بعد خراب تكريت وليس البصرة!
شارك الموضوع:
بسم الله الرحمن الرحيم ((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر))، سورة الغاشية آية 21-22
كل الحروب مهما كانت إهمية وقوة ومكانه قادتها بما فيهم الرسل والأنبياء وكبار الصحابة تصاحبها أخطاء وإنتهاكات عفوية كانت أو مقصودة، والتأريخ يخبرنا عن الكثير منها، في أول معركة للمسلمين يقودها الرسول الأعظم (ص) حدثت إشكالية حول كيفية التعامل مع الأساري، وإختلف الصحابة في رؤياهم للمسألة، حتى جاء في القرآن الكريم (( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)) سورة الأنفال/67. وفي معركة أحد حدثت أخطاء مهلكة كانت سبب خسارة المسلمين المعركة عندما إنشغلوا بالغنائم، وترك أربعون راميا من مجموع خمسين موقعهم الدفاعي على جبل يطل على وادي مناة، وهو يسمى الآن جبل الرماة مخالفين في ذلك توجيهات قائدهم النبي(ص) بالبقاء في مواضعهم.
الغرض من هذه المقدمة الموجزة هو بيان إن القائد لوكان نبيا مرسلا، ولو كان جنوده صحابة وحوارين أجلاء، ولو كانت مهمته سماوية، ولو كانت أرض المعركة مقدسة، فهذا لا ينفِ حدوث خروفات وإنتهاكات. الحرب هي الحرب بمزاياها وعيوبها، إنها مثل الميزان كلما إرتفعت كفة إنخفضت الكفة الأخرى. حيث يصعب السيطرة على تصرفات المقاتلين بعض النظر عن الهدف من المعركة وحكمة القادة والإلتزام بمواثيق الشرف والنخوة والمثل العليا، هذا ما يحدثنا به التأريخ، والتأريخ دروس وعبر.
في برنامج (ماوراء الخبر) الذي بثته الجزيرة الفضائية في الإسبوع الأول من نيسان 2015 تحدث النائب في برلمان المنطقة الخضراء (أحمد الأسدي) ـ من إئتلاف دولة القانون ـ خلال مناظرة مع الكاتب وليد الزبيدي عن طبيعة ومهمات ونزاهة الحشد الشعبي، رافضا أولا تسميته بميليشيا وهو بذلك يحمل العبادي مسؤولية الإنتهاكات الجسيمة أمام المحاكم الدولية، طالما هي قوات رسمية تشرف عليها الحكومة ويقودها شبحيا العبادي وحقيقة الجنرال سليماني. مع إن هذه القوات شكلت خارج الدستور وبناءا على فتوى من مرجع ديني غير عراقي، ثم نفذت الفتوى من قبل رئيس الوزراء السابق جودي المالكي دون الرجوع الى مجلس النواب كما يقضي الدستور.
قال الأسدي” الحشد الشعبي ليس ميليشيات منفلتة وخارجة عن القانون، وإنما هو مؤسسة عسكرية تتبع الحكومة والدولة العراقية، وتخضع لتوجيهات السيد القائد العام للقوات المسلحة. وإنها شُكلت بأمر ديواني من قبل القائد العام للقوات المسلحة، وبموافقة مجلس الوزراء، الذي يضم كل الوزراء الذين يمثلون كل الشعب العراقي، وبالتالي هي هيئة رسمية وموافق عليها في مجلس الوزراء، ومصادق عليها، وتعمل تحت غطاء الدولة”. بالطبع النائب الأسدي يكذب لأنه بعد هذه المقابلة، صرح مصدر حكومي بتأريخ 7/4/2015 ” ان مجلس الوزراء قرر في جلسته الإعتيادية المنعقدة اليوم تحويل هيئة الحشد الشعبي الى هيئة رسمية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة الذي يشرف على قيادتها و تنظيم عملها”. وأضاف المصدر ان ” المجلس قرر توجيه الوزارات بالتعامل مع هيئة الحشد الشعبي كهيئة رسمية ترتبط بشكل مباشر بالقائد العام للقوات المسلحة، وان كل الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي اخذت الصفة الرسمية”. والمقابلة سبقت القرار، إللهم إلا إذا كان الأسدي ممن يضرب بالتخت والطيرة!
