لم يتحدث المسؤولون السعوديون كثيرا عن رفع العقوبات عن إيران لكنهم يخشون أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعزيز أنشطة طهران التي يصفونها بالهدامة في الشرق الأوسط فضلا عن زيادة تنوع اقتصاد تعتبره المملكة منافسا كبيرا على النفوذ الإقليمي.
وأدى التنافس السياسي بين السعودية وإيران إلى تفاقم الاضطرابات في أنحاء الشرق الأوسط على مدى سنوات لكنه تصاعد في الأشهر الأخيرة بعد أن اتخذ حكام الرياض الجدد موقفا متشددا وبعد أن خفف الاتفاق النووي الضغوط عن طهران.
وعودة إيران إلى الساحة الدولية تفتح المجال أيضا امام احتمال التنافس الاقتصادي حيث لن تواجه السعودية منافسا فحسب في إنتاج النفط في فترة تشهد زيادة في المعروض وتراجعا في الأسعار بل ستواجه أيضا اقتصادا أكثر اعتمادا على نفسه ومتعدد المهارات.
وحتى بدون التصريحات العلنية فإن من الممكن إدراك المخاوف التي تعتري الرياض من خلال وسائل الإعلام شبه الرسمية وتعليقات رجال الدين النافذين.
ونشرت صحيفة الوطن كاريكاتيرا لقلم رصاص يقصف قبل أن يكمل كتابة كلمة “السلام” ومقال رأي أسفل الكاريكاتير بعنوان “هل تتغير إيران بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ؟ واجابته لا على الأرجح.”
وتعتبر السعودية -وهي مملكة سنية محافظة- إيران خطرا كبيرا على الاستقرار في الشرق الأوسط بسبب تأييدها لفصائل شيعية مسلحة وهو ما تقول الرياض إنه ساهم في تفاقم العنف الطائفي وفي تقويض حكومات عربية.
وبالنسبة لأسرة آل سعود الحاكمة في السعودية فإن الاتفاق النووي يمثل ضربة مزدوجة فقد أدى من ناحية إلى تحرير إيران من عقوبات تعتقد الرياض أنها ساعدت في كبح أنشطة طهران في المنطقة ومن ناحية اخرى إلى زيادة احتمال التقارب بين طهران والولايات المتحدة أقوى حليف للسعودية.
وخلال حكم العاهل السعودي الملك سلمان دخلت المملكة حربا في اليمن لمنع الحوثيين المتحالفين مع طهران من الوصول إلى السلطة هناك وحشدت الدول الإسلامية لوقف تمدد نفوذ طهران على المستوى الإقليمي والإسلامي وقدمت أيضا الدعم للمعارضة المسلحة التي تقاتل حلفاء إيران في سوريا.
وتواصل الرئيس الإيراني حسن روحاني مرارا مع الرياض منذ انتخابه في عام 2013 لكنه انتقد يوم الأحد آل سعود بسبب موقفهم الإقلمي وطالبهم “باتخاذ المسار الذي يعود بالفائدة على المنطقة.”
وتثير هذه التصريحات التي تماثل اتهامات تسوقها الرياض بشأن إيران غضب المسؤولين السعوديين الذين يعتبرون روحاني شخصا معسول الكلام ليس له أي نفوذ يذكر ولا يرون أي جدوى في التواصل معه بدلا من التواصل مع زعيمه الأكثر تشددا الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
وندد مسؤولون سعوديون بحملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإنهاء عزلة إيران واتهموه بالجبن في وجه ما يرون انه عدوان إيراني وبالسذاجة في استيعاب المعتدلين في إيران بينما خامنئي هو الذي يمسك بخيوط اللعبة.
تراجع الأسهم
ونشرت شركات سعودية اعلانات على صفحات بأكملها في الصحف السعودية الصادرة يوم الاثنين لتهنئة العاهل السعودي الملك سلمان بذكرى توليه العرش. وجاءت أعمدة الرأي والرسوم الكاريكاتيرية في الصحف لتعبر عن الشعور بخيبة الأمل إزاء عودة إيران.
ولا يمكن إغفال دور القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة في تخفيف عزلة طهران أملا في الاستفادة من الاقتصاد الإيراني الذي انفتحت أبوابه مرة أخرى.
