كانت باربرة غاتوسو في أواخر الثلاثينيات من عمرها عندما لاحظت لأول مرة تغيراً في سلوكها من الناحية الجنسية تجاه زوجها، غريغ. تقول غاتوسو: “لم أتحدث معه عن الجنس أبداً، فلم يكن إلا مجرد أمر لا يهمني على الإطلاق.”
وبمرور السنوات، أصبحت غاتوسو، البالغة من العمر الآن 66 عاماً، ماهرة في التنصل من زوجها لكي تتفادى أن ترفضه بصراحة، كانت غالباً ما تأوى إلى الفراش مبكرا وتستيقظ قبله.
وتضيف: “بعد فترة، أصبحت أتساءل: ’ماذا يحدث هنا؟ أنا أحب زوجي، وزواجنا جاء بطريقة لا تصدّق، ولدينا أطفال رائعين؛ ماذا يحدث؟‘”.
وكانت المشكلة تكمن في الرغبة الجنسية.
يعاني معظم الذين يعيشون علاقات طويلة الأمد من برود الانفعالات الأولية، أما غاتوسو فلم تكن لديها الرغبة الجنسية من الأساس.
ولم يكن ذلك تجاه زوجها فقط، إذ لم تكن تشعر بأي إحساس جنسي تجاه أي شخص أخر.
ويقول بعض علماء النفس الجنسي إن مثل هذه التقلبات في الرغبة الجنسية أمر طبيعي – خاصة كلما تقدّمت النساء في العمر، في حين يعتقد آخرون أن نقص هذه الرغبات هي حالة مَرَضية ناتجة عن عدم توازن المواد الكيميائية في الدماغ.
ربما يكون هناك حالياً دواء لمعالجة هذه الحالة. في الثالث والرابع من شهر يونيو/حزيران القادم، ستعقد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إجتماعا للجنة إستشارية لمعرفة رأيها فيما إذا كان أعضاء اللجنة يوافقون على استخدام عقار “فليبانسرين”، الذي يوصف بأنه “فياغرا النساء”، لاستعماله للمرضى أم لا. وهناك حالة من الجدل حول هذا الدواء، بين مؤيد ومعارض لاستخدامه.
خلل في الدورة
ما هو السبب إذاً في انعدام الشهوة، وكيف يمكن لعقار “فليبانسرين” أن يعالج تلك المشكلة؟ من الواضح أن النساء لسن فقط من يعانين من المشاكل الجنسية مع تقدم العمر، ولعل الشعبية الواسعة لـ “الفياغرا” تعد دليلا على ذلك.
يقول ستيفن ستال، أخصائي نفسي بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: “هناك مقولة في الطب مفادها أنه توجد ثلاثة أصناف من الضعف الجنسي لدى الرجال وهي: الانتصاب، الانتصاب والانتصاب. أما عند النساء، فهناك ثلاثة أسباب للعجز الجنسي: الشهوة والشهوة ثم الشهوة”.
يعرف العلماء أن الأمر يتعلق بالدورة الكاملة للطاقة في الدماغ (دائرة الإثابة)، أما سبب ضعف الشهوة – وحتى منشأ الشهوة في المقام الأول- فيبقى لغزاً يحير العلماء.
وتفيد إحدى النظريات بأن ما يسمى “اضطراب الرغبة الجنسية” –ويعرف أيضاً بمصطلح اضطراب الإثارة الجنسية لدى النساء- ينتج عن عدم القدرة على إيقاف عمل أجزاء في الفصين الأماميين للدماغ مسؤولة عن التعامل مع المهام اليومية، مثل تذكر إرسال بطاقة تهنئة بعيد ميلاد أو حل مشكلة في محل العمل. نتيجة لذلك، يتم كبح دورة الإثابة، المسؤولة عن التعامل مع الدوافع والغرائز والمتع.
