هآرتس: الاستخبارات حذّرت نتنياهو.. استفزازات “اليمين” في الأقصى ستؤدي إلى عنف واسع النطاق
شارك الموضوع:
عقد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الدولة رؤوفين ريفلين أمس سلسلة من المحادثات الهاتفية مع وزراء وأعضاء كنيست من اليمين في الائتلاف، ومن بينهم أيضا عضو الكنيست ميري ريغيف والوزير أوري أريئيل، وطلبوا منهم تخفيف تصريحاتهم بخصوص الحرم القدسي والمسجد الأقصى. وقد جرت محادثات التهدئة هذه على ضوء الأزمة الخطيرة مع الأردن والسلطة الفلسطينية على خلفية الوضع في الحرم القدسي وفي أعقاب العملية الإرهابية أمس الأول والتي دهس فيها إرهابي فلسطيني ضابط حرس الحدود المفتش جدعان أسعد.
ولكن جاء هذا التدخّل من نتنياهو متأخّرا جدّا. إنّ إدراك أنّ التوترات حول الأقصى ستنزلق إلى عنف أوسع أمر قائم منذ أكثر من عام. أي شخص شارك في المنتديات الحساسة التي ناقشت ذلك في السنوات الأخيرة سيقول إنّ رئيس الحكومة، الوزراء ورؤساء المنظومة الأمنية قد تمّ تحذيرهم مرة تلوَ أخرى، شفهيّا وكتابيّا، من قبل مسؤولي الاستخبارات المختلفين بأنّ هناك خطر يتطوّر في الحرم القدسي. وقد نسبت استطلاعات الاستخبارات ذلك إلى التدخل الضار للاستفزازات من قبل وزراء وأعضاء كنيست من اليمين، إلى جانب تحسّس عدة جهات من الجانب الفلسطيني: السلطة، حماس والحركة الإسلامية في إسرائيل.
في هذا المجال كشفت حكومة نتنياهو عن ضعف مطلق في الحكم. لم يكن للخطّ الحذر والمسؤول الذي اعتمده رئيس الحكومة أثناء الحرب الأخيرة في غزة شيء مواز في القدس. منذ إقامة الائتلاف الجديد، قبل أكثر من عام ونصف، هناك تصاعد كبير في عدد زيارات أعضائه للحرم القدسي، وليس فقط أعضاء الكنيست من المقاعد الخلفية.
حين يتسابق كل من الوزير أوري أريئيل، نائبة الوزير تسيبي حوطوبلي، نائب رئيس الكنيست موشيه فيجلين ورئيس لجنة الداخلية ميري ريغيف بينهم على التصريحات التي تلوّح للنشطاء المتشدّدين، يعرّف الفلسطينيّون ذلك (بشكل خاطئ) باعتباره مؤامرة حكومية تهدف إلى كسر الوضع الراهن بخصوص صلاة اليهود في الحرم القدسي. وقد عزّزت ادعاءاتهم أيضًا الأمريكيين والأوروبيّين، الذين أرسلوا أكثر من مرة الدبلوماسيين إلى القدس الشرقية، ليعرفوا إذا ما كانت إسرائيل تمارس فعلا إجراء تغييرات بشكل سرّي في المسجد الأقصى. الشرطة أيضا، وتحت ضغط سياسي وعدم تحرّك الحكومة، خفّفت بعض القيود المفروضة على زيارة اليهود للحرم القدسي، وساهمت بطريقة غير مباشرة في تصعيد الأجواء. إنّ السياسيّين – كما يقول مسؤول أمني كبير – لا يلعبون هناك بالنار مع بضعة أعواد ثقاب؛ بل هم يلعبون مع قاذف لهب.
في هذا الأسبوع، وعلى خلفية المناشدات من الأردن والمجتمع الدولي، عاد رئيس الحكومة ليقول إنّ إسرائيل لن تمسّ بالوضع الراهن. ولكن بعد مرور يومين زارت حوطوبلي الحرم القدسي ودعت إلى تغيير الوضع الراهن. بالنسبة للأردنيين والفلسطينيين، فإنّ نائبة الوزير تتحدّث باسم الحكومة. ولن تنفع جميع التوضيحات الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن نتنياهو عاد ليضع القدس على رأس فرحته في خطاباته – وهي إشارة أخرى على أنّ الانتخابات تقترب وأنّ رئيس الحكومة، كحصان لإحدى الخدع، سيشحن حملته كما في عام 1996، بزعم أنّه الوحيد الذي سيمنع تقسيم المدينة.
