هكذا أخفقت ونجحت الإستخبارات الأمريكية في توقعاتها لعام 2105 قبل 15 عاما
وطن- قبل 15 عاما، نشر مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي (NIC) تقريرا يجمع تقديرات محلّلين سياسيين، أكاديميين ومسؤولين في أجهزة الاستخبارات حول التوجهات العالمية المتوقع حدوثها بين عامي 2000 – 2015. تكشف النظرة المعاصرة إلى الواقع المستقبلي الذي نصّ عليه الخبراء عن بعض التوقعات الدقيقة جدّا إلى جانب أخطاء ذات صدى، وخصوصا الأسئلة الخاطئة.
فعلى سبيل المثال، قدّر الخبراء أنّه في بداية الألفية أنّه حتى عام 2015 سينتهي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من العالم وسيمكّن الولايات المتحدة من التركيز على نقاط احتكاك أخرى. “حتى 2015، ستُحقق إسرائيل سلاما باردا مع جيرانها، رغم أن العلاقات الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية بينها وبين فلسطين ستكون محدودة. ستُقام دولة فلسطينية، ولكن العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ستستمرّ بالتوتّر وستتدهور في بعض الأحيان لتصبح أزمة”. وتبعا لعدم الأهمية المنسوبة لهذا الصراع في المستقبَل، فإنّ جملا قليلة في التقرير فحسب مكرّسة لإسرائيل.
ساحة أخرى أخطأ فيها كتاب الوثيقة بشكل كبير هي شبه الجزيرة الكورية. فقد قدّروا أنّه حتى عام 2015 ستُقيم الولايات المتحدة قواعد في كوريا الموحّدة. “كوريا موحدة مع وجود أمريكي كبير يمكنه أن يكون قوة عسكرية عظمى في المنطقة، ولكن عملية التوحيد ستبتلع طاقتها ومواردها”، كما جاء. من جهة أخرى، توقع الخبراء اندفاع إيران باتجاه السلاح النووي، ولكنهم قدّروا أنّه حتى عام 2015 ستمتلك الجمهورية الإسلامية قنابل ذرّية فعلا.
كُتب التقرير الاستخباراتي قبل الهجوم الإرهابي في 11 أيلول عام 2001، وهو يكرّس سطورا قليلة فقط لدول مثل أفغانستان والعراق. لم يظهر أبدا تنظيم القاعدة واسم أسامة بن لادن في صفحات التقرير. وستبقى أفغانستان المحطّمة بحسب كلامهم “مصدّرة مخدّرات معزولة وتستخدم كملاذ للإرهابيين والمتطرّفين المسلمين”. وبحسب كلام الخبراء، فإنّ الصراع المُتوقع أن يشكّل العالم بين عامي 2000 – 2015 هو ذلك الذي بين الهند وباكستان.
العام الذي كُتب فيه التقرير الأمريكي هو أيضا العام الذي صعد فيه للحكم في روسيا رجل الكي جي بي غير المعروف واسمه فلاديمير بوتين. توقع معدّو التقرير جزئيًّا فقط أبعاد المسّ بالديمقراطية وحرية التعبير في روسيا تحت قيادته. “التوجه الرئيسي لروسيا هو باتجاه السلطوية ولكن ليس إلى الدرجة المتطرّفة كما في الاتّحاد السوفياتي”. وكان هناك توقع آخر وهو أنّ روسيا ستُنهي كونها لاعبا رئيسيا وأنّ “تغييرات ديمغرافية، صعوبات اقتصادية مزمنة ومشاكل حكومية ستحدّ من قدرتها على التأثير على الجمهوريات السوفياتية سابقا ومنع أوكرانيا من الاقتراب إلى الغرب”.
في وقت لاحق، يبدو أن في هذه المقولة سخرية كبيرة على ضوء حقيقة أن روسيا قد ضمّت العام الماضي شبه جزيرة القرم وقامت بغزو المناطق الشرقية لأوكرانيا. واعترف مدير فرع التخطيط السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، ديفيد غوردون، والذي شارك في كتابة التقرير عام 2000، في مقابلة مع مجلة DefenceOne الأمريكية بأنّه وزملاءه قد نعوا روسيا في وقت مبكّر جدّا. ومع ذلك، فهو يعتقد أنّ الأزمة الاقتصادية التي تدهورت إليها روسيا في الأشهر الأخيرة هي إشارة إلى أنّ تنبّؤاته قد بدأت بالتحقق.
ولا يتطرّق التقرير أبدا إلى عصر الشبكات الاجتماعية وإلى استخدام منصّات الإنترنت للتنظيم السياسي. أشار معدّو التقرير بنبرة عامّة إلى أنّه “ستكون هناك حاجة للحكومات بأنّ تعزّز تكنولوجيا المعلومات ولكن في نفس الوقت أن تراقب آثارها الضارّة”.
وعبّر الخبراء عن قلقهم من تحوّل عالم الإنترنت إلى أداة بأيدي أعداء الولايات المتحدة، وهو قلق قد تحقّق كاملا. “أحد أصعب الأمور في تلك التقارير هو الدمج بين التغييرات التكنولوجية والتوجهات الجيوسياسية”، كما يلخّص غوردون، “الأمر الرئيسي الذي صدقنا به هو صعود الصين. يتعامل الجميع مع الأمر اليوم باعتباره مفروغًا منه، ولكن الأمر لم يكن كهذا عام 2000”. سيحاول الخبراء في التقرير الاستخباراتي القادم، الذي سيُنشر عام 2016، توقّع التحدّيات والتطوّرات في عام 2035.
نُشرت هذه المقالة في صحيفة هآرتس