“خاص- وطن”- كتب وعد الأحمد- كل الأمهات جميلات في عيون أبنائهن، ولكل أمٍ ميزة ما تزيدها ألقاً وسمواً وفي مناسبة حميمية وآسرة مثل “عيد الأم” تنساب الكلمات مثل جدول رقراق وتتحول إلى زوارق ملونة في بحر الأبجدية وتفيض العيون بالدموع عندما يتذكر المرء أمه الراحلة هنا استطلاع لـ”وطن” عن بعض الصور الوجدانية المؤثرة عن علاقة الأدباء والكتاب بأجمل الأمهات.
الياس لحود: أمي كانت مفكرة إلى ابعد الحدود
الشاعر اللبناني ” الياس لحود” يروي لـ”وطن” جوانب طريفة من علاقته بأمه قائلاً : “كانت أمي عاطفية إلى أبعد الحدود، ومفكرة من طراز خاص .. أثرت على شخصيتي وتركتني خجولاً منذ البداية” ويردف لحود “كانت أمي ترسلني مع أخوتي أيام الشتاء إلى مدرسة الراهبات والآباء تحت جبة جندي كان يمر كل يوم على مقربة من بيتنا يلبس ثوبا شتائياً فضفاضاً كان يرفعه على طريقة الأثواب الفرنسية وندخل نحن الأطفال في هذا الثوب السحري، فلا نرى سوى رجلي الجندي تمشيان على الإسفلت وهو الذي كان يقول كلما وصلنا إلى مدرسة لقد وصلنا إلى مدرسة كذا تماماً كاالسرفيس، وأنا كنت أبقى معه حتى المحطة الأخيرة لأن مدرستي كانت الأبعد”.
علاء الدين عبد المولى: أمي كانت تبكي لغياب القطة عن البيت!
“بعد موت أمي منذ سنوات تأملتُ ما تركَته هذه الإنسانة العظيمة في شخصيتي.” هكذا بدأ الشاعر السوري “علاء الدين عبد المولى” الذي يعيش في ألمانيا حديثه عن أمه ويضيف بلغة مؤثرة: “”كانت أمي تبكي وتنوح يومياً حتى لغياب القطة عن البيت ؟ تبكي على مرور جنازة من شارعنا دون أن تعرف مَنْ الميت؟ فكيف لا تبكي على أمواتها وانكساراتها وخيباتها المتتالية؟ ويردف محدثنا: “أنا الآن أبكي وأنا أستمع فيروز ووديع الصافي والغناء العراقي بصورة عامة، وأبكي لفيلم يعالج شأناً إنسانياً متأزماً ذا صلة بالمشاعر والانكسار الدفين.. فكيف لا أبكي على وطنٍ يضيع وكونٍ يتآكل ؟”
وكشف عبد المولى أن والدته كانت جميلة الصوت ولطالما كانت تغني في السر وخفية عن أبيه رجل الدين وكان هذا الصوت–كما يقول- من سلالة أصوات أسمهان وليلى مراد ومحمد عبد الوهاب. وأمي لا تعترف بأحد يغني إلا عبد الوهاب وتابع الشاعر عبد المولى:” كان جمال صوت أمي نابعاً من انتمائها لأسرة كل ذكورها يُنشدون القصائد الدينية. بل إن أحد أفراد أسرتها (عمره الآن ما يقارب الثمانين) كان يلتقي كثيراً بصبري مدلل وحسن حفار ومحمد عبد المطلب ومحمد خيري. لذلك كانت أجمل الأمهات تنمو في هذا الجوّ العائلي الإيقاعي الذي تسرَّب إلي شيئا فشيئاً.
أما الأديب “نور الدين الهاشمي” فرأى أن أهم ما ميّز أمه هو أنها لم تكن تعرف الحقدَ أبداً وتكره الحديث بالسوء عن الآخرين” وتابع قائلاً: “هذه الطيبة المفرطة والثقة بالآخرين أرضعتني الكثير منها، وقد أوقعني ذلك في مشاكل عديدة لأن التسامح والثقة بالناس صارت أمراً صعباً في هذا الزمان ،ومع ذلك فأنا لستُ نادماً” وأردف الهاشمي: “ما كان يميَّز أمي أيضاً هو حبها للعلم رغم أميِّتها ، وقد أصرَّت على تعليمنا وكأنها تعوض بذلك عن الحرمان الذي عانته حيث كانت تروي لي دائماً كيف حرمها والدها من التعليم”.
انتصار بحري: والدتي كانت شاعرة بالفطرة
أما الشاعرة انتصار بحري فتقول عندما سألناها عن تأثير الأم في حياتها وإبداعها سؤالك يوقد بي الحنين إلى أحضان أمي .. وإلى أغنياتها العذبة وهي تنشر صداها فوق سرير طفولتي المتأرجح بين أمواج الشعر والغناء، وتستدرك محدثتنا :” كانت والدتي شاعرة بالفطرة تقول الشعر الزجلي وترتجله دون أن تتقن القراءة والكتابة، ووالدي كان يتصف برقة الطباع ودماثة الخلق وعذوبة الكلام من هذه الأسباب مجتمعة ولدتُ عاشقة للشعر، وولدت معي موهبة الشعر، وتستطرد الشاعرة انتصار بحري بلغة شاعرية: “هذه الموهبة باكرتني وأنا مازلت أركض وألعب في دروب الطفولة فكتبت كلماتي فوق الأزاهير بعطر الندى والياسمين وما كنت أدري أنه شعر، وحين أصبحت على ضفاف الصبا ازداد عشقي للشعر وتبلورت صورته في مخيلتي”.
وتتحدث الشاعرة “قمر صبري الجاسم” عن أمها بلغة شفافة وحزينة قائلة : “في رحم أمي اكتشفت موهبتي في الكتابة وكتبت أول قصيدة. تعودت على دفء منزلي الأول .. و أول فضيلة تعلمتها من أمي ألا أنسى حتى فضل المكان الذي منحني الراحة , لذا كان المخاض صعباً .. أردت أن أبقى في عالمي الطاهر , النقي .. الخالي من الكذب والنفاق والحسد”.
وتستعيد الشاعرة قمر الجاسم جوانب من طفولتها التي كانت دافئة–كما تقول – كونها مدللة أخوتها، وكان ترقيمها في العائلة 13 لذلك لطالما تفاءلت بالأرقام الفردية , وتتابع محدثتنا :”كبرت قبل الأوان , لأنني أصبحت أمّاً لأمي .. رائعة أمي ,امرأة في حيطان السبعين تركها والدي عندما كنت لا أعرف بعد معنى الفقدان. حتى تعلمناه معاً, دائماً أقول لأصدقائي بأنني وحيدة أمي على ست أخوات, طبعاً لأنهن متزوجات, و قد تعلّمت منهنّ كيف أحيا حياةً أليمةْ .