بعد هجوم باريس.. المسلمون في عين العاصفة
وطن- لست هنا في وارد سرد الخبر الذي هز فرنسا كلها هذا الصباح، بقدر ما يهمني في هذه المادة التعليق عليه والتحذير من نتائجه الكارثية التي ستصيب الجالية المسلمة في فرنسا.
ولمن يريد موجَز الخبر، فإن ثلاثة رجال مقنعين هاجموا عند الساعة الحادية عشرة والنصف تقريباً من صباح اليوم الأربعاء مقر أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في باريس، وأجبروا صحفية على فتح باب المبنى قبل أن يطلقوا النار داخل المقر على الصحفيين ورسامي الكاريكاتير، في حادثة هي الأعنف من نوعها منذ أكثر من أربعين عاماً إذ خلفت اثني عشر قتيلاً، و ضعفَيهم من الجرحى، أربعة منهم في حالة خطرة.
لم تستطع الشرطة الفرنسية حتى لحظة كتابة هذا المقال القبض على الفاعلين، ولكن الصحفية التي أجبرت على فتح الباب ذكرت أن المهاجمين أخبروها بانتمائهم لتنظيم القاعدة!. ويبدو الأمر مثيراً للسخرية، إذ من غير المفهوم أن يقوم مثل هؤلاء المدربين تدريباً عالياً بتوصيف أنفسهم، إلا بقصد التمويه.
الحلقة المفقودة في هجوم باريس.. من يكون فؤاد عقاد؟
الحقيقة، وبقطع النظر عن مرتكب هذا الفعل، فإن آثاره ستطارد الجالية المسلمة وحدها دون سواها. وأعتقد أن المنظمات المهتمة بتسجيل حالات الاعتداء على المسلمين، ستعمل أكثر من طاقتها هذا العام. وإذا تذكرنا أنها وثقت في العام الماضي أكثر من ستمائة اعتداء عنصري، منها اعتداءات عنيفة، وذلك من غير أن يهاجم أحد الصحيفة المذكورة ويقتل صحفييها، فمن الطبيعي أن نتوقع اعتداءات أكثر عدداً وأشد عنفاً في قابل الأيام.
المتابع لتصريحات المسؤولين الفرنسيين يدرك ذلك على الفور، فبمجرد الدعوة للوحدة الوطنية والتحذير من الخلط بين الإسلام والإرهاب، يحمل في طياته موقفاً، أو ردة فعل تجاه المسلمين في البلاد. وإن كانت تصريحات هولاند اقتصرت على الحديث عن الحرية والحفاظ عليها، وعدم الركوع أمام الإرهاب، فإن تصريحات غيره غمزت من قناة المسلمين بشكل مباشر أو غير مباشر.
وزير الخارجية فابيوس، قال: “إنما هوجمت فرنسا اليوم بسبب تمسكها بقيم الحرية”، وأعتقد أن هذه الجملة تشير إلى أولئك الذين رفضوا حرية الصحيفة بالإساءة إلى المعتقدات الدينية للمسلمين وقد يكون في هذا تلميح لهوية الفاعلين.
ساركوزي “يمين وسط” دعا إلى توحد فرنسا وشعبها ضد الإرهاب الذي يهدد قيم الحرية والديمقراطية الفرنسية.
ماري لوبين زعيمة الجبهة الوطنية:” أقصى اليمين” أشارت إلى اتهام مباشر للمسلمين.
المنظمات الإسلامية سارعت بدورها إلى إدانة الحادثة وحاولت الفصل بين مرتكبيها وبين المسلمين الحق من جهة ، وبين الإسلام والإرهاب من جهة أخرى، ولكن ذلك لن يغير من الأمر شيئاً حسب اعتقادنا.
إن ما حدث في باريس اليوم، مأساة لا تحمل في طياتها أي قيم إيجابية، اللهم إلا إذا استطاعت الحكومة الفرنسية استثماره في فتح حوار وطني شامل، بعيد عن التجاذبات السياسية والانتخابية، حوار يكون قادراً على نبذ العنصرية والتطرف وتخفيف الضغط الإعلامي على المسلمين في فرنسا، ومراقبة الاعتداءات العنصرية على المهاجرين، ومعالجتها بطرق أكثر نجاعة وحزما.
إن محاولات الحكومة الفرنسية في دمج الأجانب لن تنجح على الإطلاق إذا استمرت بالتركيز على واجبات المقيمين على الأراضي الفرنسية، بل لا بد من الحديث عن حقوق أولئك، واحترام مبادئهم وفهم اختلافهم.
أعتقد أن الفرصة سانحة اليوم أمام المفكرين في فرنسا، لمعالجة قضايا الهجرة والمهاجرين، بعد أن تراكمت لسنوات طوال، بما يحقق المصلحة الوطنية للبلاد.