بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان نشر المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بياناً تفصيلياً تناول من خلاله الأوضاع الحقوقية في دولة الإمارات، مسلطاً الضوء على الانتهاكات المستمرة من قبل السلطات الإماراتية لكل ما يتعلق بحقوق الإنسان.
وذكر المركز “تحل ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر من كل سنة للاحتفال بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس سنة 1948”.
وأردف “وجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وخاصة منها المنتخبة في مجلس حقوق الإنسان، ملزمة ببنود الإعلان. وعليه فإن الإمارات العربية المتحدة بصفتها عضواً تم انتخابه للمرة الثانية، عليها واجب حماية وتعزيز حقوق الإنسان على الصعيدين المحلي والدولي”.
وقال “خلال دورة مجلس حقوق الإنسان لسنة 2012، بعث الممثل الدائم للإمارات برسالة إلى رئيس الجمعية العامة يبرز فيها التزام بلده في مجال حقوق الإنسان ويحث مجلس حقوق الإنسان على إعادة تجديد عضوية الإمارات من 2013 وحتى 2015. كما ذكرت الرسالة أسباب كل هذا الحماس الذي يرجعه الممثل الدائم إلى ” الإيمان القوي بأهمية تعزيز وحماية كل حقوق الإنسان من خلال بناء شراكة دولية وحوار فعال مع كل الجهات.”
وأضاف “كما فسر الممثل الدائم للإمارات أن رغبة بلاده “في أن تصبح عضواً في مجلس حقوق الإنسان يعكس اعتقادها الراسخ بأهمية حقوق الإنسان وحرصها على المشاركة في المساعي الدولية الهادفة لتعزيز وحماية هذه الحقوق في العالم بالإضافة إلى إقرارها بأهمية الدور الذي يلعبه المجلس في هذا المجال.”
وتساءل المركز “فماهي المساهمة التي قدمتها الإمارات من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي منذ انتخابها؟ وهل احترمت الإمارات فعلاً التزاماتها الدولية؟”.
وفصل المركز في بيانه “في 28 تشرين الأول /أكتوبر 2015 انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة 18 دولة كعضو في مجلس حقوق الإنسان بما في ذلك الإمارات، بالرغم من أن هذه الدولة ليست مثلاً يقتدى به في هذا المجال. ولكن كلنا أمل أن تكون الولاية الثانية للإمارات أكثر فعالية وأن تتعاون بصفة ايجابية مع المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة والذي كان قد أعرب عن رغبته في زيارة الإمارات. ولقد جاء هذا الطلب بعد أن تلقى المقرر الخاص عددا من البلاغات في هذا الصدد”.
وقال “ففي الواقع، دولة الإمارات لا تحترم التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكان المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان قد أبلغ عن العديد من حالات التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والحبس الانفرادي التي تعكس الوضعية المتردية لحقوق الإنسان داخل البلاد. علاوة على ذلك، تؤكد العديد من الانتهاكات في الآونة الأخيرة ما تضمره الإمارات من نوايا لإسكات المعارضين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان”.
الاختفاء القسري
وكان جهاز أمن الدولة الإماراتي قد اعتقل يوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 الشقيقتين أمينة محمد العبدولي (33 عاماً) وموزة محمد العبدولي (18 عاماً) وأخوهما مصعب محمد العبدولي (25 عاماً) وتم اقتيادهم إلى مكان مجهول.وكانت مجموعة من الأفراد بلباس عسكري قد اقتحمت منزلهم الكائن في إمارة الفجيرة على الساعة 11 ليلاً، وتم تفتيش المنزل ثم اقتيادهم إلى مكان سري. وبحسب المعلومات المتوفرة فإنه لم يتم تقديم مذكرة لا للإخوة ولا لعائلتهم كما لم يتم إعلامهم بالتهم الموجهة إليهم، لكن من المرجح أن تكون على خلفية تغريداتهم المتعلقة بوالدهم الذي توفي سنة 2013 في سوريا.كما تم تأكيد اعتقال وليد العبدولي أيام قليلة بعد اختفاء اخوته الثلاثة وذلك بعد أن فقدت عائلته أخباره هو الآخر، وهناك مخاوف كبيرة حول سلامتهم الجسدية والنفسية فوفقاً للعديد من الشهادات غالباً ما يتم استعمال التعذيب في السجون السرية، كما انقطعت كل أخبار الإخوة العبدولي منذ اعتقالهم.