ويجسد كاريكاتير نشرته جريدة الجزيرة السعودية الرأسمالية الأمريكية على هيئة شخص يرتدي بنطالا مقلما ويضع على رأسه قبعه ويحمل قارورة مكتوب عليها العقوبات يخرج منها جني على هيئة مقاتل شيعي مكتوب على عمامته كلمة “إيران”.
وعندما زار الملك سلمان واشنطن في سبتمبر أيلول ركزت المحادثات على الترويج لحصول نجله الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد على استثمارات من شركات أمريكية كرد على ما يبدو لمفاتحات إيران مع شركات غربية.
وأثارت الأنباء التي أفادت يوم الأحد برفع العقوبات عن إيران المخاوف من تراجع اسعار النفط إلى ما دون مستوياتها الحالية التي تصل إلى أقل من 30 دولارا للبرميل وذلك بعد أن أمرت إيران على الفور بزيادة إنتاجها بينما تراجعت الأسهم السعودية خمسة في المئة.
ويختلف الحال بالنسبة للوضع في إيران التي تحررت من سنوات من العقوبات الصارمة التي قوضت عملتها وأتاحت للسعودية التفوق على اقتصادها.
وفي عام 2000 كان الناتج المحلي الإجمالي لإيران أكبر من مثيله في السعودية طبقا لبيانات صندوق النقد الدولي في حين أصبح حجم الاقتصاد السعودي البالغ حاليا 650 مليار دولار أكبر بكثير من اقتصاد إيران الذي يبلغ حجمه 400 مليار دولار.
وقد يتغير هذا المنحى الآن وفقا لقدرة كل دولة على تحمل المغامرات السياسية والعسكرية في الخارج ومدى استخدام العلاقات التجارية في إقامة تحالفات مع قوى خارجية.
ويشهد اقتصاد السعودية تراجعا حادا بسبب انخفاض أسعار النفط التي سيزيد انخفاضها نتيجة دخول النفط الخام الإيراني إلى الاسواق.
وتتطلع إيران إلى ازدهار التجارة والاستثمار بعد رفع العقوبات إذ لديها قطاعات غير نفطية مثل الزراعة وصناعة السيارات وهو ما تفتقر إليه السعودية.
مخاوف أوسع
تثير العلاقات المتوترة بين السعودية وإيران -والتي تفاقمت بالفعل هذا الشهر جراء خلاف دبلوماسي عقب إقدام الرياض على إعدام رجل دين شيعي- المخاوف بين القوى العالمية التي تخشى تدهور الوضع أكثر مما هو عليه.
وخلال هذا الأسبوع سيقوم عدد من كبار المسؤولين من جميع انحاء العالم بزيارة الرياض منهم الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
وفي حين انه سيكون لديهم أشياء أخرى لمناقشتها فإن من المرجح بحث مسألة التنافس بين السعودية وإيران والمخاطر الأوسع الناجمة عن ذلك مع كل من الرئيس الصيني ورئيس وزراء باكستان اللذين يعتزمان زيارة طهران أيضا.
والأمر الذي يخشاه الجميع هو انه إذا لم يتم احتواء التنافس بين القوتين الرئيسيتين في الشرق الأوسط فسوف يعرقل ذلك الجهود الرامية لإنهاء حروب وصراعات سياسية في أنحاء المنطقة أو أن يفضي حتى إلى اندلاع قتال جديد في مكان آخر.
وتزايدت هذه المخاوف بعد أن اتخذ التنافس بينهما منحى طائفي واحتمال ان يتحول العداء بين السعودية وإيران إلى تنافس ديني يذكي التشدد في أنحاء العالم.
ولا يمكن لبيان وقعه 140 من رجال الدين في السعودية منهم اسماء بارزة وطالبوا فيه الحكومة للاحتراس مما وصفوه بسجل إيران “الاجرامي والغادر” وبدعم السنة في المنطقة أن يخفف المخاوف الدولية.
وكذلك التغريدة التي نشرها الشيخ سعود الشريم امام الحرم المكي في حسابه على توتير واستخدم فيها تعبيرا ازدرائيا غالبا ما يستخدمه السنة لوصف الإيرانيين والشيعة بعد رفع العقوبات.
وكتب الشريم يقول “ليس العجب في تحالف الصفويين مع اليهود والنصارى ضد المسلمين فالتاريخ شاهد على ذلك وإنما العجب في عقول تأخر فهمها لهذه الحقيقة حتى هذه اللحظة.”
رويترز