الرئيسية » تحرر الكلام » هدنة سوريا: السقوط المنتظر

هدنة سوريا: السقوط المنتظر

تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن قرب سقوط هدنة وقف إطلاق النار في سوريا بين قوات النظام والمعارضة المسلّحة، خاصةً بعد إعلان النظام السوري البدء في عمليّة عسكريّة لإستعادة حلب، وكذلك إعلان الثوار عن عمليّة عسكريّة في ريف اللاذقية. فمعظم المعطيات الميدانيّة العسكريّة تُنبئ بأنّ الأعمال القتاليّة عادت إلى الواجه من جديد، وبزخم أكبر من ذي قبل، وفي إطار تقييم المتغييرات للمشهد العسكري السوري، أثناء اتفاق “وقف الأعمال العدائية”، فإنهمن الواضح أنّ تنظيم “داعش” يبقى الخاسر الأكبر حتى الآن من الإتفاق، حيث تسعى جميع أطراف الصراع إلى  تحسين وضعها الميداني على حسابه. فالتحالف الدولي سيعمل على تدمير وتحييد “داعش”، كون التنظيم أنهك “الجيش الحر” وفصائل “المعارضة المعتدلة” بسبب القتال المستمر معه، وهذا ما جرى فعليّاً على الأرض حيث وجهت القوات الأمريكيّة ضربات بالمدفعيّة الصاروخية لمواقع “داعش” على أطراف مدينة السويداء وبادية تدمر، من خلال راجمات (M142)، كما قامت طائرات التحالف بشن غارات جوية على مواقع التنظيم في ريف حلب والرقة، وتُشير بعض التقارير أنّ دولاًبالتحالف ضد “داعش” أرسالت قوات خاصة لسوريا مهمتها تتعلق بجمع المعلومات ورصد أهداف للعمليّات الجويّة القادمة ضد التنظيم، هذا فضلاً عن إرسال السعوديّة سرباً من طائرات “إف 15” إلى قاعدة “إنجرليك” التركية لضرب مواقعه بسوريا.

هذا وتشعر “جبهة النصرة” أنها في وضع محرج بعد تطبيق اتفاق “وقف الأعمال العدائيّة”، وتعتقد قيادتها أنّ هناك قراراً سعوديّاً بإنهائها، لذا قررت الجبهة بتصفية “الفرقة 13” التابعة “للجيش الحر”، حيث استولت على مقارها وصادرت أسلحتها، وهي تعتبر آخر المجموعات التي قام الجانب الأمريكي بتدريبها، وتكمن أهمية هذه الخطوة بأنها تمثل ضربة موجعة “للمعارضة المعتدلة”، وإضعافاً لموقفها التفاوضي، كما أنّ من شأنها تسهيل عمليات الفرز بين “المعارضة المعتدلة” والجماعات “الإرهابيّة”.

أما فيما يخص النظام السوري، فإن النظام أيضاً قد أنُهك معنويّاً وعسكريّاً، بالرغم من أنّه المستفيد الأكبر من الاتفاق في ضوء استمراره في تحسين وضعه الميداني،لكن الروس لن يكونوا قادرين على إدامة العمليّات الجويّة خلال 2017، بسبب الضغط المالي الكبير في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشُها موسكو، والتي طلبت موخراً من (سوريا والعراق وإيران) بتغطية نفقات الحملة الجويّة. وبحسب نشرة “Jeans” الدفاعيّة فإن تكاليف الحملة العسكريّة الروسيّة تُقدر بحوالي مليار دولار خلال سبعة أشهر، وقد شُوهد في الآونة الأخيرة تباطؤ ملحوظ في تقديم الإسناد الجوي الروسي للعمليّات العسكرية السورية في بعض المناطق. وفي هذا الإطار فإن الإنسحاب الروسي سيستثني قاعدتي طرطوس وحميميم على أن يتم تشغليهما بعدد أقل من الطائرات وكامل معدات الحرب الإلكترونية، ومنظومات الدفاع الجوي، وبالمحصلة فإن الانسحاب لن يكون قالباً للموازين في ظل إلتزام روسي/أمريكي بمحاربة “جبهة النصرة” و”داعش”، وانحسار قوة “المعارضة المعتدلة” إلى المستوى الذي لم تعد به مجديةً للإستثمار.

إنّ اتفاق “وقف الأعمال العدائيّة” في سوريا لن يصمُد طويلاً، والتصعيد العسكري قادم، وما يجري على الأرض السوريّة يُدلل أنّ وقف إطلاق النار ليس حقيقياً، والتقارير الأمريكيّة الروسيّة التي تُشير إلى أنّه مازال صامداً ليست دقيقة أيضاً. ولا تزال معادلة التوازن العسكري تشهد تغيرات متلاحقة، خاصةً بعد التقدم الأخير لقوات النظام السوري على أكثر من جبهة، وإعلانها عن بدء عمليّة السيطرة على حلب، إضافةً لسيطرة المعارضة السوريّة المسلّحة على مناطق في الريف الشمالي والجنوبي في حلب كانت خاضعة لسيطرة “داعش”، وإعلان الثوار معركة ريف اللاذقية، واستمرار المعارك المتفرقة بريف دمشق وجبال القلمون يُظهر أنّ هناك تغيرات عسكريّة مستمرة بالرغم من اتفاق “وقف الأعمال العدائيّة”، ومع سقوط الهدنة سيكون هناك تغيُرات كثيرة لخارطة المناطق العسكريّة إن كان لصالح النظام أو لصالح المعارضة المسلّحة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.