وتثير حالة ناصر بن غيث هي الأخرى مخاوف كبيرة وهو خبير اقتصادي وأكاديمي يعمل مستشاراً اقتصادياً وقانونياً في المجال العسكري بدولة الإمارات العربية المتحدة، اختفى اختفاء قسرياً عقب اعتقاله يوم 1آب/ أغسطس 2015، من مقر عمله الكائن بأبو ظبي، والجدير بالذكر أن بن غيث كان قد اعتقل في 2011 مع مجموعة الإمارات 5.
التعذيب وسوء المعاملة
وتسلط حالة سليم العرادي، وهو مواطن كندي من أصل ليبي، الضوء على الانتهاكات في الامارات إذ تم اعتقاله بدون أية تهم في 28 آب/ أغسطس 2014، ولقد تم وضع سليم في الحبس الانفرادي لمدة 114 يوماً في زنزانة انفرادية وكان ينام فوق أرضية إسمنتية وتعتقد عائلته أنه تعرض للتعذيب، فقد تدهورت حالته الصحية بسرعة كبيرة وأصبح يعاني من مشاكل صحية، منها ما كان قديماً والباقي سببته الأوضاع في السجن كالربو وارتفاع الكوليسترول والوهن بسبب خضوعه إلى عملية جراحية لقلبه، كما أنه أصبح يشكو من مشاكل في ظهره جراء نقص كبير في الوزن والتهاب في العينين.
ظروف الاعتقال
تعامل سلطات سجن الرزين سجناء الرأي معاملة قمعية ولا سيما مجموعة الامارات 94، وكانت سلطات سجن الرزين قد وضعت في بداية هذا الشهر مكبرات صوت في كل مجمع بأمر من جهاز أمن الدولة، وذلك لتشغيل موسيقى دعائية صاخبة جداً الهدف منها مدح حاكم أبو ظبي، وقد وصف العديد من السجناء هذه الموسيقى على أنها عالية جداً ومزعجة ومؤذية. ولقد تم تشغيلها ليس فقط أثناء النهار بل وكذلك في الليل من الساعة 1 إلى الساعة2، أي الساعات العادية لنوم السجناء، وفي الحقيقة فإن الغرض من هذه الموسيقى هو إثارة حفيظة السجناء.
وكان الدكتور محمد الركن المعتقل منذ 2012 أحد ضحايا هذه الإجراءات، وهو محامي وناشط بارز كان قد ترافع نيابة عن مجموعة من المصلحين الذين حوكموا ظلماً في قضية الإمارات 94، وهو يعاني من سوء المعاملة وتم وضعه في الحبس الانفرادي مرات عديدة.
كما تواصل سلطات سجن الوثبة في أبو ظبي، معاملة السجناء السياسيين معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة، بالرغم من النداءات التي وجهتها الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني لوضع حد لهذه الأعمال الوحشية.
ففي سجن الوثبة يتقاسم السجناء السياسيين بمختلف جنسياتهم نفس العنبر (عنبر رقم 9)، وذلك بغية تسليط تدابير أكثر تمييزاً ضدهم، كما أنهم محرومون من أبسط حقوقهم، إذ قلصت سلطات السجن من عدد الزيارات لتصبح مرة في الأسبوع بعد أن كانت مرتين، إضافة إلى مدة الزيارة التي صارت 15 دقيقة عوضاً عن 30 دقيقة، كما تم تقليل عدد المكالمات الهاتفية لتصبح 3 مكالمات فقط. وقال بعض السجناء أنه تم منعهم من هذه المكالمات لمدة تزيد عن 10 أيام، وقد أدت هذه المضايقات إلى قرار جماعي بمقاطعة طعام السجن وشرائه فقط من المقصف.
