“سندس” طفلة سورية من مدينة درعا أصيبت برصاصة في رأسها أطلقها قناص من قوات نظام الأسد بينما كانت تلعب أمام منزلها في بلدة جاسم، ولكنها لم تمت جراء الإصابة بهذه الطلقة النارية، بل تعيش حياة عادية في مخيم الزعتري بالأردن بينما استقرت الطلقة في جمجمتها الصغيرة، فيما آثر الأطباء عدم إجراء عمل جراحي لها لما يمثله ذلك من خطورة على حياتها.
الصغيرة “سندس” هي واحدة من اللاجئين السوريين الذين راوغوا الموت وتعايشوا معه رغم أنه قاسمهم لقمة النهار ووسادة الليل وظلوا على قيد الحياة. و”آلاء سرور” لاجئة أخرى تعيش في منطقة الخالدية بالقرب من المفرق محتفظة برصاصة طاب لها المقام في أعلى صدرها بعد أن اخترقت جسد زوجها وهما يقفان على شرفة منزلهما في حمص ليُكتب لهما عمرٌ جديد وحياة مليئة بالعذابات والآلام والرصاصة لازالت مستقرة في جسد زوجته رغم مرور حوالي العامين على إصابتها -كما يقول الزوج “عبد الهادي سرور” لـ “وطن” مضيفاً إن زوجته ”تعاني من جراء هذه الرصاصة من العقد اللمفاوية ومن حالة اختناق والتهابات في الرقبة”
أما “حسين شتيوي ” فهو شاب في التاسعة عشرة من عمره من بلدة علما التابعة لخربة خزالة في درعا، كان نائماً في خيمته بمخيم الزعتري عندما أصيب بطلق ناري مجهول في رأسه ظل على إثره غائباً عن الوعي ثلاثة أشهر، ورغم مرور قرابة العامين على هذه الإصابة إلا أن الرصاصة لا زالت مستقرة في رأسه، كما يؤكد والده دون أن يسأل عنه أحد أو يخبر والده عما يجب فعله ” مؤكداً أن الوضع ازداد سوءاً بعد امتناع مفوضية اللاجئين ومؤسسة العون الطبي عن تغطية نفقات علاجه بما في ذلك صرف الدواء”.
لا تصنف حالة الأشخاص الذين يحملون في أجسادهم رصاصات مستقرة ضمن الحالات الحرجة، وربما كان إجراء عمليات جراحية لهم يشكل خطراً على حياتهم أكثر من استمرار الحال على ما هو عليه، ويقوم الطبيب الجراح عادة بقياس الخطورة ما بين التدخل الجراحي والضرر المتوقع أو الفائدة المرجوة ويقرر عندها ما يجب فعله وفق ما يوضح مدير العون الطبي في الأردن الدكتور يعرب العجلوني مؤكداً أن “أمل الناس في العلاج حق للمريض لكن توفره ليس ممكناً على الدوام، مشيراً إلى أن “حالة الشاب حسين لا تعتبر من الحالات الحرجة، لأن المقصود بالحالات الحرجة تلك الحالات التي يكون فيها تغيير في وضع المريض من ناحية الحياة أو الموت خلال 24 ساعة”، وألمح د. العجلوني إلى أن “هناك بعض الحالات يكون تعريض المريض فيها لجراحة فيه خطورة على حياته” لذا يضطر الطبيب الجراح– كما يوضح- إلى ” قياس الخطورة ما بين التدخل الجراحي والضرر المتوقع أو الفائدة المتوقعة وحينها يقرر ما يجب فعله”
تتباين التأثيرات التي ترافق حالات الأشخاص الذين يحتفظون بأجسادهم بطلقات نارية مابين الإكتئاب والقلق واضطرابات النوم والأكل وعدم قدرة هؤلاء الأشخاص على التكيف مع الحالة الجديدة-بحسب الأخصائي النفسي الدكتور باسل الحمد- ملمحاً إلى أن “الأشخاص الذين يتعرضون لحوادث سواء حادث سير أو حتى حوادث إصابات نتيجة الحروب أو نتيجة إصابات بجروح غالباً ما يصابون بحالة تسمى في علم النفس بـ “التروما” أي الصدمة، وللصدمات –كما يؤكد الحمد “تأثيرات نفسية على الأشخاص، مضيفاً أن “هذه التأثيرات الشخصية تتباين غالباً تبعاً للعمر والشخصة، أو تبعاً للأسباب التي جرت فيها الإصابة، والمشكلة الثانية -بحسب الحمد- هي “درجة تأهيل هؤلاء الأشخاص سواء كان تأهيلهم وظيفياً وعلمياً أم كان عشوائياً، وهل هناك متابعة علاجية حقيقية وتأهيل فيزيائي لأجسادهم ليتمكنوا من التكيف ثانية مع واقعهم”.
في خضم المأساة المستمرة التي يعيشها السوريون منذ أكثر من أربع سنوات جراء الحرب الدائرة في بلادهم أصبحت قصص بعض اللاجئين الذين نجوا من الموت بأعجوبة ومعاناتهم المستمرة تمثل مصدر إلهام للاجئين الآخرين الذين يتطلعون للعودة لوطنهم يوما ما رغم المصاعب والآلام والجراح.