المهمة الحقيقية للجيوش العربية إرهاب وقتل المواطنين

وطن- في هذه المقالة نؤكد على أن الثورات العربية قد استدعت حقيقة مؤلمة من الصعب اخفاؤها ، تختص بالعلاقة المباشرة بين الجيوش والشعوب ، ولهذه العلاقة كما عاين وخابر الشعب العربي ولا يزال وجهان ، الوجه الأول أن الجيوش تتولى مهمة الإرهاب الرادع الذي يرعب الشعب حتى لا يفكر في الاعتراض والاحتجاج على النظام الحاكم ، الوجه الثاني أن الجيوش تنتقل من مهمة الإرهاب الرادع إلى مهمة القمع القاتل عندما تعبر الشعوب عن رأيها بالاعتراض أو الاحتجاج السلمي في مواجهة النظم السياسية الجانحة .

أولاً : الجيوش العربية والإرهاب الرادع:

عندما زادت النظم السياسية العربية فساداً وإخفاقاً ، زادت نقمتها على أبناء الشعب العربي ، توجساً لاعتراضهم وثورتهم ، وزاد في ذات الوقت تداخل تلك النظم مع الجيوش وتغليظ التحالف بينهما ، لاستخدامها كوسيلة إرهاب لردع الناس عن التفكير في الثورة على تلك الأنظمة الفاشلة الفاسدة .

وقد بدت مؤشرات ذلك في العقد الأول من الألفية الثالثة ، حيث انهار نظام “صدام حسين” في العراق ، وظهر تململ العديد من الشعوب العربية في مصر وسوريا والأردن والجزائر والسعودية والبحرين والكويت والسودان واليمن والمغرب وموريتانيا ، وشاعت ظاهرة المعارضة من الخارج لكافة الأنظمة المذكورة ويضاف إليها ليبيا وتونس ، وتحدثنا في النصف الثاني من العقد عن ثورة عربية قد بدت أشراطها ، وستشتعل فجأة وبأسباب غير محسوبة وغير منطقية ، وستنطلق من دول ليست في عداد المتململين !!

لم يخف هذا الهاجس الإرهاص على الأنظمة العربية ، فحدسها حاد ، وتوقعاتها ألمعية تجاه كل ما يقترب من وجودها ويهدد استمرارها ، وكانت التحركات الصارمة والمحمومة نحو تشديد إجراءات تأمين وتحصين النظم السياسية ولم تكن ثمة وسيلة إلا الاهتمام الشديد بالجيوش تسليحاً وتدريباً وولاءً .

ولا يخفى كذلك على أحد ، كيف تحيط هذه الأنظمة نفسها بحلقات جهنمية ، من المستشارين الاستراتيجيين ، والخبراء الأمنيين ، والأكاديميين ، والبحاثة ، من أبناء الوطن ، ومن العرب ، ومن العجم غرباً وشرقاً ، وقد أوصى هذا الحشد من الأدمغة بأن الجيوش هي صمام الأمان ، وحوّل مجلس الحرب هذا عقائد الجيوش إلى الداخل ، حيث أُعلنت الحرب على الشعوب ، لأنها العدو المحتمل الأول والأخطر على الأنظمة السياسية العربية .

وتوصل المخطط الاستراتيجي العربي بذكائه المتوقد المعهود إلى أن للجيوش في هذه الظروف العسيرة سلوكين متتابعين ومتلازمين ، إذا أخفق الأول ، شُرع مباشرة في الثاني حتى تتحقق مهمة الحفاظ على الأنظمة .

السلوك الأول هو سلوك إرهاب وإرعاب وتخويف ، ويُعرف بالسلوك الوقائي المبادر ، حيث يصيب أبناء الشعب بالرهبة والرعب والخوف ، من هيئة عناصر الجيش المفزعة ، ومن قوتهم الهائلة ، ومن تسليحهم المتقدم والمعقد ، ومن عنفهم المفرط ، ومن مهارتهم الخارقة في القتل ، ومن ولائهم الطاغي للنظام السياسي ، عندئذ لا مفر أمام المواطن البسيط إلا أن يكتم أنفاسه ، ويطارد أي تفكير في المعارضة أو الاحتجاج ، بل يستسلم لهوانه ويستمرئه ، ولا مانع أبداً من أن ينافق ويتزلف لينقذ حياته ومن يعول من دمار محقق .

