“نداء هام” ليس فقط لهؤلاء الذين يعانون مرض السكري، ولكن أيضاً للذين لديهم مستويات عالية من السكر في الدم إلى حد الخطر ولم يعرفوا بعد!
تحتل السعودية المرتبة العالمية الأولى في عدد مرضى السكري، بينما تحتل مصر المرتبة التاسعة، وفي بريطانيا ثمة 4 ملايين شخص يعانون من مرض السكري، مع توقعات بأن العدد سيفوق الضعف خلال العشرين عاماً القادمة، أي أنه التهديد الصحي الأسرع تزايداً في الوقت الراهن.
ولكن ما السبب في ذلك؟ الإجابة ببساطة هي أن أنماط التغذية المتبعة لا تتسبب فقط في البدانة بل إنها أيضاً تقودنا إلى مستويات عالية من السكر في الدم، والذي يقود بدوره إلى النوع نوعين من مرض السكري، فضلاً عن المزيد والمزيد من المضاعفات الصحية المصاحبة لذلك.
ولكن مع ذلك فإن هناك أخباراً جيدة ظهرت أخيراً تشير إلى أنه من الممكن إيقاف تقدم الحالة إلى حد الإصابة بمرض السكري، هذا الأمر كان مستحيلاً في السابق، ولكن ثمة طريقة الآن تقود إلى ردع النوع الثاني من مرض السكري، وأيضاً الرجوع بمستوى السكر في الدم إلى وضعه الطبيعي، وكل ذلك في 8 أسابيع فقط! بحسب ما ذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
خفض السكر في 8 أسابيع
وهنا يجب التطرق إلى حمية من 800 سعرة حرارية في اليوم، والتي يعد التمسك بها أمرًا أسهل مما قد تتوقعه، فهي تتكون من طعام صحي ذي مذاق طيب وتشعرك بالشبع، ولن تفقدك فقط الدهون المتراكمة لديك، بل ستكبح أيضًا جماح مستوى السكر في الدم لديك بمقدار لا يصدق، هذا بناءً على تجارب علمية دقيقة أجريت بجامعة نيوكاسل، بشأن آليات السيطرة على مستويات السكر في الدم.
البحث انطلق من تجربة حمية (5 أيام – يومين) والتي تشمل تناول الطعام بشكل طبيعي 5 أيام في الأسبوع، ثم خفض السعرات الحرارية إلى حوالي 600 في اليومين الأخيرين، وتوصل إلى أن هذا يتسبب في فقد أكثر من 20 باونداً في 12 أسبوعاً، والعودة بالسكر والكوليسترول في الدم إلى الوضع الطبيعي.
وقال روي تايلور، معد البحث، إنه كان يتساءل في ذلك الوقت إذا كان ما حدث له غير عادي، لذا قرر أن ينظر عن كثب في العلم الذي يربط السعرات الحرارية، والكربوهيدرات، والسمنة ومرض السكري.
هل تشعر بأن الأمر لا يعنيك؟
إذا كنت تشعر بأنك بعيد عن الأمر فعليك تتبع هذه الحقائق المخيفة بشأن السكر، والتي تفسر السبب وراء تلك الإحصائيات المخيفة عن أعداد مرضى السكري، فمن بين كل 3 أفراد في بريطانيا ثمة فرد لديه مستويات غير طبيعية للسكر في الدم، وهو العَرَض الذي يسبق الإصابة بالسكري.
* السكري وباء صامت، فإذا ارتفع مستوى السكر في الدم فقد تشعر بالتعب غير المعتاد، بالجوع والعطش، وتجد أنه من الصعب أن تحظى بنوم جيد أثناء الليل، أو ربما تلحق بك حالة من التشوش الذهني، ولكن على الأرجح فأنت لن تشعر بأي أعراض على الإطلاق، على الأقل في بداية الأمر.
* إذا كنت في المرحلة التي تسبق الإصابة بمرض السكر، فلن تعرف ذلك ما لم تكن قد قمت بإجراء الاختبار اللازم، فهناك احتمال بنسبة 30% أنه خلال الخمس سنوات التالية ستتطور الحالة إلى الدرجة الثانية من مرض السكري، وهذا النوع من السكري يرتبط بأنماط الحياة والتغذية غير الصحية، وهو عادة يصيب هؤلاء الذين تخطت أعمارهم 40 عاماً، ولكن الأطباء أيضًا يجدون تلك الإصابات لدى الأصغر سنًا الآن، بقدر أكبر من أي وقت مضى.