حالما ثبت نجاح عقار “الفياغرا” لمعالجة العجز الجنسي لدى الرجال (ناهيك عن الأرباح التي جنتها الشركة التي طورت الدواء)، بدأ سباق محموم لإيجاد عقار مماثل للنساء – غير أن على هذا الدواء يستخدم لعلاج الدماغ وليس الأعضاء التناسلية.
ويأتي “فليبانسرين” في مقدمة العقاقير التي تستخدم في هذا الصدد، وكان يستخدم في البداية لعلاج الاكتئاب، وتبيّن أن تأثيراته قليلة على تغيير مزاج الناس. ومع ذلك، فإن النساء اللاتي تطوعن لإجراء اختبارات سريرية لعلاج الاكتئاب ذكرن مضاعفات جانبية، منها زيادة الرغبة الجنسية.
يبدو أن “فليبانسرين” يعمل على تغيير التوازن في جزيئات الإشارة (ناقلات الإشارات العصبية) في دوائر الإثابة –وبالتحديد مادة دوبامين، ونورأدرينالين وسيروتونين.
يقول ستال: “الاعتقاد السائد هو إما أن هذا الدواء يعيد التوازن إلى طبيعته أو يقوم بتعويض ما هو ليس بطبيعي لكي يحافظ على التوازن في دوائر الإثابة. ومن المرجح للغاية أنه يتيح للنساء فك ارتباط الدوائر العصبية التي تكبح الميل والاندفاع الجنسي في الفصين الأماميين للدماغ.”
شهوة متجددة
رغم توقف استعمال العقار لعلاج الاكتئاب، لمحدودية مفعوله، إلا أنه سرعان ما أعيد إجراء الاختبارات عليه بغرض تعزيز الرغبة الجنسية للنساء المصابات باضطراب الرغبة الجنسية.
وعلى الرغم من أن التجارب الأولية لمتابعة مفعول الدواء أظهرت أن النساء قد ذكرن تزايداً في عدد “مرات الإشباع الجنسي”، إلا أنهن لم يُظهرن أي مفعول يذكر بخصوص الرغبة الجنسية. وبالتالي، رفضت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية هذا العقار عام 2010.
وبعد إجراء مزيد من الدراسات، تبيّن أنه يقوي الرغبة الجنسية ولكن بشكل متواضع. تقول سوزان سكانلن، رئيسة حملة “معادلة النتيجة”، المناصرة لإيجاد دواء لمعالجة اضطراب عجز الرغبة الجنسية: “المشكلة هي: كيف تقيس أي تحسن؟” (من الجدير بالذكر أن سكانلن تتلقى راتباً رمزياً تدفعه إحدى شركات الأدوية لكي تترأس حملتها هذه.)
تشير سكانلن إلى أن المعدل الأساسي منخفض بشكل عام، وتضيف: “معدل ممارسة المرأة الأمريكية للجنس هو ثلاث مرات شهرياً، إذا لم تمارس (المريضة) الجنس ثلاث مرات شهرياً، فهل يعني ذلك أن العقار قد فشل؟”
في الحقيقة، قالت النساء اللاتي عولجن بدواء “فليبانسرين” إنهن مارسن الجنس بمعدل 2.5 مرة خلال فترة 28 يوماً، مقارنة بـ 1.5 عند النساء اللاتي يعانين من مرض عجز الرغبة الجنسية ممن لم يتناولن العقار.
من المؤكد أن بعض المريضات اللاتي خضعن لاختبار العقار يعتقدن بأنهن شهدن تحسناً ملحوظاً. تقدمت غاتوسو ليتم اختبار العقار عليها عام 2011، وتناولت في البداية عقارا وهمياً، حيث قالت إنه لم يكن له أي مفعول – بالرغم من جهودٍ مضنية لإعادة إشعال حياتها الجنسية.
عند انتهاء فترة اختبار العقار، أتيح لها الحصول على الدواء الحقيقي. تقول غاتوسو: “خلال أسبوعين، أحسست بأني شخص مختلف تماماً. كنت أستيقظ في منتصف الليل وأعانق زوجي. الالتصاق والرغبة وذلك الترابط، كانت كلها موجودة بنسبة مئة في المئة”.
ومع ذلك، كانت إحدى الأمور المقلقة هي المضاعفات الجانبية التي صاحبت ذلك التحسن – بما في ذلك النعاس والدوار والغثيان. لكن سكانلن تشير إلى أن هذه المضاعفات أقل مما يصاحب تناول عقار الفياغرا وغيره من علاجات عجز الانتصاب لدى الرجال.
تقول سكانلن: “دعونا نلقي نظرة على المضاعفات الجانبية لـ26 دواءً تم ترخيصها لعلاج العجز الجنسي لدى الرجال. نجد من بينها، النوبة القلبية، العمى، الموت المفاجيء”.
يخشى آخرون أن يؤدي ترخيص استعمال “فليبانسرين” إلى تشجيع النساء على البحث عن علاج طبي لمشكلة قد تحلّ بشكل أفضل عن طريق أخذ مشورة مختص بالعلاقات بين البالغين، أو عن طريق معالجة قضايا أخرى في حياتهن مثل العمل المضني أو الاكتئاب.
تقول سينثيا غراهام، محاضرة بعلم نفس الصحة بجامعة ساوثهامبتن في المملكة المتحدة: “عندما يتعلق الأمر بالرغبة الجنسية، فإن العلاقة نفسها تلعب دورا مهما، فالمضمون مهم جداً. العوامل الظرفية، مثل المزاج والجو المنعزل هي أمورٌ مهمة أيضا”.
ومع كل ذلك، تتفق غراهام على إمكانية الاستفادة من العلاج بالدواء في حالات معينة، وتقول: “أعتقد بصدق أن لدى بعض النساء مشكلة في الرغبة الجنسية، وفي النهاية قد تستفيد بعض النساء من العلاج بعقار معين. ولكن يجب أن يكون هذا العقار ذو أهمية سريرية حقاً. كما أننا بحاجة إلى معرفة المزيد عن المضاعفات الجانبية.”
يخشى البعض أن يؤدي رفض “فليبانسرين” كدواء إلى وضع عقبة أمام محاولات إيجاد أدوية أخرى، ربما تكون بدائل ذات فعالية أكثر.
الأمل الأخير
لا يلمح أحد، بالتأكيد، إلى الإسراع بإيجاد حل قبل استبعاد عوامل عديدة أخرى مثل الإرهاق، وطأة العمل، العلاقة مع شريك الحياة وتناول عقاقير وأدوية أخرى. يقول ستال: “إذا عانت امرأة من عجز الرغبة الجنسية فعليها أن تسأل نفسها: هل تعاني من ذلك تجاه زوجها فقط، بينما تميل مثلاً إلى جارها؟ أم إنه عجز عام وليست هناك أية رغبة؟ لن تفيد حبة دواء كعلاج لعلاقة زوجية مضطربة”.
تتفق غاتوسو بأن هناك مجال للاستشارة النفسية والاجتماعية عندما توجد مشاكل حقيقية في العلاقة، لكنها تصر على الدور الضعيف لهذه المسألة بالنسبة لعلاقتها الزوجية. تقول: “عندما تعاني من حالة مرضية مثل السكري، فيمكنك أن تتحدث لوقت طويل دون أي تأثير على الحالة. إن إضطراب عجز الرغبة الجنسية لدى النساء هو نتيجة عدم توازن في الدماغ.”
يرى المرضى من أمثالها أن دواء “فليبانسرين” هو أملهن الأخير. تقول غاتوسو: “عندما أخبروني بأنه سيوقف استعمال الدواء، لم أنزعج لنفسي فقط بل لمئات الآلاف من النساء اللاتي لا يجدن ما يساعدهن للتغلب على هذه الحالة. إنهن يحتجن إلى هذا الدواء.”
ليندا غيديس
(بي بي سي)