قبلكم كنا بعافيه و الف خير
صحوت من غفوة العمر وسط عواصف و أنواء و الخلق حولي بالشدائد قد ابتلى في خصام على فتات مال و غرائب ميول و اهواء,و شجار بين الخلق حتى على انفاس الهواء.و الكل بحرقة دمع الخنساء سخيا يبكي لضياع هواه,كأن الدنيا خلقت له,و ليس بين الزهرة و الزحل او في شواسع هذا الكون مخلوق سواه!
قلت:كيف هذا و انا ما ذلت انا؟ انا و اطوار هذه الدنيا و العصور و الاحقاب و الدياجي سواء!
لما يا قوم كل هذا الجهل؟ الخوف يدب في ارواحنا,و في عصب دنيانا خيبة امل,و الأنفس في تهور عزلة و انضواء!
نعوز بالله من الشيطان الرجيم! و الرجيم قد عشش في شقوق جدران مساكننا,و شر ما خلق لبس عمائم مشايخنا ليغوينا !و استراح مستأمنا واعظا على منابر مراجعنا و هوادينا, و ها هو يجالسنا مستأنسا مقتسما حتى كسرات رغيف الخبز اليابس على موائدنا,شاربا قطرات دماء أولادنا بأناء التعطش متنسكا كمن يشرب بعد ظماء اخر قطرات عذب ندى الماء.
أي داهية معممة من كرب ريح صرصر صفراء على أجنحة الأبالسة عصفت علينا من فوق غيم او من حر أسى ضيم و بلاء,و من بين اي حوبة ضباب خرافية داهمت عواصمنا بمثل هذا المصاب ترمينا عقود سعير الردى
ضحاها و كراها,لتلف الاجيال بظلمة اكفان الموت و الفناء.
اي شيطان هذا الذي يعظ الاخ أن يقتل اخاه,او ليسرق الابن اباه,و يجاهر الجار بالباطل أمام عين الحق جاره,و يتمنى بكل تعجرف و غرور نفيه و ابعاده,و من اعماق الضغائن يضمر جفاه متمنيا له الزوال و الفناء.
أي ساسة لبست اثواب دين المصطفى جلابيبا خالصة واسعة الجيوب,سراق قطاع طرق وسط سبل العيش وحوش,و جماعات تحوم كأسراب جراد حطت على الزرع فتركته هشيم عصف مندثر في فضاء موبؤ بلهاث الاغراب,و كدواب لم تترك للعباد في آبار الصحراء شحيح ماء, إلا صدى همس زفرات الموت,و وراء سدل السراب رائحة نتن الاشلاء.
بالأمس القريب و تحت بدور مكتملة الأنوار,كم سهرنا و نجوم الدجى ترعانا و للدنيا طعم حلاوة و رونق بشاشة و جمال,و ربيع مزهر و صيف خضرة ناضر مثمر مغداق,و الناس في بهاء حلية الدنيا أهل و الأحبة خير و صلاح,و الربع بقيم انسانية تحيا و مكارم الاخلاق,بالحق اخذ و عطاء,و زغاريد أفراح صبايا احباب و اتراب,و طنين أجراس لمواعظ حكمة قداس,و بهجة إحتفالات و أعراس.
ماذا حل بنا يا أهل الشيم الفخار وما هذا المصاب؟كيف امست الكنيسة خندقا للندب والمسجد متراسا للنوح و نكبات الاتراح. الأخ يعادي اخاه و قتل الانفس بينهم رفاهية تسلية او سالف طرفة و هزار ,و الابن مع اباه عبث جدل و شجار,و عصابات وتكتلات و احزاب! المسلم للمسلم مكفر و غوغاء الوغى بينهم بلا اعياء,أما هزيمة ضعف و إما إنتصار لكن على حساب عروبة أهل الشماء الصارخة أمام عين شمس الوجود قي أذن الزمان.
بالأمس كنا و منا الشيخ في محرابه معز و الراهب في الدير زاهد,و الفلاح في حقله يصب جهده و عرق جبينه خلف محراث المحبة قانعا بقسمة حصاده دون كلل أو ملل.و في الكنائس تهاليل المصلين و في المساجد تكابير الموحدين في الدغشاء.و المعلم صاحب الطرس الحكيم بنور علمه يشعل اسرجة المعرفة منيرا مستقبل الأجيال مشعا سبلها انوار آمال و ضياء.
ماذا أصابنا يا أهلي؟اين ولى الربيع و زهوره الزهواء أين ياسمين الشام و عبير براري لبنان و جنائن وروده الجوراء؟ أين رائحة طل نخيل البصرة و ضفاف الزوراء, بأي خراب هي و بأي حال و احزان,أين فلسطين الحبيبة و السودان العزيزة و ام الأمم و الدنيا مصر الأمان,اين اليمن و عراق الوحدة بلاد الرافدين تربة علي و الحسين,أين خليج بحر العرب يا عرب و فردوس ضفاف شرقه منارة رحلات مخيلة حكمة الزمان؟أين قيم العروبة و قيمة الأرض و الانسان؟
فأي مرجعيات دينية هذه قهرا ورثناها مع عمائمها,فوق رؤوس تافهة المأرب دنيوية المطامح,تعتاش على السحت و فتات رشاوى الحرام ,أكثرها غرقى في بحور الشؤم,و زهاد بصفرة العدم و من فرط الجهالة عميان؟
نعم قبلكم كنا بعافيه و الف الف خير !