(وطن-رويترز) تواجه الديمقراطية الوليدة في تونس اختبارا صعبا في الموازنة بين الحرب على المتشددين، وبين الحفاظ على ديمقراطيتها الوليدة، التي نشأت بعد الانتفاضة على نظام بن علي.
بعد أربعة أيام من قيام إسلاميين متشددين بقتل 21 سائحا بالرصاص في متحف باردو بتونس العام الماضي شنت الشرطة حملة اعتقالات شملت عشرات الأشخاص الذين يشتبه في صلاتهم بالمسلحين.
أحد من ألقي القبض عليهم عامل أخذوه من بيته في تونس. وقال الرجل الذي نفى أي صلة له بالمتشددين إنه نقل إلى مركز احتجاز تابع للشرطة حيث ربطوه في قضيب من المعدن وأوسعوه ضربا على رأسه وقدميه بأنبوب.
وقال العامل الذي أفرج عنه الشهر الماضي في حديث لرويترز بحضور محاميه “قلت لهم كل ما يريدون… لقد قلت لهم أنا فعلت كل شيء وأنا مذنب… فقط ليتوقفوا. وأضاف “لم يكن لدي أي اختيار آخر”.
وأشار العامل الذي تعرض للضرب على أيدي رجال شرطة إلى أنهم قالوا له إنهم “يشتبهون به لأنه يقيم في نفس الحي الذي يقيم فيه أحد مسلحي باردو إن الوحشية التي عومل به تركته في حالة خوف” مضيفا “سمعت دائما عن تعذيب أشخاص لكن لم يخطر ببالي أبدا أن أكون ضحية للتعذيب أنا نفسي”.
وفي وقت تعترف فيه الحكومة التونسية بأن الانتهاكات تحدث أحيانا تشير بعض الانتهاكات التي حدثت في الآونة الأخيرة إلى صعوبة الطريق الذي تمضي فيه تونس لتحقق هدفين متزامنين هما تعزيز الديمقراطية الوليدة التي قامت بعد انتفاضة 2011 ومحاربة الإسلاميين المتشددين.
ومثل فرنسا وبلجيكا وغيرهما من الدول ضحايا التفجيرات والهجمات تحاول تونس أن تصل لطريقة تحمي بها الناس وفي نفس الوقت تحمي حقوقهم.
وهذه العملية أصعب بكثير في دولة تحاول أجهزتها الأمنية أن تلقي وراء ظهرها بتاريخ من الانتهاكات. وبينما تحمل الشرطة على الإسلاميين توجد مخاطرة بأن تتسبب انتهاكاتها في تقويض العملية الديمقراطية في البلاد.
وتتحدث منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان بينها منظمة العفو الدولية ومحامون عن ظهور انتهاكات في مراكز الاحتجاز الشرطية وكذلك عن اعتقالات تعسفية وتعذيب مما يقوض العملية الديمقراطية الجديدة.
وقال المحامي أنور أولاد علي الذي يدافع عن متشددين “عندما يتعلق الأمر بالحرب على الإرهاب بعض الناس يقولون دع حقوق الإنسان جانبا”.
وقالت الحكومة إن كثيرا من العمل مطلوب لوقف الانتهاكات. وفي أبريل نيسان قامت بتشكيل لجنة مستقلة لمنع التعذيب وغيره من الانتهاكات في مبادرة أشادت بها الأمم المتحدة.
وقال عمر منصور وزير العدل يوم الأحد الماضي عند زيارته لسجن للنساء كثير من المحتجزات فيه ألقي القبض عليهن بتهم تتصل بالإرهاب ويشكون من تعرضهن للضرب “نعم هناك بعض حالات التعذيب وسوء المعاملة ولكنها ليست ممارسات ممنهجة ولا استراتيجية. هناك حالات فردية… ونحن نعمل مع منظمات المجتمع المدني لوقف مثل هذه الممارسات”.
وقليل من الناس هم من يتهمون تونس بالعودة إلى أسوأ من الماضي عندما تصرفت الأجهزة الأمنية في ظل حكم زين العابدين بن علي دون خوف من حساب.
ومنذ أنهت انتفاضة 2011 نظام بن علي باتت الدولة خاضعة لرقابة المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والصحافة الحرة بشكل لم يكن يخطر على البال أيام نظام بن علي.
وفي نفس الوقت تسبب التهديد الذي يمثله الإسلاميون في مطالبة كثير من الناس بحملة أشد عليهم. ومنذ هجوم باردو شن الإسلاميون ثلاثة هجمات قتلوا في أحدها عددا من السائحين بأحد شواطئ منتجع سوسة ونفذوا في الثاني تفجيرا انتحاريا في تونس العاصمة وأغاروا في الثالث على مدينة حدودية.