انتهاك الحقوق تحت غطاء مكافحة الإرهاب
إضافة إلى ذلك تستعمل الإمارات قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2014 كعلة لقمع المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فقد أدى هذا القانون المقيد إلى عدد كبير من الاعتقالات التعسفية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة، إذ تم توجيه تهم للحكومة الإماراتية بقتل السجناء السياسيين وسجناء الرأي قتلاً بطيئاً لتخرق بذلك معاهدات واتفاقيات مهمة في مجال حقوق الإنسان كالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء والمبادئ الأساسية لمعاملات السجناء ومجموع المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن.
الإمارات وآليات الأمم المتحدة
وقلما تتعاون الإمارات مع آليات الأمم المتحدة، إذ قدمت لجنة حقوق الطفل في دورتها الأخيرة مجموعة من التوصيات لدولة الإمارات، كما استعرضت اللجنة المعنية بالقضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة (سيداو) التقريرين الدوريين الثاني والثالث للإمارات في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. وقدمت في الأخير عدة توصيات تعلقت بمسائل مختلفة، منها العنف المنزلي والمضايقات التي تتعرض لها النساء المدافعات عن حقوق الإنسان وعائلاتهن ووضعيات العاملات الأجنبيات وغيرها، وفي الواقع أوصت لجنة سيداو الإمارات بالكف عن تسليط شتى العقوبات على النساء خاصة اللاتي تدافعن عن حقوق الإنسان وأقاربهن والعمل على رفع كل العوائق خاصة منها الإدارية، التي وضعت ضدهن (التوصية 20).
وأما بالنسبة للجنة حقوق الطفل فقد استهلت دورتها 70 في14 أيلول/ سبتمبر الفارط لاستعراض تقرير الإمارات، وقد قدمت اللجنة توصيات لحث الدولة على احترام حقوق الطفل والكف عن مضايقة أبناء سجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان، لكن بالرغم من ذلك لازالت الإمارات تخالف توصيات لجنة سيداو ولجنة حقوق الطفل في ما يتعلق بالنشطاء.
ومن خلال التذكير بهذه الحالات فإن المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان يُسلط الضوء على المعايير المزدوجة لحقوق الإنسان داخل الإمارات، والوجه الحقيقي للنظام الحالي الذي يسعى جاهداً لإخفاء الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان.
وعليه يعرب المركز الدولي عن عميق قلقه إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات ويحث السلطات الإماراتية على:
احترام جميع بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الوفاء بالالتزامات التي اتخذتها على عاتقها أمام مجلس حقوق الإنسان في 2013.
احترام الاتفاقيات والمعايير الدولية التي تمنع الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة والحبس الانفرادي.
الإطلاق الفوري وغير المشروط لسراح كل سجناء الرأي والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين في الإمارات بسبب الممارسة السلمية لحقوقهم.
ضمان أن كل السجناء بما في ذلك الدكتور ناصر بن غيث وسليم العرادي وأبناء العبدولي وغيرهم، يعاملون باحترام وكرامة وضمان حمايتهم من كل ضروب التعذيب وسوء المعاملة.
توفير الرعاية الطبية اللازمة لكل المساجين وتوفير ظروف مناسبة لهم بما يتماشى مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء والمبادئ الأساسية لمعاملات السجناء ومجموع المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن.
المصادقة في أقرب الآجال على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بحماية كل الأشخاص من الاختفاء القسري.
تقديم تفسيرات لحالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة والحبس الانفرادي المسجلة داخل الإمارات.
احترام اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والميثاق العربي لحقوق الإنسان.
تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها بطريقة فعالة من خلال تعزيز دور المجتمع المدني وتسهيل عمل المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية.