تمثال بورقيبة ومشاريع الجمهورية الثانية!!
06 أبريل 2000 – 06 أبريل 2016، ستة عشر سنة على وفاة حبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية ولذلك يلقبه أنصاره وأتباعه بمؤسس”الجمهورية الأولى” ومن هؤلاء كان الباجي قائد السبسي والذي خلال حملته الإنتخابية كان بورقيبة أهم شعار رفعه بل وصل حد تقليده في خطابه، في نظّارته الشمسية وحتى في “فبحيثُ” تلك الكلمة الشهيرة التي طالما كررها بورقيبة في برنامج “توجهات الرئيس” خلال توليه حكم “الجمهورية الأولى”.
تتزامن الذكرى السادسة عشر لوفاة حبيب بورقيبة مع مرور عام وأربعة أشهر على حكم السبسي وحزبه السابق نداء تونس للـ”الجمهورية الثانية”، حصيلة حكم غاب فيها الفكر وبزغ فيها تمثال بورقيبة في عدة ساحات من مدن الجمهورية؛ ففي منزل بورقيبة – بنزرت تم إزالة هيكل الساعة القديمة بمركز المدينة وتركيز تمثال للحبيب بورقيبة وفي مدينة المنستير تم تزكيز تمثال ثالث لبورقيبة في مدخل المدينة وقد دشنّه الباجي قائد السبسي اليوم الإربعاء 06 أبريل 2016 بحضور رئيس الحكومة حبيب الصيد ورئيس مجلس النواب محمد الناصر وعدد من الوزراء على غرار الداخلية والدفاع والخارجية والعدل.
لم يزر وفد حكومي بهذا الحجم أياً من المناطق التي شهدت احتجاجات تطالب بالتنمية والتشغيل لإيجاد حلول ولمحاورة الأهالي بنما تنقل لتدشين تمثال !!
“عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم ” – مالك بن نبي
عندما غابت وعود حزب نداء تونس ورئيسه الباجي قائد السبسي خلال حملاتهم الإنتخابية من تشغيل وتنمية وقضاء على الإرهاب وجلب الإستثمارات الخارجية بزغت تماثيل بورقيبة؛ فالصنمية هي ضربية الإستقالة عن الإيفاء بالوعود والعهود التي قطعها السبسي حتى يتسلم مقاليد السلطة وتمثال بورقيبة لا يعدو كونه تلك الشجرة التي تُخفي غابة من الفشل على كافة الأصعدة السياسية والإقتصادية والأمنية والدبلوماسية لحكومة “نداء تونس”:
فعلى الصعيد السياسي عرف “الحزب الحاكم” أزمة بعد استقالة السبسي من رئاسته بعد وصوله إلى قصر قرطاج وفق ما يفرضه الدستور. شهد حزب نداء صراع بين حافظ قائد السبسي ومحسن مرزوق وصل حد العراك بالهراوات والسكاكين والإستعانة بـ”بلطجية” في إحدى الإجتماعات ثم تلى ذلك انشقاقات عصفت بكتلة نداء تونس في مجلس نواب الشعب التونسي إذ بعد حصوله على 85 مقعد إثر انتخابات أكتوبر 2014 صار اليوم عدد نوابه 53 نائب وبذلك يكون صاحب الكتلة الثانية بعد حركة النهضة (69 نائب).
أزمة سياسية امتدت تبعتها إلى قصر الحكومة بالقصبة حيث شهدت الحكومة استقالات على غرار استقالة القيادي السابق بحركة نداء تونس لزهر العكرمي الذي شغل منصب وزير مكلف لدى رئيس الحكومة بالعلاقات مع مجلس نواب الشعب وذلك احتجاجا على ماوصفه بـ “غياب الإرادة السياسة لمكافحة الفساد” وأيضا أشار في رسالة استقالته إلى أنّه “لايمكن حاربة الفساد بمسؤولين فاسدين”.
وانتهى الأمر إلى تشكيل حكومة جديدة بعد أقل من سنة على تشكيل الحكومة الأولى.
أما على الصعيد الإقتصادي فتعاني البلاد من تزايد نسبة المدونية التي تجاوزت الـ 50 % من الناتج المحلي الخام وهو مايهدد وفق خبراء السيادة التونسية واستقلال القرار السياسي التونسي، كما ارتفعت نسبة البطالة لتصل إلى حدود الـ 20 % وهو ما خلّف موجة احتجاجات عنيفة قادها المُعطلون عن العمل في شهر جانفي الفارط وكانت بدايتها في مدينة القصرين على إثر “انتحار” شاب معطل عن العمل بسبب تلاعب في ملفات الإنتدابات بالمدينة.
كما يشهد الإقتصاد التونسي عجزا في الميزان التجاري بلغ 1350,9 مليون دينار وفق آخر تقرير للبنك المركزي التونسي (شهر مارس 2016).
على الصعيد الأمني شهدت البلاد عدة عمليات إرهابية يقف وراءها تنظيم “الدولة الإسلامية” كانت بداية بأحداث باردو في 23 مارس 2015 حيث استهدف ارهابيان عددا من السياح الأجانب في متحف باردو وخلف الهجوم 45 قتيلا، وفي 26 يوليو 2015 استهدف التظيم مجددا السياح الأجانب في نزل إمبريال مرحبا بمدينة سوسة الساحلية وراح ضحيته 40 قتيل، ثم ضرب مجددا في قلب العاصمة التونسية في 23 نوفمبر 2015 إذ فجر انتحاري نفسه في حافلة تقل عدد من أعوان الأمن الرئاسي مما تسبب في مقتل 13 من الأعوان وكان آخر تلك العمليات الإرهابية في 07 مارس 2016 في مدينة بن قردان على الحدود التونسية الليبية حيث قتل 50 عنصر إرهابي خلال مواجهات مع قوات الجيش والحرس والأمن التونسي.
على خلفية هذه الأحداث وجهت عديد الدول الغربية تحذيرات إلى رعاياها بعدم التوجه إلى المناطق الحدودية في تونس خشية اختطافهم من قبل عناصر إرهابية وفي 01 أبريل 2016 حذرت
وزارة الخارجية الأمريكية رعاياها من السفر إلى الجنوب الشرقي التونسي (الحدود التونسية الليبية) لأن جماعات مرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية” تستهدف قوات الأمن والمواقع السياحية التونسية في المنطقة، وفق قولها.
كما عرفت البلاد مؤخرا أزمة على مستوى الجهاز القضائي فيما عُرف بـ “أزمة المجلس الأعلى للقضاء” حيث اتهم عدد من القضاة السلطة السياسية بمحاولة فرض الوصاية على القضاء من خلال قانون المجلس الأعلى للقضاء كما نظمت مجموعة من الهيئات القضائية التونسية وقفات احتجاجية أمام المحاكم، تعبيرا عن رفضهم للقانون بعد أن صادق عليه مجلس نواب الشعب في 23 مارس 2016.
كما يشهد قطاع القضاء تعثرا في ايجاد هيكل المحكمة الدستورية التي تُعنى بمراقبة دستورية القوانين بسبب عدم التوصل إلى صيغة نهائية لإرساء هذه المحكمة.
تونس و”وثائق بنما”
“وثائق بنما” هي مجموعة من الوثائق تعود لشركة “موساك فونسيكا” البنمية والتي سربت إلى العلن. واعتبرت هذه التسريبات الأكبر في العالم، فهي تتضمن ما يربو على 11.5 مليون وثيقة، تظهر قيام عدد من نجوم السياسة والفن والرياضة بإيداع أموالهم في ملاذات مصرفية آمنة عبر شركة “موساك فونسيكا”.
وفي تونس نشر موقع “انكيفادا” مساء الاثنين مراسلات عبر البريد الالكتروني بين محسن مرزوق ق(قيادي سابق في نداء تونس ورئيس حزب مشروع تونس) و مكتب المحاماة “موساك فونسيكا”، محسن مرزوق وأثناء الحملة الانتخابية الرئاسية أواخر سنة 2014 قام بالاتصال بمكتب المحاماة المذكور لطلب معلومات حول كيفية إحداث شركة استثمار مالية غير موطنة “Offshore “تحت اسم “MM Business” ليتمكن من تحويل أموال واستثمارها في الخارج ودون تتبعات ضريبية.
ويُعد هذا اختبراً حقيقياً للحكومة التونسية في مكافحة الفساد المالي والتهرب الضريبي خاصة بعد وجود شبُهات حول تورط سياسيين ورجال أعمال في هذه الجرائم، إلا أن تصريح ليلى عبيد القاضية المكلفة بالأملاك المصادرة في إحدى الإذاعات المحلية حول تنفيذ قرار قضائي ضد رجل الأعمال المعروف سليم شيبوب (صهر الرئيس المخلوع بن علي) يطرح عدة تساؤلات حول مدى جدية حزب نداء تونس وحكومته في مكافحة الفساد حيث قالت القاضية: “ما بلغني أن رئيس الجمهورية حال دون تنفيذ قرارات المصادرة في حق أملاك سليم شيبوب”.
يبدو أن تمثال بورقيبة لا يُمثل في الحقيقة سوى شجرة تُخفى خلفها غابة من الأزمات السياسية والإقتصادية والأمنية والقضائية في ظل حكم حزب نداء تونس الذي جعل من الإرث البورقيبي ورقة انتخابية أوصلته للسلطة لكنه وللأسف لم يجد في ذلك الإرث حلولا للأزمات التي تشهدها البلاد.