إنّ المسجد الأقصى، مع المشاعر الدينية الكثيفة التي يثيرها، هو القضية الوحيدة التي يمكن لها الآن أن تستنهض وتوحّد الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية للنضال ضدّ إسرائيل. وفقا للتقارير في “هآرتس” أمس، تقدّر الشرطة أنّه لن يكون بالإمكان التغلّب على التصعيد بالقوة فقط. إن تدفق آلاف عناصر الشرطة إلى المدينة سينجح في إحباط جزئي للاشتباكات ومحاولات الهجوم، ولكن يُلزم بالإضافة إلى ذلك، من أجل إعادة التهدئة مع مرور الوقت، تتطلب أيضا ممارسة عمل سياسي. وتقع الخطوات المكمّلة أيضا في المجال الاقتصادي. هناك حاجة لمعالجة جذرية للضائقة في الأحياء الفلسطينية من قبل الحكومة والبلدية، خصوصا كلّما ابتعدنا عن غربيّ المدينة. ولكن يبدو الآن أنّ الوزراء يفضّلون بشكل أساسي السجال مع رئيس السلطة، محمود عباس.
هناك ردود ملتهبة في السلطة ترتبط بالمشاعر القوية في الشارع الفلسطيني، ولكن أيضا بصراعات القوة ضدّ حماس والأردن. إنّ إعلان الأردن عن إعادة سفيرها من تل أبيب للمشاورة، جاء بالرغم من المساعدات الاستخباراتية والأمنية الواسعة التي توفّرها لها إسرائيل، وفقا لوسائل إعلام أجنبية، على خلفية مخاوف البيت الملكي من تداعيات القتال في سوريا والعراق. لقد أكثر نتنياهو في الأشهر الأخيرة من مدح التنسيق الاستراتيجي المتحسّن والذي نشأ بين إسرائيل والدول السنية المعتدلة: مصر، الأردن بل والتفاهمات السرّية مع السعودية وبعض دول الخليج. إنّ استمرار العنف في القدس لا يحمل فقط خطرا لاندلاع انتفاضة ثالثة؛ وإنمّا قد يؤدي إلى تقويض تحالفات استراتيجية بنتها إسرائيل بجهد كبير بفضل الاضطرابات في العالم العربي.
ليس صعبا أن نفهم ما الذي يجده الإرهابيون من القدس الشرقية في القطار الخفيف، والذي كانت محطّاته هدفا لهجمات قاتلة للمرة الثانية خلال أسبوعين. فالقطار هو عبارة عن رمز للتوحيد القسري للمدينة، وهو مشروع مواصلات طموح استثمرت فيه إسرائيل مئات الملايين من الشواقل. وحين بدأ بالعمل، بشّرت السكك الحديدية بفترات من الإحياء في القدس وبعودة السياح والزوار الإسرائيليين إلى المدينة بعد الانتفاضة الثانية وسنوات من الإهمال، في ظلّ رؤساء البلدية إيهود أولمرت وأوري لوفليانسكي.
ولكن القطار الخفيف هو أيضا متوفّر ومريح. قال أفراد أسرة إبراهيم العكاري، عضو حماس الذي قتل أمس الأول ضابط حرس الحدود أسعد في عملية دهس، إنّه خرج من منزله مستاءً، بعد أن شاهد في بثّ التلفاز التوترات في الحرم القدسي. تعرّف عكاري على مجموعة من شرطة حرس الحدود بالقرب من محطّة القطار وهرع نحوهم. أصبح مسار السكة الحديدية في لحظة فخًّا للموت. وكما نرى جيّدا في كاميرات الأمن التي وثّقت عملية الدهس، فقد كان مسارًا ضيّقا، فارغًا تماما، وتقريبا ليس هناك مفرّ منه حالما يقرّر سائق أن يُسرع إلى داخله بسرعة عالية. لقد تضرّر معظم من كان واقفا في جانب المسار عندما جاء العكاري بسيّارته.
إسرائيل أيضا، تصعد على مسار قاتل في قضية القدس. ذُكرت في الأسابيع الأخيرة قائمة طويلة من القضايا التي تساهم في التوتر في المدينة؛ كالفقر ونقص الخدمات البلدية في الأحياء العربية، تحريض الحركات الفلسطينية، جهود الاستيطان الواسعة لجمعية “إلعاد” وأمثالها في القدس الشرقية، ولكن لا شكّ أنّ المواد المتفجّرة الرئيسية لموجة العنف الحالية تقع في الحرم القدسي.
نشر هذا المقال لأول مرة في موقع “هآرتس”