. وفي عام 2013، أنفقت الإمارات العربية المتحدة 14 مليون دولار، أي أكثر من أي بلد آخر، على حملات الضغط في واشنطن، وفقًا لبيانات جمعتها مؤسسة صانلايت.
وقبضت مجموعة كامستول، والتي كانت موضوع تغطية إعلامية موسعة في ذا إنترسيبت مؤخرًا، منذ عام 2012، رسوم شهرية تصل قيمتها إلى 400 ألف دولار من الإمارات.
وقد بدأت الأمور تتغير في واشنطن. في جلسة 9 سبتمبر/ أيلول في مجلس النواب الأمريكي، اقترح الشهود وأعضاء الكونغرس تدابير من شأنها إعادة صياغة العلاقة بشكل كبير بين واشنطن والدوحة.
وفي شهادته، اقترح جوناثان سكانزير، وهو نائب الرئيس للأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، القيام بتدابير تشمل “تحديد الجمعيات الخيرية والأفراد في قطر، وإيقاف صفقة الأسلحة بقيمة 11 مليار دولار، وحتى فتح تقييم لتكلفة نقل القاعدة العسكرية الأمريكية بعيدًا عن الإمارة. وقال رئيس الجلسة، النائب تيد بو من تكساس، ردًا على الشهود: “أفكار ممتازة. نحن سنقوم بأخذها كلها، وتنفيذ قدر ما نستطيع منها”.
ودفع الدوحة في الاتجاه المعاكس، هو مجرد تكرار آخر للحرب طويلة الأمد بين دول الخليج للحصول على رضا واشنطن.
قامت قطر بزيادة ظهورها في واشنطن خلال السنوات الأخيرة، وعقدت عقودًا مع جماعات الضغط النشطة، مثل باتون بوغز، بربور غريفيث وروجرز، وبي جي آر الشؤون الحكومية. ومن خلال منظماتها الخيرية الواسعة، رعت قطر كلَّ شيء؛ من برامج تبادل الطلاب، إلى لعبة البيسبول الخيرية للكونغرس. ومنذ الأزمة المالية العالمية، استثمرت صناديق الاستثمار القطرية أيضًا في سوق العقارات في واشنطن، شيكاغو، وغيرها من المدن.
ويعمل المال القطري بشكل غير مباشر أيضًا، من خلال توظيف العشرات من المستشارين ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين. وعلى سبيل المثال، مجموعة صوفان، وهي شركة استشارية معروفة جيدًا في مجال مكافحة الإرهاب والاستخبارات، مؤسسها هو علي صوفان، وهو أيضًا المدير التنفيذي لأكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية (QIASS) في الدوحة، وهو مركز تموله الحكومة ويقدم دورات لموظفي الحكومة والموظفين العسكريين.
والعديد من الموظفين في صوفان هم موظفون في المجموعة الأخرى أيضًا، وهو الانتماء المزدوج الذي نادرًا ما تكشف عنه المقابلات في وسائل الإعلام الأمريكية. ومن خلال الهاتف، أكدت ليلى غوش، وهي اختصاصية الاتصالات في المجموعة، للفورين بوليسي، على أن الشركة لم تقم بأي عمل نيابة عن قطر داخل الولايات المتحدة.
ولكنّ السبب الأكبر في أن قطر قد تظلّ جيدة بالنسبة لمصالح واشنطن هو ليس المال أو النفوذ، بل الضرورة. الولايات المتحدة، وفي تحالفها ضدّ المسلحين في “الدولة الإسلامية”، سوف تحتاج أولًا وقبل كل شيء إلى القاعدة الجوية في قطر، والتي هي مركز قيادة للعمليات.
ومع وجود سوريا والعراق في حالة من الفوضى، ومواجهة السكان في كلا البلدين الآن لمجموعة من المتطرفين الذين لا تريد واشنطن التفاوض معهم، تعدّ الدوحة هي الوحيدة القادرة على القيام بهذا الدور. وفي الآونة الأخيرة، ساعدت قطر في التفاوض لإطلاق سراح 45 أسيرًا من قوات حفظ السلام الدوليين، والذين اتخذتهم جبهة النصرة كرهائنَ.
إليزابيث ديكينسون – فورين بوليسي
المصدر: التقرير