المهم ان الأسدي أنكر قيام ميليشيا الحشد الشعبي بإرتكاب مجازر وعمليات حرق ونهب في تكريت. وهذا حال بقية النواب والوزراء والقادة الشيعة الذين وضعوا خطوطا حمراء أمام إنتقاد الحشد الشعبي المقدس ـ في رأيهم ـ بغض النظر عما يفعله بعض عناصره من إنتهاكات شيطانية! فقد نفى نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الإرهابي العتيد أبو مهدي المهندس في 2/4/2015″ مسؤولية الحشد الشعبي عن التجاوزارت التي حصلت خلال العمليات الأمنية في تكريت، حيث إن هناك نزاعات داخلية ومحلية ومشاكل بين مناطق وعشائر المنطقة تؤدي إلى التجاوزات”! وأصدرت النائبة عالية نصيف في 5/4/2015 بيانا نقله مكتبها الإعلامي اليوم جاء فيه ” من المؤسف أن بعض وسائل الإعلام العربية والغربية تحاول الاصطياد في الماء العكر من خلال عرض لقطات فيديو يظهر فيها أفراد لاتعرف الجهة التي ينتمون لها يقومون بعمليات تخريب داخل مدينة تكريت، في محاولة لتشويه الانتصارات التي حققها الحشد الشعبي على تنظيم داعش الإرهابي والتي تكللت بتحرير مدينة تكريت من دنس القتلة والإرهابيين. من الظلم إطلاق أحكام سيئة ضد الحشد الشعبي من خلال حالات فردية بعضها مبالغ فيها وبعضها مفبرك أساساً وبعضها ثارات عشائرية داخل المحافظة بين بعض أبنائها، فهل يعقل أن ابن الجنوب قطع كل هذه المسافة وخاطر بحياته من أجل ثلاجة أو مكيف أو أي مكسب مادي زائل”؟ وصرح النائب عبد الرحمن اللوزي بأن” ميليشيا الحشد الشعبي بريئة من الإنتهاكات”، ولم ينسَ العميل الإشادة بمرجعية النجف عن مبادرة الجهاد الكفائي، وهناك تصريحات عديدة منها لما يسمى بالناطق لوزارة الداخلية الكذاب الأكبر سعد معن وهي تصب في نفس دورة المياه الآسنة.
عندما تستمع الى هذه التصريحات أول ما يخطر في بالك هو أنك تشهد حربا مقدسة يقودها ملائكة وليس بشر، حرب إيمانية نزيهة نظيفة شفافة لا مثيل لها لا في الأرض ولا في السماء، كإنها تحدث بين أحبة حميمين وليس أعداء لدودين! إذ ليس من المنطق ان تحدث إنتهاكات في جيش الرسول الأعظم من قبل كبار الصحابة الذين أشاد بهم الله تعالى في كتابه الحكيم، ولا تحدث إنتهاكات من قبل ميليشا الحشد الشعبي! ولا أحد يجهل ان الحشد مكون من فئات إجتماعية مختلفة فيهم عاطلين عن العمل، وموظفين وعمال فقراء ارادوا زيادة دخلهم، ولصوص ومجرمين مع عدد من المقتنعين بفتوى مرجعهم وهم خارج إطار الوصف السابق. ولو وضعنا المزايا والصفات التي لا يمكن من خلالها إجراء مقارنة بين الطرفين، واكتفينا بعدد المقاتلين فقط! سنجد ان عدد المقاتلين المسلمين في الغزوات الأولى لم يشكل 1% من عدد عناصر الحشد الشعبي. وقيادة الحشد لا سيطرة لها على عناصرها بإعتراف قادة الجيش وقادة الحشد أنفسهم. فكيف يمكن إستيعاب فكرة عدم حدوث انتهاكات خطيرة؟ من المؤكد إن هذه التصريحات الفارغة الغرض منها التضليل، وهي لا تخدم القضية، وإنما تجرها إلى حسابات طائفية نحن في غنى عنها سيما في الوقت الحاضر.
الإعتراف بالحقيقة فضيلة وإحترام للحقيقة نفسها وإحترام لمن يقولها ولمن يسمعها. أن تعترف بحصول إنتهاكات أفضل من سترها، وخير لك الإعتراف بها من أن يفضخها غيرها ويكشف عورتك أمام الناس. فالأفلام والوثائق والصور المتسربة عن معركة تكريت وما صاحبها من قتل وسحل وسرقات وحرق وشعارات طائفية وإنتقام من الضباط الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية، ونبش القبور والعبث بها وإخراج الجثث منها، علاوة على التصريحات من قبل المسؤولين الحكوميين في المحتفظة وهم محسوبين على الحكومة، إنما تكشف زيف هذه الإدعاءات وتفضح مصادرها، وتكشف خزي وعار الإعلام المأجور الذي تنتعله السلطة التنفيذية، والذي أصبح موقع سخرية العراقيين والعالم. فالحقيقة واضحة وضح الشمس وليس هناك من مجال لطمسها. قل نعم يوجد من أساء! ولا تقل لا توجد إساءات، بهذا يحترمك الناس يصدقون كلامك، وبغيره فإنك تلبس عباءة الطائفية وهي لا تليق بك كرجل دولة وممثل للشعب.
