بلجيكا: الحديقة الخلفية لجهاديي أوروبا

استفاقت العاصمة البلجيكية بروكسل يوم الثلاثاء الفارط على وقع تفجيرات بمطار بروكسل وبمحطة مترو أنفاق أدت إلى مقتل 34 وجرح المئات. للمرة الثانية يستهدف تنظيم الدولة الإسلامية عاصمة أوروبية؛ فالأولى كانت باريس التي استهدفها التنظيم في 13 نوفمبر 2015 وكانت بروكسل القاعد الخلفية لهذه الهجمات حيث كانت أشبه بـ “قاعة عمليات” ومركزا للإعداد والتخطيطـ، وفي مناسبة ثانية كانت بلجيكا مسرحا لعميات التنظيم في 21 مارس 2016.

تبنى تنظيم الدولة الإسلامية عمليتي باريس وبروكسل وفي المناسبتين كان البلجيكيون هم حد السكين التي طعنت القارة الأوروبية؛ فعبد الحميد أباعود، الذي يعتبر العقل المدبر لهجمات باريس بلجيكي الجنسية وكان واحداً من بين 500 بلجيكي يقاتلون في سوريا والعراق حسب تقارير أممية.

كانت بلجيكا حديقة خلفية لجهاديي أوروبا، وكان حي مولينبيك في بروكسل، حيّ فقير ومهمش وأشبه بالجيتو(أحياء اليهود في أوروبا)، مسرح تخطيط وإعداد ودعم لعدة عمليات إرهابية، وخرّج أجيال من الجهاديين؛ أولهم عبد الستار دحمان، صحفي تونس خريج معهد الصحافة بتونس 1987سنة وسافر إلى بلجيكا لاستكمال دراساته العليا، و المصور التونسي رشيد بورواي اللذان إغتالا شاه مسعود في أفغانستان في 9 سبتمبر 2001.

ومنه خرج المغربي حسن الحسكي، مدبر عملية محطة مترو أنفاق أتوشا رينفي بالعاصمة الإسبانية مدريد في 11 مارس 2004، وأدت لمقتل 191 شخصا.

وفيه أجّر الفرنسي من أصل جزائري، مهدي نموش شقة قبل أيام هجومه على المتحف اليهودي ببروكسل في 24 ماي 2014، وذلك في عملية إطلاق نار راح ضحيتها 4 قتلى. ومنه اشترى حامدي كوليبالي الأسلحة التي هاجم بها المتجر اليهودي في باريس في 9 يناير 2015، أدت العملية إلى مقتل 5 أشخاص.

ومنه خرج عبد الحميد أبا عود المدبر لهجمات باريس في في 13 نوفمبر 2015 ومنه خرج أيضا الشقيقان عبد السلام؛ إبراهيم فجّر نفسه أمام مقهى كونتوار فولتير بباريس وصلاح شارك في الهجمات وألقي عليه القبض من قبل السلطات البلجيكية في 19 مارس 2016. هذه الهجمات راح ضحيتها 130 قتيل و300 جريح.

ومن مدن وأحياء خرج جهاديون بلجيكيون آخرون؛ فمن مدينة شارلروا خرجت موريل ديغوك لتلتحق سنة 2005 بتنظيم التوحيد والجهاد الذي يقوده أبو مصعب الزرقاوي، في 9 نوفمبر 2005 فجرت موريل ديغوك نفسها مستهدفة موكبا عسكريا للقوات الأمريكية في بغداد. وفي 13 سبتمبر 2001 أوقفت الشرطة البلجيكية التونسي نزار الطرابلسي، لاعب كرة قدم محترف في ألمانيا، الذي كان يخطط لهجوم انتحاري بشاحنة مفخخة ضد قاعدة كلاين بروغيل الجوية لحلف شمال الأطلسي ويعمل بالقاعدة عدد من العسكريين الأمريكيين، ويوجد بها صواريخ نووية. ويُعد هذا أول تهديد إرهابي فعلي لبلجيكا التي تحولت من حديقة وقاعدة خلفية لجهاديي أوروبا مع عبد الستار دحمان و رشيد بورواي إلى مسرحا لعملياتهم مع الأخوين خالد وإبراهيم البكراوي اللذان كان وراء أحداث الثلاثاء الأسود الذي هز القارة الأوروبية وعديد العواصم العالمية.

في ثمانينات القرن الماضي عرفت دول عربية ظاهرة “الأفغان العرب” وهو مصطلح يطلق على الشباب العربي العائد من باكستان وأفغانستان وكان له ارتباط ما بالقضية الأفغانية وشارك في أعمال عنف في بعض الدول العربية مثل مصر والجزائر وليبيا واليمن.

وفي سياق الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي سمحت الحكومات العربية الموالية لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة لكثير من المتطوعين من مواطنيها بالسفر إلى أفغانستان وباكستان للاشتراك في الحرب على السوفيات أو في العمليات الإغاثية هناك وبعد انتهاء الحرب تحملت الحكومات العربية لوحدها تبعات السياسات الأمريكية.

على هذا يمكن أن نقيس ما يجري في أوروبا اليوم؛ فعديد الحكومات الأوروبية انخرطت في التحالف الستيني الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومن بين هذه الدول كانت بلجيكا وتأتي هذه العمليات الإرهابية في سياق رد تنظيم الدولة الإسلامية على قصف الطيران الحربي البلجيكي لمناطق سيطرة التنظيم في كل من سوريا والعراق.

مرة أخرى تتحمل دول تدور في فلك سياسات الولايات المتحدة تبعات قرارات البيت الأبيض؛ فقديما كان الحديث عن “الأفغان العرب” واليوم يمكننا أن نتحدث عن “السوريون/العراقيون – الغربيون” إن صحت العبارة.

على الحكومات الأوروبية والعربية أيضا أن تحدد سياساتها تبعا لمصالحها وبما يحفظ أمنها القومي باستقلالية تامة لا عن تبعية لقرارات البيت الأبيض الذي لا تعنيه سوى مصالحه الخاصة وربما رقصة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع راقصة تانجو أرجنتينية بعد يومين من هجمات بروكسل الإرهابية تعكس مدى تحمل الولايات المتحدة تبعات سياساتها على دول حليفة لها !!

Exit mobile version