“المآوي” العشوائية للسيارات في تونس: مافيا متحيّلة تؤجّر الطرقات بتواطؤ مع البلديّات

“خاص- وطن”- كتب شمس الدين النقاز- ينهض التونسيّ صباحا من نومه فيقوم بإعداد نفسه ويحتسي قهوته ويتناول فطور صباحه ثمّ يتوجّه قاصدا عمله أو وجهته التي حددها من الليل، هذه هي الحياة اليوميّة لمتساكني العاصمة وضواحيها.

 

فبعد ركوب السيارة والسير إلى العمل أو إلى قضاء بعض الشؤون الخاصّة، يعاني التونسي في بعض أحياء تونس العاصمة الأمرّين من أجل البحث عن مكان ليقف فيه ويركن به سيارته ولكن..

ما إن ينزل إلا ويهرول نحوه شخص أو شخصين فرحين مسرورين يُعلمانه أن هذا المكان الذي وقف فيه ما هو إلّا مأوى خاص يشترط عليه دفع مقابل مادّي “نصف دولار أو دولار في بعض الأحيان” ليسمح له بركن سيّارته.

 

لقد أصبحت ظاهرة مآوي السيارات العشوائية في تونس مؤرقة لكثير من المواطنين اللّذين سرعان ما يتذمّرون عندما يفتح المجال أمامهم لإيصال أصواتهم.

 

عند البحث عن قانونية هذه المآوي العشوائية الّتي غالبا ما تكون في أماكن معروفة بالعاصمة وضواحيها، وذلك بطلبك من الحارس ما يثبت أن استغلاله لهذا المكان قانوني، تسمع ما لذ وطاب من التبريرات التي تتحول في أغلب الأحيان إلى سب وشتم وعراك ربّما ينتهي باعتداء بالعنف الشديد.

ففي قلب العاصمة تونس وتحديدا “بنهج بيروت” و”شارع الولايات المتحدة” و”نهج النمسا” وغيرها من الأنهج والشوارع المعروفة، توجد “مآوي” سيارات عشوائية يشرف عليها أشخاص كثر يتداولون الحراسة وقبض الأموال فيما بينهم من كل من يقف لركن سيارته في هذه الأماكن، والويل كل الويل لكل من يدفع 500 ملّيم أو لا يدفع أصلا، لأنّ الأمر قد يصل بين المواطن وبين هؤلاء المحتالين إلى الشجار والعراك وذلك لأنّ التسعيرة المحددة في عرف هؤلاء هي دينار واحد في أغلب الأحيان.

 

سالم المشتري مدرّب تعليم سياق كان من بين المتضرّرين من هذه الظاهرة المتفشّيّة بالعاصمة، يقول سالم لـ”وطن” إنّ “ظاهرة المآوي العشوائية غزت الأحياء والأماكن الحساسة في العاصمة وذلك لغياب الرقابة وكثرة المتحيّلين.”

 

ويضيف سالم الشاب الثلاثيني الّذي بدت على وجهه علامات الإستياء “نحن مضطرّون لدفع المقابل رغم عدم قانونيّته وذلك خوفا من تكسير سيّاراتنا أو إعطابها من قبل هؤلاء المتحيّلين.”

هذه الظاهرة الّتي أرّقت التونسيين وأصبحت مورد رزق ودخل قارّ للمتحيّلين دفعت الإعلامي صلاح الدين السكوحي للقول إنّ “المآوي العشوائية تفكّره في “الفتوات” في عهد “أجدادنا”، حيث يحتل نهج لا يملكه ويطلب أموالا دون أي وجه حق مقابل عمل “خيالي”.

 

وتابع السكوحي الشاب النحيل العشريني متحسّرا “هناك أصحاب سيارات يستغلون هذه الظاهرة بحيث يدفع دينارا واحدا ويبقى يوما كاملا “فاكك بلاصة” في الشارع، وهو ما يخلف الفوضى والضيق.”

 

هيكل الرمضاني صحفي رياضي وطالب ماجستير في الإعلام السمعي البصري وصاحب سيّارة اشتراها مؤخّرا من جهته لم يخف لـ”وطن” عن غضبه من هذه الظاهرة المتفّشية وسط صمت الجهات الرّسميّة الّتي لم يستبعد تواطؤها مع هؤلاء المتحيّلين وذلك لوجود هؤلاء العصابات في شوارع وأماكن حسّاسة بالعاصمة تحت مرأى ومسمع من الجميع.

وقال هيكل الشاب العشريني والإستياء باد على وجهه بسبب حساسيّة الموضوع بالنسبة له”ظاهرة المآوي العشوائيّة مواصلة لحالة الفوضى في البلاد، فكم من مأوى سيارات غير قانوني يعترضني أثناء تنقّلي بالسيارة وفي أغلب الأحيان يكون المشرفون عليه تحت مرأى ومسمع السلطات.”