تلفزيون اسرائيل: الفصائل فعلت ما لم تفعله الجيوش العربية

السلوك الثاني هو سلوك قمع وقتل ، ويعرف بالسلوك العلاجي ، حيث يعاجل هذا السلوك من أفلت من تأثير السلوك الرادع ولم يرتدع ، ومضى ليلقى حتفه على يدي جيشه معارضاً ثائراً على الفساد والجور .

ومن ثم ، وكما خطط الاستراتيجيون العرب ، فالمواطن لن يفلت من الجيش العاتي ، فإما أن يدمره معنوياً ، وإما أن يدمره جسدياً .

ويتدرج برنامج تنفيذ السلوك الأول الوقائي المبادر عبر مجموعة من الأفعال ، نستعرضها على عجل فيما يلي :

أ : استعراضات القوة: تقوم الجيوش العربية باستعراض قوتها لإنفاذ السلوك الأول من خلال ثلاثة مظاهر هي :

المظهر الأول: المناورات المشتركة مع دول إقليمية وعالمية ولا تدري من العدو المستهدف من وراء هذه المناورات الضخمة والمكلفة ، وتُستعرض من خلالها قوة تسليح الجيش ومهارته القتالية وجاهزيته .

المظهر الثاني: المناورات الداخلية التي تجريها الجيوش داخلياً ، وتعرف بالمشاريع ، ومهمتها الأساسية استحضار الجاهزية ، وتُعرض جوانب منها للإرهاب والتخويف ، وهي موجهة أساساً وبصفة خاصة بعد ثورة الكرامة العربية إلى الداخل ، وتحديداً للتعاطي مع الثورات والانتفاضات ضد الأنظمة .

المظهر الثالث: العروض العسكرية في المناسبات العديدة ، ويبدو فيها جلياً استعراض القوة والتباهي والتلاحم بين قيادات الجيوش ورموز الأنظمة السياسية ، وكأنهم يتوعدون الناس بمصيرهم المحتوم إذا خرجوا على الأنظمة .

ب : التصريحات الصريحة والمضمرة: كثيرة هي تلك التصريحات التي يدلي به القادة العسكريون حول قوة الجيش واستعداده وجاهزيته للقاء الأعداء في الداخل والخارج ، وإذا كان الخارج ليس به أعداء ، فمن إذن أعداء الداخل !! أعداء الداخل بالطبع هم أعداء النظام ، وأعدء النظام هم أعداء الجيش ، لأن الجيش هو جيش النظام .

ولا يمكن أن تٌؤخذ هذه التصريحات على محمل الهزل أو ملء الفراغ ، فهي مقصودة ، وتحمل رسائل تحذيرية للمعارضين للنظام ، ليس من القوى السياسية بالتأكيد ، لأنه لا توجد قوى سياسية عربية بالقوة التي يستدعى مواجهتها الدفع بالجيش ، ولكن المقصود هم الناس عندما يثورون ثأراً لكرامتهم ، فهم أقوى وأصلب من أية قوة .

وقد قُدّر لنا الاطلاع على اجتماعات لقيادات عسكرية لجيوش عربية عديدة كان موضوعها الرئيس هو كيفية مواجهة الثورات والتعامل مع الحشود الثائرة ، ولقد نُظمت لعناصر الجيش دورات تدريبية في الداخل والخارج وبشكل مكثف لهذا الغرض ، بل لقد أصبح بعد ثورات الكرامة العربية من ثوابت الاستراتيجيات والتكتيكات الخاصة بالجيوش العربية مواجهة الثورات ، والتي اعتادت النظم السياسية والجيوش العربية زوراً وبهتاناً أن تسميها “الإرهاب” !!

لقد أصبحت الجيوش وبدون عناء في البحث والاستدلال أداة النظم العربية من أجل ردع الناس عن الثورة والمعارضة ، وذلك بإرهابهم وترويعهم .

