دان الفكر الصفوي والسلفي.. جدل في الاوساط البعثية حول خطاب الدوري
شارك الموضوع:
أثار الخطاب الذي القاه الامين العام لحزب البعث عزة الدوري لمناسبة الذكرى الـ(68) لمولد الحزب وتناقلته وسائل اعلام محلية موجة من النقاشات في اوساط البعثيين بالعراق رغم ما يتعرضون له من تضييق وملاحقات واجتثاث لما تضمنه من وقفات صادمة كما وصفها مراقبون سياسيون في قضيتي الموقف من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وادانة جريمة ضرب حلبجة الكردية بالاسلحة الكيمياوية.
فقد ساوى الدوري الذي نجح في الاختفاء منذ التاسع من نيسان 2003 واستمر يقود الحزب بسرية بالغة رغم مطاردات القوات الامريكية وملاحقات الحكومات المتعاقبة، بين الفكرين الاسلاميين الشيعي الذي اسماه بالصفوي والسني السلفي الذي وصفه بالتكفيري وندد بهما وعدهما يصبان في محور واحد يتمثل في تدمير الامة العربية التي توقع ان تنهض من جديد لتعيد امجاد المد القومي في الخمسينات على حد قوله.
واذا كان موقف البعث معروفا من الجماعات الشيعية الموالية لايران وظل يستخدم مفردات الصفوية والفارسية في وصفها منذ اندلاع الحرب العراقية الايرانية في 1980 ولم يغير موقفه منها حتى اليوم، فان الجديد في خطاب الدوري انه وضع الفكر الشيعي الصفوي الذي تعتنقه هذه الجماعات في خانة واحدة مع الفكر السني السلفي الذي يقوده في العراق حاليا تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وشدد في ادانتهما مؤكدا انهما يتآمران سوية على العروبة والاسلام ويسعيان الى القضاء على التوجهات والاهداف القومية والوحدوية.
وكان الدوري الذي شغل منصب نائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين منذ منتصف عام 1979 قد لمح في خطابه الذي القاه في تموز الماضي عقب شهر واحد من سقوط محافظتي الموصل وصلاح الدين بايدي مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية بان داعش تمثل جزء من حركة المقاومة العراقية، وهو ما أثار عليه سلسلة انتقادات من حكومة نوري المالكي السابقة التي حاولت الربط بين تنظيمي الدولة والبعث واعتبرتهما في صف واحد.
وقد ادت تلك الاشارة الى سجال بين البعثيين انفسهم وانقسموا الى فريقين، فريق ينتقد الدوري ويطالبه بموقف حازم ضد داعش انطلاقا من ان البعث حزب علماني لا يتفق مع التوجهات الدينية، وفريق برر للدوري اشارته مؤكدا انها (تاكتيكية) في محاولة منه لانقاذ قياديين وكوادرفي الحزب على رأسها عضو القيادة القطرية سيف المشهداني كان مسلحو داعش قد القوا القبض عليهم في شمال محافظة صلاح الدين ونقلوهم الى الموصل وضاعت اخبارهم منذ اواسط حزيران الماضي.
ويقول الرفيق ابو يعرب وهو قيادي في الحزب للـ(العباسية نيوز) في استانبول، ان تنظيم داعش كشف عن وجهه الحقيقي في معاداة البعث والقوى القومية والاسلامية بما فيها السنية التي يزعم التنظيم انه جزء منها عندما احتل الموصل وتكريت واجزاء من محافظات الانبار وديالى وكركوك وانفرد في السيطرة عليها، واعترف القيادي البعثي بان الحزب سعى الى التفاهم مع قيادة تنظيم الدولة عبر وسطاء وتمنى عليها ان تطلق سراح الرفاق البعثيين الذين اعتقلتهم وجميعهم أمضوا سنوات في قبضة قوات الاحتلال الامريكي، الا ان جميع هذه المساعي اصطدمت بالخداع والتضليل والمناورات الذي اظهرها الداعشيون الذين اصروا على مبايعة الحزب ومقاومته المتمثلة بالفصائل النقشبندية لزعيم التنظيم ابو بكر البغدادي، وهذا امر يستحيل على حزبنا الاقرار به.
ويضيف ابو يعرب اننا في الحزب وفي مقدمتنا الرفيق ابو احمد (الاسم الذي يستخدمه البعثيون في الاشارة الى الدوري) نحرص على سلامة رفاقنا وعملنا ووسطنا للافراج عنهم ولكننا في الوقت نفسه نرفض رفضا قاطعا ان نبايع او نتعاون مع داعش لاختلاف منهجنا ورؤيتنا وثقافتنا عن هذا التنظيم الذي يكفر الجميع.