* وفضلًا عن أن مستويات السكر المرتفعة تقود إلى مرض السكري، فإنها أيضًا تزيد من خطر تسارع أعراض الشيخوخة والإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية وضعف الإدراك (الذي يتضح بتعثر تذكر الأشياء واتخاذ القرارات).
لماذا كل هذا الفزع من النوع الثاني للسكري؟
مرض السكري من النوع الثاني لا يتوقف أثره على كونه مزمنًا يصاحبه نمط حياة علاجية، إذ إن مضاعفاته أخطر مما تتصور، خاصة عند النظر إلى الإحصائيات الواردة.
فنحو 70 % من مرضى السكري يتطلبون أيضًا علاجات لضغط الدم، و65% منهم في حاجة لعقارات الحد من الكوليسترول، وهم أكثر عرضة للإصابة بالسكتات الدماغية بمقدار 1.5 مرة من غيرهم، وكذلك أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية.
كما أن مرض السكري هو السبب الأول في الإصابة بالعمى بدول العالم المتقدم، وهو أحد أهم أسباب العجز الجنسي، ويضاعف كذلك من خطر الإصابة المبكرة بالخرف.
السكري أيضًا هو سبب نصف الإصابات الحديثة بالفشل الكلوي، والآلاف يخضعون لجراحات بتر الأطراف بسبب مضاعفات السكر من النوع الثاني.
لماذا نتبع حميات أقل دهونًا فنزداد بدانة؟
رغم أن السمنة قد لا تقود بالضرورة إلى داء السكري من النوع الثاني، فقد تكون مصابا بالبدانة دون الإصابة بالسكري والعكس صحيح، إلا أنها مازالت على علاقة بخطر السكري ومقدماته من ارتفاع مستويات السكر في الدم.
أن تصبح أكثر بدانة.. تلك هي النتيجة غير المقصودة لما كان يُروج سابقًا بشأن اتباع حميات غذائية منخفضة الدهون المشبعة والتي نجحت في إقناعنا بأن تناول حميات خالية من الدهون سيجعلنا أكثر رشاقة، ولكن ما يحدث هو أننا نزداد بدانة.
فعندما يستثني الناس تناول الدهون في حمياتهم فإنهم يشعرون بالجوع، ومن ثم فهم يلجأون إلى الكربوهيدرات والسكريات، ويُشار إلى أن صانعي المواد الغذائية عندما استثنوا الدهون من بعض المواد الغذائية فإنهم وضعوها في الأطعمة السكرية لإكسابها مذاقاً أفضل.
فكعكة قليلة الدسم على سبيل المثال قد تحتوي على 430 سعرة حرارية، وهو ما يعادل 13 ملعقة سكر.
ومشكلة الكربوهيدرات خاصة هي أنها قابلة للهضم بسرعة مثل السكر، فحبوب الإفطار والمكرونة والخبز والبطاطا تذهب سريعًا إلى أسفل القناة الهضمية حيث يتم إفراز السكر، وسرعان ما يستجيب البنكرياس المنتج للأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن خفض مستوى السكر المرتفع في الدم، ويحدث ذلك بمساعدة الخلايا المتعطشة للطاقة، مثل تلك التي في العضلات.
ولكن مع الأسف، فالحميات غير الصحية وأنماط الحياة التي لا تتضمن نشاطات بدنية لسنوات تقود إلى ما يدعى “مقاومة الأنسولين”، وهو يشبه أن يتوقف أطفالك عن الاستماع إليك ما دمت تستمر في الصراخ فيهم، ويصبح جسمك أقل حساسية للأنسولين شيئًا فشيئًا.
ومع إعاقة قدرة الأنسولين على تحويل السعرات الحرارية الفائضة إلى خلايا العضلات، فإنها تتحول إلى خلايا دهنية.
وعند حرمان جسمك من الوقود تخبر خلايا العضلات مخكَ بأن يتناول المزيد من الطعام، لذا تزداد بدانة وتظل جائعًا.
ويبدو أن المشكلة الحقيقية ليست في مقدار الدهون التي تحملها، ولكن في موقع الدهون التي تحملها.
نحيف من الخارج بدين من الداخل
الدهون التي تتجمع تحت الجلد في مناطق الفخذين والذراعين غير مؤذية نسبيًا (بل ربما تكون واقية)، لكن الخطر الأكبر هو تجمع دهون خفية حول القلب والكبد والأمعاء.