وهذا ما تتبين لاحقا من خلال تصريحات رئيس الوزراء حيد العبادي نفسه.
في دعوة متأخرة بعد خراب وحرق تكريت على أيدي المليشيات الشيعية وجحوش أهل السنة، وبعد أن هدد شيوخ المحافظة باللجوء الى الحماية الدولية، وطالبوا محكمة العدل الدولية بملاحقة مرتكبي الخروقات والإنتهاكات الجسيمة بإعتبارهم مجرمي حرب وفق القانون الدولي، قال حيدر العبادي خلال لقائه بالبرزاني في 6/4/2015 ” إن عدد المنازل والمحال التي تم التجاوز عليها حسب الأرقام التي وصلت من قيادة العمليات وأكدها محافظ صلاح الدين ورئيس مجلس المحافظة وقائد الشرطة هي 67 منزلا و85 محلا في تكريت، لكننا نعتبر هذه النسبة قليلة”!
لم يحدد القائد العام مقدار النسبة المئوية للتدمير حسب عرف مجلس الوزراء، لنستشف من خلالها إن كانت مثلا 1% أو 10%. مع العلم أن تكريت لم يحدث فيها قتال فعلي. وسكانها حوالي (100) ألف مواطن معظمهم هجرها قبل الهجوم، والضرر الذي شمل البيوت والمتاجر ـ مع إن ما قاله العبادي يجافي العدد الحقيقي ـ شمل (152) أسرة، وإذا إعتبرنا إن الأسرة تضم (5) أشخاص على الأقل، يكون عدد المتضررين بموجب إحصائة العبادي (760) شخصا هذا ما عدا عمليات القتل والنهب وغيرها. إي الضرر شمل حوالي 10% من السكان، مع هذا يعتبر العبادي النسبة قليلة! رحم الله امرءا عرف قدر شعبه! لينظر الرأي العام العالمي لرقة قلب العبادي وحرصه على شعبه!
القائد العام للقوات المسلحة الذي أقسم بالمحافظة على دماء شعبه وأن لا يسمح بأن تسيل قطرة دم واحدة من مواطن بريء، يرى نسبة القتل والحرق والسلب والتدمير قليلة! مقدم في ذلك خدمة كبيرة للتنظيم الدولة الإسلامية!
يبشر العبادي أهل تكريت بأن قواته الأمنية إنجزت مأثرة كبرى! حيث” تم اعتقال سبعة أشخاص وهم بانتظار العدالة”. سبعة أشخاص فقط لا غيرهم هم من أحرق وقتل ودمر وسرق! سبعة مجرمين ـ ربما إعتبرهم العبادي لصوص فقط وليسوا قتلة وإرهابيين ـ بإنتظار عدالة مدحت المحمود النزيهة لحد النخاع! بمعنى البراءة مقدما لعدم ثبوت الأدلة! لأنه منذ نشكيل الميليشيات لم يجرأ قاضي في إصدار حكم على عنصر من الميليشيات الحاكمة، أما تزلفا لقائد الميليشيا، أو خشية من التهديدات بالتصفية، او برشوة حكومية. مع إن الصور والوثائق تكشف عن وجوه المئات من القتلة والمجرمين والعابثين الذين يمكن التعرف بسهولة عليهم، وليس سبعة مجرمين ولصوص.
الأنكى منه إن العبادي يدافع عن حشده الطائفي بضراوة بعد خراب تكريت قائلا “هم مواطنون ومتطوعون كما يوجد في كل المدن وفي نينوى ايضا، وهناك تعديات من قبل بعض الافراد ولا يمكن حسابها على الجميع، هناك من يسيء للحشد وجنودنا”. لكن هل با ترى ميليشيا عصائب أهل الحق أساءت للحشد عندما ذكر احد قادتها بإنه ” أرتكبت فضاعات في تكريت”.
ربما عند جهينة المهندس وليس جهينة العبادي الخبر اليقين!