ويقول استاذ العلوم السياسية السابق في جامعة بغداد الدكتور رعد المحمود المقيم في تركيا حاليا ان النقطة المثيرة في خطاب الدوري الاخير هي ادانة جريمة ضرب مدينة حلبجة بالاسلحة الكيمياوية في منتصف آذار 1988 والمتهم فيها النظام السابق، ويوضح المحمود ان الدوري عبر عن موقف حاسم بلا مواربة او غموض عندما استنكر عملية ضرب حلبجة بالكيمياوي سواء كانت القوات الايرانية او القوات العراقية، وهذه شجاعة من زعيم البعث وتطور في مسار الحزب على طريق المراجعة والتقييم، اضافة الى محاولة مد الجسور الى الاحزاب الكردية وقياداتها وخاصة مسعود البارزاني الذي كان يرتبط بعلاقات طيبة مع القيادة العراقية السابقة.
ويعيد الاستاذ الجامعي الى الاذهان خطابا سابقا للدوري في تموز 2013 عندما أدان عملية احتلال الكويت في الثاني من آب 1990 واعرب عن شجبه لها بعد ان وصفها بانها جاءت بتحريض من دوائر اجنبية ، وهذا موقف يشكل نقطة فارقة في منهج الحزب الذي ظلت ادبياته حتى احتلال العراق تندد بالكويت وحكامها.
ويقول الدكتور المحمود الذي يصف نفسه بانه متابع للشأن السياسي العراقي ولم ينتم الى حزب البعث طيلة عمله في الجامعات العراقية منذ نهاية الستينات، انه يرى ان عزة الدوري يريد ان يرسم خارطة طريق جديدة للحزب يحدد فيها مفاهيم سياسية قد تتعارض مع مواقف البعث السابقة ايام كان في السلطة، ولانه يدرك ان هذه المفاهيم وجميعها يتعلق بمستقبل العراق السياسي والعلاقة مع القوى المحلية والدول العربية والخليجية والاقليمية والاجنبية تحتاج الى وقفة هادئة فهو يحرص منذ ثلاثة اعوام على احلال شعار التضامن العربي وليس الوحدة العربية كما كان سائدا في العراق قبل احتلاله ، ويدعو الى تمتين الصلات مع السعودية ودول الخليج بما فيها الكويت خلافا لسياسات الرئيس الراحل صدام حسين، كما ان الدوري يريد ان ينتشل الحزب من بصمات كانت قيادة الحزب السابقة قد طبعتها على مسيرته وخصوصا في سنوات حكمه الاخيرة، لذلك نراه يدعو البعثيين الى البحث والنقاش للخروج بصيغ تتناسب مع التطورات والتداعيات التي شهدها العراق والامة العربية في السنوات العشر الماضية.
ويقول مراسل (العباسية نيوز) في اربيل التي انتقل اليها كثير من القياديين البعثيين من سوريا بعد تفاقم الاوضاع الامنية فيها، ان خطاب الدوري الاخير وادانته لما حدث في حلبجة بدد الكثير من الهواجس التي كان البعثيون يئنون من وطأتها في السنوات السابقة ونقل المراسل عن قيادي بعثي سابق وصف نفسه بـ(المتقاعد) حاليا ان الدوري يسعى الى تسويق البعث بقيادة جماعية يكون فيها واحدا منها رغم مرتبته الحزبية العليا كأمين عام للقيادة القومية وامين سر للقيادة القطرية وهذا التسويق الجديد يفسح مجالا واسعا لعمل ونشاط القيادات القطرية في الدول العربية حسب ظروفها المكانية والزمنية، ويضفي مرونة مطلوبة على اداء قيادة الحزب في العراق، ويضيف البعثي السابق ان الحزب عانى منذ نهاية السبعينات من الترهل لم يتم الالتفات اليه بسبب الحرب مع ايران واحداث الكويت والحصار الدولي وصولا الى الاحتلال، ولا بد من مراجعة شجاعة للماضي القريب ونقد ذاتي لما جرى وقراءة موضوعية للحاضر والمستقبل بلا خوف او تردد.
يبدو ان الدوري قد حرك المشهد البعثي باتجاه الاعتراف بأخطاء الحزب السابقة عندما قاد السلطة في العراق لفترة قاربت خمسة وثلاثين سنة متصلة شهدت انجازات هائلة واخفاقات كبيرة ، فاذا كان البعثيون يفاخرون بالتحولات التي انجزها حزبهم في الحكم، فانهم يغمضون عيونهم عن الاخطاء التي ارتكبوها خلال فترة سلطتهم ويتطيرون من الحديث عنها، وواضح ان الدوري وهو طرف فاعل في القيادة السابقة جاء لينبه ويعترف بتلك الاخطاء بجرأة ويدعو الى بعث البعث من جديد بعيدا عن الفردية والتسلط العائلي والعشائري والمناطقي واعادته الى اصوله القومية ونزعته الوحدوية ومنهجه العلماني الذي يتعايش مع الاعراف والقيم الدينية ويحترمها خصوصا وانها تصدر من زعيم الحزب الحالي الذي يوصف بانه (صوفي) في طبيعته الشخصية وتاريخه الحزبي.