ت : الواقع العملي: تأكد كل ما تقدم بعد هبوب الثورات العربية ، فأصبح من المعتاد وجود الجيش بآلياته في الشوارع  ، وفي المنشآت المدنية العامة والخاصة ، لإيهام الناس بأنه يحميهم ضد مجهول اسمه الإرهاب .

كما أصبح نهجاً لدى الجيوش التعدي على الثوار بأسلوب وحشي مدمر ، وتلفيق تهم الخيانة العظمى للتعدي على الجيش بالكلمة أو الفعل !!

وتواصل الجيوش العربية الممارسات الهمجية في مداهمة المنازل وسلب وسرقة مقتنياتها ، ومقار أعمال الناس ، والاعتقالات العشوائية ، واغتصاب الإناث في الشوارع والمركبات دون أدنى وازع من ضمير أو دين أو أخلاق أو مسئولية ، وليس ثمة قانون يسائل عناصر الجيش فهم حماة النظام .

ثم يأتي أسوأ وأبشع اساليب الردع التي تستخدمها الجيوش العربية وهي التعذيب داخل معسكرات الجيش وفي كل مراكز الاعتقال وفي أقسام الشرطة ، حيث ترتكب أشنع الجرائم ضد آدمية البشر ، وهذه الجرائم النكراء تعود بالذاكرة إلى جرائم النازية والفاسية ضد الإنسانية .

إن هدف كل ما تقدم هو كسر إرادة المواطن ، وتدمير معنوياته ، وردعه عن التفكير في الثورة على الأنظمة الفاشلة الفاسدة .

ثانياً : الجيوش العربية والقمع القاتل :

نتحول في هذه الجزئية إلى تحليل السلوك الثاني للجيوش العربية الذي أبرزته الثورات العربية ، وهنا تنتقل الجيوش من مهمة الإرهاب الرادع إلى مهمة القمع القاتل ، عندما تعبر الشعوب عن رأيها بالاعتراض أو الاحتجاج السلمي في مواجهة النظم السياسية الجائرة ، وهنا لم يعد يجدي الإرهاب والتخويف والردع ، وواصل الثوار اعتراضهم على الفساد ، فكان اللجؤ إلى القمع الذي غالباً ما ينتهي بالقتل ، وللجيوش العربية خبرتها في قتل بشكل جماعي مشين وتدمير ممتلكاتهم ، ثم أضيف إلى رصيد الخبرة قتل الثوار في ميادين التظاهر والاحتجاج والاعتصام .

أ : الخبرات والسوابق التاريخية: لا يمكن لأحد تابع الأحدث بالمعاينة أو الرواية أن ينسى مذابح الجيش السوري تحت قيادة “حافظ الأسد” في حلب ، ومذابح الجيش العراقي تحت قيادة “صدام حسين” في حلبجة وغيرها ، ومذابح “حسن البشير” في دارفور وغيرها ، ومذابح الجيش الجزائري ، ومذابح الجيش الليبي في أكثر من مكان من أرض ليبيا لأساتذة وطلبة الجامعات في بنغازي وغيرها .

ب : أحداث الثورات العربية: وعندما تفجرت الثورات العربية ، كانت الطامة الكبرى ، فمن الجيوش العربية من واصل زيادة رصيده من القتل في ليبيا وسوريا ، ومنها من احترف سريعاً القتل ، وتفنن فيه مثل الجيش المصري والجيش اليمني ، وبذا تكون كل الجيوش العربية قتلت الثوار في الثورات العربية فيما عدا الجيش التونسي .

لقد نبهت الثورات العربية الأذهان إلى الأدوار والوظائف والعقائد القتالية المتغيرة للجيوش العربية ، فينبغي الاهتمام الشديد بهذا التطور الخطير ومناقشته بجدية على مستوى العلماء والباحثين الثقة ، وعلى مستوى صناعة القرار ، ثم على مستوى أبناء الشعب العربي الذين كانوا ضحية التدمير المعنوي والتدمير الجسدي للجيوش .

الخصائص الثقافية والحضارية للثورات العربية

Exit mobile version