توماس فريدمان: “المجنون” بوتين خسر في سوريا
شارك الموضوع:
عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين تأسيس قاعدة جوية وسط سوريا لمحاربة داعش ودعم بشار الأسد، امتدح عدد غير قليل من المحليين ما وصفوه بألمعيته الإستراتيجية وقدرته على تغيير مسار اللعبة، مدعين أنه يمتلك جنون الثعلب، لكن بعضنا رأى أنه مجرد شخص مجنون.
جاء ذلك في مستهل مقال للكاتب توماس فريدمان بصحيفة نيويورك تايمز تحدث فيه عن إخفاقات موسكو بسبب التدخل في الدولة الشامية، وسبل دحر تنظيم داعش.
وإلى نص المقال
بعد مرور شهرين على الحملة الروسية في سوريا، دعونا نحسب الأمر بطريقة الرياضيات:
حتى الآن، أسفرت مغامرة بوتين عن تفجير طائرة روسية في سيناء، عبر مسلحين تابعين لداعش، ومصرع 224 كانوا على متنها.
وكذلك أسقطت تركيا مقاتلة روسية قاصفة للقنابل بعد انتهاكها مجالها الجوي.
وفي أعقاب ذلك، قتل ثوار سوريون أحد طياري المقاتلة سوخري بينما كان يهبط بالباراشوت على الأرض، وقتلوا كذلك جندي مارينز روسيا أرسلته موسكو لإنقاذه.
العديد من الثوار المناهضين للأسد في تلك المنطقة من التركمان الذين تربطهم علاقات حضارية مع تركيا.
ولذلك لم تكن تركيا راضية عن قصف بوتين قرى التركمان داخل سوريا، إذ أن ذلك من شأنه أن يضعف قدرة أنقرة على تشكيل مستقبل سوريا.
وفي ذات الأثناء، قطع التتاريون الموالون للأتراك في القرم خطوط الطاقة، محولين شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا الاتحادية إليها إلى ظلام شبه تام.
وإجمالا، فإن نقلة بوتين الشطرنجية “الماكرة” في سوريا أسفرت عن قتلى روس، وعداوات جديدة مع تركيا وإيران، وأضعفت موقفه في أوكرانيا، وظهر في صورة محامي الدفاع عن الأسد، القاتل الجماعي للمسلمين السنة الذين يتبعون نفس عقيدة مسلمي روسيا، ودون أن يحقق تقدما حقيقيا ضد داعش.
وإذا وضعنا كل ذلك جانبا، يمكنك حينها أن تقول إنه حقق نجاحا كبيرا.
حقيقة، كنت أتمنى نجاح بوتين لإنقاذنا من الكثير من المشاكل، إذ أن التنظيم ليس مجرد فريق مدرسي مثلما وصفه أوباما ذات يوم.
داعش في واقع الأمر فريق جهادي يضم كل النجوم.
يجمع داعش بين الكفاءة العسكرية لضباط حزب البعث العراقي السابقين، والتعصب الديني، وانحراف خليفته “أبو بكر البغدادي”، ودهاء الإنترنت لجيل الألفية العرب، والجاذبية المثيرة لشباب مسلمين مهانين، لم يمتلكوا أبدا السلطة أو وظيفة لائقة، أو “يد فتاة”.
تهديد داعش يصبح إستراتيجيا. فالفيض الهائل المتدفق من اللاجئين من سوريا والعراق الذي تسبب فيه التنظيم قاد الاتحاد الأوروبي للبدء في غلق الحدود الداخلية والحد من التدفق الحر للأشخاص، وربما بعض البضائع أيضا، بعكس الهدف الذي أنشئ الاتحاد من أجله.
ومن شأن ذلك أن يبطئ وتيرة النمو الاقتصادي، ويؤجج مشاعر أكثر قومية تهدد وحدة الاتحاد.
الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك هام لأمريكا في إدارة النظام العالمي. وإذا اعتراه الضعف سينعكس ذلك سلبا علينا.
ولكن من أجل التدمير المستدام لداعش، تحتاج إلى فهم ثلاثة أشياء:
1- إنه نتاج حربين أهليتين، الأولى بين السنة المعتدلين والمتطرفين، والثانية بين السنة والشيعة، علما بأن كل منهما تغذي الأخرى.
2- السبيل الوحيد لهزيمة داعش يتمثل في الحد من الصراع بين السنة والشيعة، وتقوية القدرة القتالية للسنة المعتدلين ضد المتطرفين.
3- ينبغي ان يقود القتال العرب والمسلمون، بدعم قوي من أمريكا والاتحاد الأوروبي، وروسيا.
وبينما تتسم أهداف بوتين بعدم التيقن، وربما تقتصر على دعم النظام المبتور للأسد، فإن أوباما لا يريد حقا هزيمة داعش.
إنه يريد فعل ذلك دون أن يسير على نهجي بوتين أو جورج بوش الابن، بمعنى تفادي الدخول في منتصف الصراع.
ليس واضحا إمكانية إيجاد مخرج للأمر يتضمن حلولا وسطية.
دعك من تلك الخيارات التخيلية للعديد من منتقدي أوباما، على غرار دونالد ترامب.
الكل يرغب في هزيمة داعش بـ” تدخل طاهر يتضمن قصف جوي أكثر كثافة، أو دخول قوات أرضية لأطراف أخرى، أو تحولا سياسيا.
آسف، ولكن من أجل هزيمة داعش بشكل مستدام، تحتاج إلى تعزيز ائتلاف متبادل.
تحتاج إلى المملكة السعودية والقوى السنية القائدة لإلغاء شرعنة سرد داعش الإسلامي.
تحتاج إلى قوات أرضية عربية وكردية وتركية، بدعم جوي وقوات خاصة من الولايات المتحدة والناتو، مع دعم بناء من روسيا لاقتلاع جذور داعش تماما.
تحتاج أيضا إلى إيران لتشجيع الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد على تأسيس مناطق سنية شبه مستقلة في أنحاء يستحوذ عليها داعش، ومنح السنة المعتدلين في العراق نفس سلطات الأكراد في كردستان، بحيث يكون لديهم بديل سياسي لداعش.
تحتاج إلى إيران أيضا للموافقة على عملية انتقال سياسية في سوريا يمكنها في النهاية أن تحل محل الأسد.
باختصار، ثمة خياران، إما حل سياسي يتضمن اقتسام السطة السياسية ويوافق عليه اللاعبون الرئيسيون، ويفعلونه.
الخيار الثاني هو تشكيل قوة مسلحة تستهدف فحسب سحق داعش، والاستقرار في المنطقة إلى أجل غير مسمى لضمان عدم عودة التنظيم.
لا يستطيع أوباما أن يؤمن الخيار الأول، وكذلك لا يرغب في الثاني، شأنه شأن الشعب الأمريكي، ومنتقدي الرئيس الأمريكي، بالرغم من اقتراحات البعض منهم.
يمكنك أن تقول عندما يتعلق الأمر بداعش وسوريا إن أوباما يمارس مهمة مستحيلة على نحو سيء، وربما يفعلها شخص آخر بشكل أفضل، لكنها تظل مستحيلة طالما تجري القوى الأساسية وراء مصالحها الخاصة تحت شعار “أحكم أو أموت”، وطالما يعيش معظم الديمقراطيون الحقيقيون خارج المنطقة.