ويقول الرئيس باجي قائد السبسي للتونسيين دائما إنهم “في حرب مع المتشددين الذين يحاولون ضرب ديمقراطية بلادهم”.
سلطات أوسع
لا ريب في أن تونس تواجه تهديدا من المتشددين. وغادر البلاد أكثر من 4000 مواطن للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وغير ذلك من الجماعات في العراق وسوريا وليبيا.
ومن شأن حالة الطوارئ التي مددت منذ الهجوم على فندق سوسة إعطاء جهاز أمن الدولة سلطات أوسع في مجال إلقاء القبض على الأشخاص واعتقال المشتبه بهم. ونص قانون جديد لمكافحة الإرهاب على جعل فترة الحبس الاحتياطي التي تسبق المحاكمة 15 يوما.
لقد حقق الجيش التونسي تقدما في مكافحة الإرهاب. ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى تدريب من دول غربية شمل أساليب حماية الحدود. لكن الشرطة لم تحقق مثل هذا التقدم بل أعادت إلى الخدمة ضباطا عملوا في عهد بن علي لتعزز صفوف فرق المباحث بها.
وعن ذلك قال مسؤول أمني تونسي كبير “هم يقدمون المساعدة والخبرة في مجال بسط الأمن ومكافحة الإرهاب.” وأضاف “فعلا هناك تجاوزات وانتهاكات وسوء معاملة وتعذيب ولكنها حالات فردية معزولة.. كل الحالات التي يتم إثباتها يعاقب مرتكبوها”.
وقال كمال الجندوبي الوزير المكلف بحقوق الإنسان إن بلاده “تحاول إقامة توازن بين الأمن وحقوق الإنسان. لكنه أقر بوجود صعوبات”.
وقال “كيف يمكن محاربة مجموعات إرهابية تبحث عن الموت؟ وكيف عليك أن تفعل ذلك في احترام لحقوق الإنسان؟ حين نعتقل أحدا فإننا نتعامل معه وفقا لمبادئ حقوق الإنسان”.
جدل بشأن الإسلام
ويخشى النشطاء أن يكون من شأن الانتهاكات الأمنية -حتى إن كانت حالات معزولة- تعزيز دعاية المتشددين لاسيما أن تونس لا تزال تكابد للحد من البطالة بين الشباب والتغلب على الأزمة الاقتصادية التي كانت من أسباب انتفاضة 2011.
ويكون الأثر سيئا عندما تكون الانتهاكات بارزة مثل حالة سفيان المليتي لاعب كرة القدم السابق الذي شارك في مباريات كأس العالم 2006 وفي عشرات المباريات الدولية.
في أواخر مارس آذار داهمت قوات مكافحة الإرهاب منزل المليتي وألقته في سجن بتونس العاصمة قال إنه تعرض فيه لإهانات لفظية وأجبر على الركوع لساعات كما قيل له إنه متصل بالمتشددين الذين هاجموا بن قردان. وبعد خمسة أيام أفرج عن المليتي دون توجيه اتهام.
وقال “إذا كان هذا قد حدث مع شخص مشهور فكيف سيكون التعامل مع أشخاص عاديين ليس لهم من يساعدهم.” وأضاف “أين هي الحقوق وأين السلطات من كل ما يجري؟”.
وبينما يخشى بعض النشطاء من أن تدفع حملة مكافحة الإرهاب جماعات معينة إلى صفوف المتشددين يخشى آخرون أن تتسبب في إحياء الجدل حول دور الإسلام في واحدة من أكثر الدول العربية علمانية.
بعد هجوم باردو راح بعض الشبان التونسيين المحافظين من سكان الأحياء الفقيرة في العاصمة يحلقون لحاهم كما تجنبوا الصلاة في المساجد خشية اعتقالهم.
وقال محمد الذي يعمل في ناد اجتماعي والذي يمثل شركة أوروبية إن الشرطة تزوره بعد كل هجوم لتفرض عليه قيودا إدارية تحد من تحركاته وذلك على الرغم من أنه لم توجه له تهمة ولم يسجن من قبل، وتساءل محمد “هل هكذا حقا هم يحاربون الإرهاب؟”.
وفي نفس الوقت يدعو سياسيون علمانيون مثل وليد جلاد إلى حظر النقاب في الأماكن العامة قائلين إن المتشددين يستخدمونه في الإفلات من الشرطة.
وقال جلاد “لا يمكن لأحد أن يفكر أن التونسيين سيفرطون في الحقوق والحريات التي حصلوا عليها بعد الثورة. ولكن نحن في فترة حساسة ومرحلة دقيقة في الحرب على الإرهاب ويجب استعمال كل ما يجب استعماله لنربح الحرب”.