وذلك لأن تلك الدهون (الحشوية) الداخلية، ليست على سطح جسمك حيث بإمكانك ملاحظتها، فقد تبدو نحيلا نسبيًا من الخارج وبدينًا من الدخل. وهؤلاء الأشخاص المصابون بذلك يسمون TOFIs.
وتكمن خطورة الدهون الحشوية في أنها تصيب الكبد والبنكرياس، فتراكم الدهون في هذين الجهازين قد يسبب الكثير من المشاكل بمستويات السكر والأنسولين في الدم، بحسب روي تايلور، أستاذ الطب والتمثيل الغذائي في جامعة نيوكاستل والذي شارك فريقه في ابتكار طرق جديدة لقياس مستويات الدهون في الكبد والبنكرياس.
ويقول إنه في حالة الارتفاع الحرج قد يتوقف التواصل بين البنكرياس والكبد، وجسمك لا يمكنه أن ينتج ما يكفي من الأنسولين، أو ببساطة سيتوقف عن الاستجابة له، لذا فمن المحتمل أن تتطور الإصابة إلى السكري من النوع الثاني.
ويقول تايلور أيضاً إن كل شخص لديه “عتبة محددة للدهون بجسده يشار إليها بـ PFT، وهذه نقطة ترجع جذورها إلى الوراثة والأصل العرقي. هذه العتبة تقرر مقدار الدهون التي يمكن أن تتراكم قبل أن يبدأ الفائض في غزو الكبد والبنكرياس، ما يؤدي إلى مرض السكري من النوع الثاني.
وأشار إلى أن هذه العتبة تكون مرتفعة عند بعض الناس ومنخفضة عند البعض الآخر. فعلى سبيل المثال الممثل توم هانكس، من الذين عانوا ارتفاع مستويات السكر في الدم في عمر 36 عاماً. وفي عام 2013، حين بلغ سن 57، أعلن أنه تم تشخيص إصابته بمرض السكري من النوع الثاني.
وهو ليس ممن يعانون من البدانة، لكنه ربما كان يحمل الكثير من العوامل الوراثية التي أدت إلى إصابته بالمرض.
الآن.. الخبر السار
مهما كانت درجة PFT الخاصة بك فمن الممكن أن يبدأ السكر في الدم بالتراجع نحو معدله الطبيعي.
في عام 2011، بدأ البروفيسور تايلور تجربة شارك فيها 11 من مرضى السكري الذين خضعوا لنظام غذائي منخفض السعرات الحرارية، وفي الأسبوع الأول خسروا ما معدله 3.9 كيلوغرام، وكان من المستغرب في حميتهم الغذائية أن شعورهم بالجوع تراجع في غضون 48 ساعة.
بعد 8 أسابيع فقط – وهو وقت قصير جداً – فقدوا حوالي 15 كيلوغراماً، وما يقرب من 5 بوصات من محيط الخصر، وكان الأكثر لفتًا للانتباه أنه بحلول نهاية التجربة كانت مستويات السكر في الدم تماثل تلك الموجودة لدي نظرائهم من غير المصابين بالسكري.
وقال تايلور إن الأمر كان مثيرًا للدهشة وأكثر فعالية مما كان يتوقع، فقد أظهرت تلك الدراسة أنه من الممكن إيقاف داء السكري من النوع الثاني خلال وقت قصيرٍ جداً.
دراسة تايلور تتفق مع دراسة حديثة نشرت قبل 4 أشهر، تقول إن النظام الغذائي الصحي بإمكانه إعادة مستويات السكر في الدم إلى وضعها الطبيعي دون أدوية لدى 78% من الذين كانوا يعانون مرض السكر لمدة تقل عن 4 أعوام، وحوالي نصف الذين أصابهم السكري لأكثر من 8 أعوام.
كما أعلنت الجمعية الخيرية لمرض السكري في المملكة المتحدة أنها قدمت أكبر منحة بحثية في تاريخها الذي يمتد 80 عاماً لتجربة واسعة النطاق يقوم بها تايلور جنباً إلى جنب مع زملاء من جامعة غلاسكو. وتمتد الدراسة لمدة 5 سنوات، وسوف تتضمن مرضى خضعوا لعلاج من قِبل أكثر من 30 طبيبًا من جميع أنحاء المملكة المتحدة.
ترجمة هافينغتون بوست عربي