وطن- الا ليتك ايها الدهر طويت بين جنح ظلامك ذكرى تلك الأيام العابرات و دفنت طلول أثارها الغابرات تحت غمرة رمال شواطئ النسيان. طالت اعوام الباطل و قد ذاق اهل الانس منْ مآثرها طعم المرار حتى شبعت زهرات الأجيال من غدراتها و قسوة أحقاب حروبها و جفى دهاويها،و أغشت شرور عيشها احلام الشباب بين سراب جهل و عواصف غبراء،و فزع و ارتياب من عتمة اماسيها الكحلاء، و اعمت بسواد غِمام البغضاء قلوب جهال تعالوا بأستخفاف فوق الثوابت و الاعراف، ساخرين بعلم العلماء و حكمة الحكماء، فبرزت بأريافنا جماعات (دواعش و عصائب نفاق) زارعة زرور رماد الطيش و الجهالة ُتتوِهُنا هزيان عثرة المسير ببعد بلاد الضياع، لكد عيش بين أكوام خيام وهن وهجر فوق تلال البرد و رمال حرُ قيظ في وحشة بيداء، و الف سفر( برلك ) و الف مراكب رقيق مكدسة بالاحلام و الامال تبحر عرض بحار غامرات، تحت رحمة أشرعة مزقتها انواء عواصف تتسارع مع غيوم الفضاء و نجوم السماء، وجهتها منأي اوطان الغرباء.
اجيال تقاد للموت و لما هو تحت الثرى من عدم و اهوال ، تُأسر دون حبال او امراس وقد حُرِمتْ من صوت مآذن و رنين أجراس لتهاليل و قداس ، ليس امام حرمانها و ضعفها الا الهرب من رياض الاجداد و الفرار بجلودها من أراضيها و هجران جنانها و التخلي عن جنى كرمها و هبات ثرواتها.لتحيا ببخل ارض الغربة و عزلة عزاباتها مع بهائم إنسها و وحوش ضواريها.
كيف دمت و لما طلت يا دهر و الدنيا على كواهلنا اثقال أوزار و أتعاب، و الأعداء تتناوبنا فرق و جماعات لا يرف لها جفن امام هرج آلات القتل و جولات الفناء التي لا تفرق بين طفل بريء او رضيعٌ ضريع و حرائر صبية او شيخٌ جليل مشيب،حتى تنافرت من عِداهاالاحبة و الخلان و الاخوة و الجيران ،و بان ندى دمع الحيرة في مأقي النسوة و الكهال امام حدود سيوف الحكام و شفار خناجر الأعداء،وقد انقلب ملوكٌها و أمراءها من حماة حماها في ليلة دلساء إلى حراميها و سراقها،
لقد فزت يا دهر و كنت ظافراً في كل صقع منها وها نحن داخل حلبة صراعات الامم الخاسرون، نقدم لك دماء قلوبنا المسحوقة و أعناقنا الملوية قرابينا لقدرة سيادة سوطك و عظمة سطوة جبروتك كنعاج أضحية اسهل من الخرفان نحراً، و أشبه بالشياه فدية للذبح نذراً، برهاناً لضعفنا و غباوة ساداتنا و جامعة ساساتنا الساهرة على تقدمنا و استمرارية وجودنا في سكون و سلام صونا لتراث اوطاننا و عروبة امتنا!! بعد ان سُلِّمت عواصمنا لفُرس عواجم تحاربنا بسيف و ناب، و لأقوام ما هم لنا أحبة و لا كانوا يوماً لنا اخوانا الا اذا خلعنا كوافي العروبة عن هاماتنا و لبسنا جلابيب الخيانة و الغدر بأهلنا،و الغرق برياء التقية و متعة الفحشاء.
لِما يا دهر لِما؟! كان لنا حاضرُ أمة يشع مجداً، دفناه حياً تحت اقدام أعادينا ! و للأعداء سهوة استبدلناها بماضينا نحن نمنا توه الامم و طمرنا برمال خطايانا عظمة ذاتنا العربية بمقابر الشعوب الماضية الفنية، و هم استفاقوا من الورى على انوار صبح ماضينا!!
هل انفرط حبلُ العائلة الاجتماعية و شاع الضيم و الاسى؟ فالأطفال في سابق الاوطان لا حنان لها ولا من يحن عليها عاطفا بعطفه و رحمته،و كأن داية الوجود تُولِدُها من خاسرة الشقاء،تلفها بباليات أقماط المأسي و تودعها مهاد لوعات خطوب الاحزان، و ترضعها در ضرع الاثام والبأساء،و لتهوي بالفرد الى حوافٍ سواحق بعيدة بالخيبة و وديان عميقة بكفر الفقر و الخسران و صعوبة الآتي من ما ترميه بلا رحمة فزائع يد الزمان. بعد ان كان المواطن بأمسه يلملم غانماً جنى فاكهة بسلال الخير من أثمان الارض المشبعة بعبق عطر سفوح هضابها،ناشقاً شذى ازاهر روابيها، و بكرامة النفس يزرع بزور قمح الأمل في منحدرات وعورها و أنصاب التين و الزيتون و عرائش دواليها على أطراف وديانها و ضياع براريها، و يرعى بدفئ نور شمس المحبة نسام انعام الحلال يسوقها بأمان الى جداول فضية رقراقة منسابة، نأت ضفافها عن أنهار دجاليها و عذب فراتها و تِرّعُ نيلها في سهول القناعة المتعرجة بمروج فسيحة المراعي غضة الوفر و العطاء، و على تموجات رجع صدى أنغام حنين ناي فوق صخور أنس و سرور، تحت ظلال أغصان صفصاف و صنوبر و نخيل،و سحر سلوانْ أهازيج عتابا و ميجانا،و صلوات شكر لحسن الدنيا و فرحة لهفة لشوق جمال رونق الحياة.
نحن من ادامك يا دهرنا،فكن علينا شاهداً حائماً في سماء آفاقً احزان مخيلة تاريخ امسنا فوق أوشحة ظلال ضفاف توجتها ببواسم شفاه انفاس عقودك و اعوامك رصعت بانوار أقمارك المبدرة و بريق نجومك و شواهبك، بزهائر ورد جنانك و نفحات ظلال نسائمك و اغاريد إصداحُ طير شوادي في اصباحك بسكينة أنات ألحان نايات و اضاحي أحقابك و فترات اشماسُ شطحاتك .
فماذا دهاك يا دهر بسهوى ثرى ضرائر و عدوى عميان، على سواد مسالك مسيرة سبلها تمادت (اخوة يوسف)غياً و استحكمت عتمة ظُلام موارق و اشرار،اختلجت في مطاوي صدورهم خبائث الدُنيّا بصفرة ريح البغضاء بألفة الشر مع تشوش الانفس و اسرارٌ سرائر تختمر بقيح التكبر و الأضرار و نوايا اصرار على الخراب وحرق الارض و الدمار.
فيا دهر يا سراج استضاء بدايات احقاب الازمان،الا أضأت سبل اماني الاجيال لتهتدي في سهولها و ديارها و بواديها و تستنير طرق نضارة ربوعها جالياً عنها دمسة ليل عمائم دَجَل و غفوة مكر،و خونة عهد توسمت وجوههم ببشاعة شقاق و نفاق، و كهنة زرعت تحت ّعمائمها الفرقة بين الذات و الذات من شرور دجى زمن انقلب على نفسه و اختار من جنون المنظور ما تبصره الاعين في ظلمات عالم ثاني!.