وطن- أما وقد انتهت “القصة” تماماً، وأصر على تحدي القلب منه حتى النهاية، وقبل عام بالتمام والكمال وقف له بالمرصاد قائلاً:
ـ قل ما شئت عن توقعك أن أقول لك .. قل إنه ليخيل إليك إنني سأقول لك إن الرومانسية منتج غربي لا يعترف بمبادئنا وقيمنا ومن قبل ديننا، وأنت تعرف لكم أعتز بالأخير، قل ما شئتَ واختصر ما شئتَ، ولكنك تعرف إلى كم أحب أن نظل نسيجاً من تكوين واحد؟ وإني لأحذرك من أن رحلتك مع ساكنتك الأخيرة في العمر، وإني لأعدك إنها كذلك، صدق أو لا تصدق، ولكن فاصلة في جملة تمثل عاطفة، مهما قلّتْ، لن تكتبها ولن تقرأها ثانية، وإن نسمة لتهب من آفاق مزيلة بالحنان بعيداً عن قلوب لطالما ارتوتْ من قربك، تلك النسمة على قلب، بحال من الأحوال، ثانية أو ثالثة أو قل تاسعة بل أخيرة، لن تهب بعد النهاية على قلبك نهاية، ولن يكون لمطافك بعد هذه النهاية المجلجلة نهاية ..!
ـ أهي أعوام بالتحديد أم أقل قليلاً أم أن الأمر يخص تعمية من نوع ما ..؟! أهي حياة واحدة أم حيوات ولِمَ لا نجازف طالما تعلم أنها حياة واحدة؟!
ـ تلك كلماتك عند خط البداية ولكني أعرف إن النهاية عليك جدّ مكلفة .. وأن الشاطىء هذه المرة عليك سيبدو بعيداً ومرهقاً وشاقاً، ولذلك فإنني لأنذرك منذ البداية أن هلاكك دون العودة إلى هذا الأمر، وأن علاجك لدي بالضبط هو علاج المدمن الذي يحبس نفسه عن الخلق ليعاني ما يعاني ولكنه عن العودة من الإقلاع لن يعود، لكن عليّ أن تتنفس وهدة من هناك، وأخرى من هنا، وأمنية بالعودة في بداية الطريق، ولكن الأمر المؤكد أنك إذا ما ساقتك انفاسك إلى قرب النهاية أو قبيلها، مهما كلفني الأمر ومهما نالني من خسائر، وإن تكالب البشر عليك وتكاثروا، وإن خلعت عليك من جلدي فإنك لن تعود، أو تدري لماذا؟!
ـ أعرف إنك من هذه الكلمات طالما تخجل ولكن تدفق الشلال من كبد الجبل لو خجل من طوفان قطيرات المياه المتعاقبة مجموعة ما اندفعتْ إثر بعضها، إنني يا قطعة حبيبة مني، عبرها أتعلم الحب وأتهادى في مركب الحياة، يا شرياناً من الكبد بين التجاويف يسد مسد المرارة، ويصل الرئة بتهادي موكب النور بين الحنايا، إنك لا تعرف إن السر في القطيعة ليس البيت ولا الأولاد، ليس السكن ولا تمادي العمر في المضي، ليس الخوف من الظلمات في ثوب علاقة جديدة بعد تمام النور في الراحة بين حنايا عرفتنا وخبرتنا لسنوات، بل لسبب آخر مختلف تماماً .. ربما كنت تتعجب لماذا أروي لك، آخذ قطاعاً عرضياً مني، العقل، كي أهبه إليك، وأنت المحبة كلها، لإنك ربما لا تدرك تمام الإدراك أنك قلب في قلبي، في قلب العقل مني أنت هنا، كما إني في عقل القلب منك ..
الخريف ..
روى العقل للقلب أنهما سيتركان درباً هي فيه لمجرد إنها أتمتْ خدعة أجادتها على مدار أسابيع فقط، وإنها إذ كانت تلعب، وتتلذذ باللعب لعبت باللعب نفسه، إذ تهب ما لا يٌوهبُ منها لآخر، أجرى الله أفضالٌ له على يديه لها وله، فاشتركتْ معه في مكافأته بان وضعت ما لديها لديه، ثم جاءته تدعي المحبة!
لم يكن يهمه منها ما وهبتْ وما لم تهب، ولا براءتها من سوء الظن أو وقوعها في حسنه، كل ما أهمه منها أنها حرصتْ على خداعه، ليصير مادة لدوام الخديعة بين أظهر الناس، الجميع الذين يعرفون الحقيقة، وبينه وبين نفسه، أرادت له أن يكون “مزحة” بين الآخرين .. تلك منتهى آية الآلام ..أن تعطي وتغفر بلا حدود فتقابل بمحاولات الابتزاز في أعز ما تملك!
في تمام انمحاء عشرات الآلاف من البشر من فوق الأرض أهناك قصة للاشفاق على “إنسانة” برأي أبي فراس الحمداني؟
حينما يتعلق الأمر بمصابين بحب التعلق بالأشياء والأشخاص ونساء يعشقن كأنثى العنكبوت ما إن ينلن ما يردن حتى يدمرنه هل من فرصة للاحتواء أو بذر بذرة للخير؟!
أمام طريق مختلف استطاع على أرض صلبة الوقوف بعد أن أهرق أعواماً من عمره فعلم أن القلب منه كم ذا كلفه ويكلفه وإنه لا طاقة له بالتكلفة، على أي نحو من بعد، حدثتْه نفس عن إطار غير منتهٍ من الحلم لديه، وإن الأحلام لا طاقة للأيام بها اليوم!