ويردف هيكل “أنا لا أستبعد فرضيّة تواطئ الجهات الرسميّة وفي مقدّمتها البلديّات مع هؤلاء المتحيّلين اللّذين أجبرونا على دفع مقابل لركن سيّاراتنا خوفا من إعطابها أو إلحاق أيّ أذى بنا.”

 

وفي ذات السّياق، أكّدت الإعلاميّة الشّابّة درصاف السالمي لـ”وطن” أنّها ترفض هذا الإستغلال غير القانوني لهذه الأماكن العموميّة لأنّ ما يقوم به مستغلّوا هذه المآوي العشوائيّة ما هو إلّا تحيّل وأكل مال الناس بالباطل.

 

وتابعت درصاف غاضبة “صحيح أنّني لا أملك سيّارة لكنّني أرى ما يقترفه هؤلاء المتحيّلون من إجرام في حقّ عموم التونسيّين، وهنا أريد أن أتساءل: أين دور البلديّة والجهات المسؤولة لوقف هذه الظاهرة المفزعة.”

 

وحسب إحصائيات “مصلحة تراتيب المرور والوقوف” ببلدية تونس، فقد بلغ عرض الوقوف في وسط مدينة تونس حوالي 32 ألف مكان منها قرابة 10 آلاف مكان وقوف بالمآوي، إضافة الى ما توفره المناطق “الزرقاء”. في حين قدر الطلب على الوقوف بـ 35 ألف طلب، وهو ما يعني وجود نقص يقدر بـ2000 مكان للوقوف. هذا فضلا عن التطور السريع للعدد الجملي للسيارات في البلاد والذي قدر حسب احصائيات المصلحة لسنة 2007 بـ1.244.918 سيارة.

 

ويخاف التونسيون من ركن سياراتهم في أيّ مكان غير مؤمّن في العاصمة وذلك خوفا من “الشنقال”، وهو آلة لحجز السيارات وتُفرض بمقتضاه على أصحاب السيارات المخالفين عقوبة تصل أحيانا إلى 30 دينارا (15 دولار).

 

وكانت بلديّة تونس العاصمة قد شرعت في العمل بهذا الإجراء منذ حوالي 15 سنة كإجراء يقضي بضرورة دفع أصحاب السيارات مقابلا ماليا لوقوف سياراتهم ببعض أنهج وشوارع بالعاصمة وقع تحديدها تحت اسم “المناطق الزرقاء”.

 

من جهة أخرى رفضت الطالبة الجامعيّة صفاء لسود اتّهام مستغلّي المآوي العشوائيّة بالمتحيّلين كما لم تخف تضامنها معهم في ظلّ عجز الدولة عن إيجاد مآوي كافية في العاصمة.

 

وقالت الفتاة العشرينيّة لـ”وطن” “أنا أساندهم مادامت الدولة عاجزة عن إيجاد عدد كاف من المآوي القانونيّة قادرة على استيعاب العدد الكبير من السيّارات.”

 

كما نوّهت لسود إلى أنّ عدد السيارات في تونس يرتفع كلّ سنة وهو ما أحدث حالة من الإنسداد في بعض الشوارع والشلل في الحركة، لهذا فمن مسؤوليّة الدولة إيجاد الحلول الناجعة لاستيعاب ذلك.

 

تصريحات سالم، هيكل، صلاح الدين، درصاف، وصفاء غيض من فيض، ولسنا نبالغ إنّ آلاف التونسيين يشاركونهم الرأي وذلك لأنّ المآوي العشوائية في محافظة تونس الكبرى والمحافظات المحاذية لها بالعشرات وتشرف عليها في بعض الأحيان عائلات بأكملها ربما ورثت هذه الفضاءات العامة وكتبت أماكن الوقوف باسمها، وسط غياب واضح لسلطة الإشراف التي ربما تعرّض موظّفوها في بعض الأحيان إلى مثل هذه المواقف حيث يطُلب منهم دفع معلوم مكث سياراتهم في هذه الأمكنة.

 

الأمر جد خطير وسط صمت السلطات والجهات المعنية ورفضها في أغلب الأحيان التدخل لإيقاف هذا الإبتزاز المباشر للمواطن وهذا الإستغلال اللامشروع للأماكن العمومية وهو ما يؤكّد أنّ هبة الدولة قد انتهكها هؤلاء المتحيّلون اللّذين وجب التصدي لهم وتطبيق القانون عليه0م قبل أن يصبحوا المالكين الشرعيين لهذه الأماكن العمومية بالأقدمية في حين أن القانون يعتبر هذا العمل تحيل على المواطنين وحصول على منفعة مالية دون وجه حق قانوني.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث