صاحب رواية “أبواب الموت” في عهد بن علي لـ”وطن”: لا فرق بين برج الرومي وأبو غريب وغوانتنامو

“خاص-وطن”-حاوره شمس الدين النقاز-سمير ساسي هو سجين سياسي سابق وأديب وأكاديمي تونسي من مواليد منطقة لالة بمحافظة “قفصة” من الجنوب التونسي، أين زاول تعليمه الإبتدائي والثانوي بها، قبل أن ينتقل إلى العاصمة لمواصلة دراسته في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة، والّتي تحصّل منها على شهادة الأستاذية في اللغة والآداب العربية ثم الماجستير في الحضارة العربية.

 

ألّف سمير ساسي مجموعة من المؤلفات على غرار “سفر في ذاكرة المدينة” وهي مجموعة شعريّة ورواية “خيوط الظلام” الّتي تحدّث فيها عن التعذيب في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، كما ألّف ساسي أوّل رواية متكاملة في أدب السجون والّتي عرفها التونسيون المهجّرون في لندن بـ”البرزخ” ومنعت من النشر في تونس قبل الثورة، ولكن وبعد 14 من يناير، نشرت الرواية الحدث تحت عنوان “برج الرومي أبواب الموت”.

 

في روايته، يسرد الروائي والأكاديمي التونسي الّذي سجن بتهمة الإنتماء إلى جمعيّة غير مرخّص لها وذلك على خلفيّة نشاطه في الجامعة، تفاصيل حفلات التعذيب الّتي كان يقيمها الجلّادون في سجون بن علي والّتي تعرّض لها “ساسي” ورفاقه في النضال.

 

في روايته “برج الرومي”، يكشف الأديب التونسي والسجين السياسي السابق سمير ساسي “الإنتهاكات الوحشية” في السجون، ويفضح “أساليب التعذيب القاسي والمنهجي” الذي كان يمارس في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

 

ولقيت الرواية، وهي تقع في 174 صفحة، رواجا كبيرا منذ طرحها في الأسواق التونسية في مايو/أيار 2011، وهي أول رواية تونسية يتم إصدار 4 طبعات منها في 4 أشهر.

وتحمل الرواية اسم أشهر السجون التونسية وأسوئها سمعة “برج الرومي”، لما مورس فيه من تعذيب وتجاوزات غير إنسانية.

 

ويقول سمير ساسي إن “الأجواء داخل السجن كانت تفرض علي أن أضع تفاصيلها، ليقف القارئ على حجم المعاناة وحتى تظل هذه التجربة المريرة راسخة في الذاكرة وترتقي إلى مصاف التجارب الإنسانية”.

“وطن” حاورت الروائي والأكاديمي التونسي سمير ساسي، وفيما يلي نصّ الحوار.

سمير ساسي يعتبر من أوّل الروائيين التونسيين الّذين كتبوا في “أدب السجون”، لو تعرّف هذا الجنس الأدبي إلى القرّاء الّذين يجهلونه؟

هذا أدب معروف في العالم كله وفي العالم العربي الإسلامي خصوصا غير ان أدباء تونس لم يكتبوا فيه ،لم يكن لدينا جنس أدبي بهذا المسمى مثلما رأينا مع الفلسطينين والمشارقة عموما  وعلى رأسهم عبد الرحمان منيف، رغم أن سجوننا لا تختلف عن سجونهم ومحننا تتشابه ،لكن الكتابة عن الأمر نادرة ولم تتعد المقالات الصحفية وبعض المذكرات وفي ثنايا السير الذاتية، أما هذا الأدب بجنسه ومقاييسه الأدبية المتعارف عليها فلم يعرف في تونس إلا قبيل الثورة بقليل  و أحسب أني كنت المبادر بذلك حين نشرت في لندن عملي الأول في 2003 بعنوان البرزخ، إنه أدب يصوغ المعاناة التي يتعرض لها السجناء السياسيون بالتحديد وقد يشمل غيرهم في صياغة أدبية ترتفع بالمعاناة إلى مستوى اللذة القرائية إن صح التعبير حتى تخفف من آثارها على القارئ وليس بالضرورة أن تكتب داخل السجن فالإضافة لا تعني مكان الكتابة بل مضمونها

كيف تبادرت إلى ذهنك وأنت في أخطر السجون التونسية في فترة بن علي (سجن برج الرومي) أن تبدأ بكتابة روايتك بين قضبانه وزنزاناته؟

كان علينا أن نبتكر وسائل للمقاومة فقد كنا نخضع للتدمير الممنهج يوميا ولم تكن تكفي وسيلة واحدة فللنفس الإنسانية حالاتها المتعددة المتقلبة المختلفة وكنا نلبس لكل حال لبوسها، والمقاوم لا يعجز أمام سطوة جلاده عن الإبتكار فالحاجة أم الإختراع ولكل فعل ردة فعل توازيه أو تفوقه  وعادة ما كنا نتفوق على أساليب الجلاد التي كدنا نحفظها لولا بعض المفاجآت القليلة بيت الحين والأخر,, أنا مغرم بالكتابة من قبل السجن وسبق أن جربت ذلك زمن الرئيس الأسبق بورقيبة حين سجنت لثمانية أشهر وعلاقتي بالكتابة كانت فعلا مؤسَّسا (بالفتح) ومؤسِّسا(بالكسر) كانت أسلوبا للمقاومة أرتاح  من خلاله من أثر العصا أفرغ بعض التعب لكنها لم تكن مجرد تفريغ لشحنة نفسية بل كانت فعلا واعيا مقصودا.

ما هي أهداف الروائي سمير ساسي من كتابة رواية “برج الرومي أبواب الموت”؟

الهدف الأول والرئيس المساهمة في تطوير الأدب التونسي من خلال عمل مُنجز يحدث نقلة ويقدم إضافة.

الهدف الثاني فضح ما كان يجري خلف القضبان في زمن المخلوع الذي سكت فيه الجميع إلا قليلا.

الهدف الثالث :التحذير من مخاطر تكرر ما وقع على الإنسان التونسي خاصة وعلى الإنسان عموما.

ولي فيها مآرب أخرى…ههه

هل حقّقت الرواية الأهداف الّتي كُتبت من أجلها؟

أرجو ذلك

كيف تمكّنت عام 2003 من نشر الرواية بعنوان آخر “البرزخ” في لندن، وهل تسبّب لك هذا النشر في مضايقات من نظام بن علي القمعي في تلك الفترة؟

صديقي وأخي واحد المهجّرين صاحب المركز المغاربي للنشر والترجمة جلال الورغي المقيم في لندن هو من تكفل بنشر العمل بعد أن استطاع صديقي لطفي الحيدوري إرساله إليه، ـما المضايقات فإنها لم تنقطع لكنها لم تكن في علاقة بالرواية لسبب بسيط وهو أن مستشاري الرئيس المخلوع  وكانوا من المعادين لي أيديولوجيا ومن المدركين جيّدا لخطورة الكلمة والرواية نصحوه بأن لا يثير ضجة حول الرواية حتى لا يكسبني تعاطف أصحاب القلم في العالم  ويحولني إلى شهيد حي للكلمة وقد نجحوا في ذلك خاصة أن الرواية لم تدخل إلى تونس، هكذا يمكر سحرة الفرعون.

الروائي التونسي كمال الرياحي وصف روايتك بالقول “إنّها قطعة أدبية راقية أخلصت للأدب حتى وهي تسرد الفظيع من التعذيب”، ما رأيك في هذا الكلام؟

كمال الرياحي هو أول باحث وناقد يختلف عني في التوجهات الفكرية تجاوز معيقات الأيديولوجيا ليقرأ نصي بعيون الناقد البصير ورأى فيها ما رأى ولست في موقع المؤيد أو الرافض حتى لا أزكي عملي ولكن أحسب أن لصديقي كمال المقدرة على التقييم والنقد، بقي أن غيري  وغير كمال من القرّاء والنقاد هم الأقرب للإجابة عن هذا السؤال لأن بينهم وبين العمل وهذا الرأي مسافة.

كتاب سمير ساسي “برج الرومي” يروي فنون التعذيب السياسي التي تعرّض لها الشخصية فخر الدين وزملاؤه في سجون السلطة التونسية، وقد تنوّعت أشكال التعذيب بين نفسي وجسدي، فما هي أفظع أشكال التعذيب الّتي بقيت عالقة في ذهنك؟

كلها تتساوى في رسوخها في ذهني فكما قلت لك أنا وغيري من المساجين لا يمكننا أن ننسى، والفظاعة ليس فيها تفاضل لكن التعذيب في “البانو” وهو التغطيس في الماء المتسخ  وانتهاك الكرامة الإنسانية من خلال التحرش بالعائلة وبالسجين نفسه تبقى من أشد أنواع التعذيب فظاعة.

رواية “برج الرومي أبواب الموت” عكست هويّة كاتبها كما عكست ثقافته الإسلامية والتراثية، حيث قسمت الكتاب إلى أبواب سبعة للقبور تنتهي بباب بالنشور، لماذا هذا التقسيم تحديدا؟

التقسيم في الحقيقة له علاقة بأبواب السجن السبعة وليس بالتراث فالتراث الأدبي والقرآن الكريم (ليس تراثا) أسعفاني بهذا التشبيه،  فالسجين يمر حقيقة لا مجازا بسبعة أبواب في دخوله وخروجه من السجن لكن وجه الشبه الأهم هو العذاب فالسجين جحيم خلقه الإنسان الطاغي الذي يزعم أنه ربّ أعلى.

ما هي أهداف سمير ساسي من التشبث بالهويّة الإسلاميّة في روايته؟

أنا أتشبث بهويتي الإسلامية في كل شيء، بقي أن توضح لي مقصدك أنت من الهوية الإسلامية في الرواية فقد يكون بدر إلى ذهنك ما اختلف معك فيه جوهريا أو ما قد يساء فهمه من القراء وفي كل الأحوال رؤيتي للأدب عموما والرواية جزء منه تندرج ضمن دائرة ما سماه القرآن في آخر سورة الشعراء بأدب الإستثناء حين تحدث عن الشعراء الذين يهيمون في كل واد واستثنى منهم الذين ينتصرون للمظلومين بشعرهم  ويذكرون الله  ويؤمنون به ويعملون صالحا ولو تأملت هذه القيم لوجدتها في نهاية التحليل قيم تنتصر للإنسانية  لمجتمع العدل  وقيم الحرية والتحرر فالمستثنى لا يبيع أدبه –شعرا أو رواية- إلى الطغاة المستبدين ولا يزيّن لهم ظلمهم ولا يكتب إلا ما يساهم به في تركيز القيم داخل المجتمع لا تشتيتها وضربها، هو لا يكتب ما يملى عليه  وهو رجل (بالمعنى القيمي للرجولة وليس مقابل المرأة) حرّ ليس فيه شركاء متشاكسون، وأينما توجه جاء بخير كالغيث أينما حلّ نفع

والذين لا يؤمنون بالإسلام؟

تجد جوابك في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم  يغفل عنه كثير ممن دارسي الأدب الذين يدخلون دار الأدب بسوء نية، الحديث عن امرئ القيس وقد سئل عنه فقال هو سيدهم في الدنيا وقائدهم إلى الجحيم، أي أن نبي الإسلام أقر بالقيمة الفنية لشعر امرئ القيس وحدثنا عن الموقف العقائدي منه وهذا لا يكون إلا لنبي فمن البديهي لصاحب الرسالة بما له من اتصال بعالم الغيب أن يذكر ما يتلاءم مع دعوته الجديدة ونحن لسنا أنبياء ولم يكلفنا نبي الإسلام نفسه بالجزء الثاني من حديثه غير أن قوله في الشعر ورجوعا إلى سورة الشعراء يبيح لنا أن نتناول كل منجز وفقا لموازين معينة دون أن نتجاوزها إلى معتقدات صاحبها، ومقياسنا بالإضافة إلى الجودة علاقة القائل بالمقول فأنا لا أرى رجلا يحيا خارج نصه وعلاقته بالقيم الإنسانية المشتركة.

رغم أنّ المعتقلين السياسيين في عهد نظام بن علي تجاوزوا 30 ألفا، إلّا أنّ من تجرّأ على كتابة ما يحدث في السجون التونسية في تلك الفترة لم يتجاوزوا أصابع اليد، ما هي أسباب ذلك حسب رأيك؟

الكتابة ليست ترفا ولا سوقا مفتوحة إذا أردنا أن نحتكم إلى قوانينها ونواميسها الصارمة، وهي كذلك إن غضضنا الطرف عن هذه النواميس  وليست العبرة بكثرة العدد.فهناك منهم من يقدر على الكتابة ويمتنع عن سابق إضمار لأسباب مختلفة وهذا يصدق أساسا على من يتبوأ مواقع سياسية في الدولة أو الأحزاب وهناك من لا يفكر في الكتابة  وهناك من لا يستطيع والمبدعون دائما قلة.

في فترة الشدّة، كتبت “برج الرومي أبواب الموت” داخل السجن على علب الحليب والسجائر ثم وضعتها داخل حقيبة قمت بخياطتها خصّيصا، فلماذا في فترة الرخاء لم تكتب أيّ رواية أخرى؟

ومن قال لك إنني لم أكتب شيئا، لدي الآن عملان روائيان جاهزان واحدة شاركت بها في مسابقة “كتارا” للرواية العربية في صنف غير المنشور ولا يحق لي وفقا لقانون المسابقة نشرها قبل إعلان النتيجة في أكتوبر المقبل وأخرى أبحث لها عن دار نشر، كما أني أتممت إعداد رسالة الدكتوراه عن مشروعية السلطة في الفكر السياسي الإسلامي في العصر الوسيط وأودعتها لدى إدارة الجامعة وأنتظر مناقشتها قريبا بإذن الله فادع لي أنت وقراؤك الكرام بالتوفيق.

هل مازالت التبعات النفسية والجسديّة للتعذيب داخل السجون التونسيّة تؤثّر على سمير ساسي بعد 14 يناير أم أنّه تخلّص منها ونسيها؟

لا يمكن لأي شخص عاش مرحلة السجن أن يخرج منها سليما معافى أو أن لا تترك آثارها عليه، ولست بدعا في هذا الإطار لكني قاومت آثارها وبذلت جهدا جبار بطرق مختلفة  للتقليل من انعكاساتها السلبية علي وقد نجحت والحمد لله في ذلك، لكني لا أستطيع نسيانها إلا إذا كنت تطلب مني أن أنزع نفسي من نفسي وأستبدلها لكني أخشى على من يتطوع لمبادلتي بالنفوس من أن يحمل وزر تلك الآثار فينتهي إلى الدمار.

ذكرت في روايتك أنّ من بين طرق التعذيب النفسي في السجن “أنهم يقومون بتجريد السجين من الثياب أمام زوجته وأحيانا أمام أمه. ويهددونه بتعرية زوجته إن لم ينصع إلى أوامرهم”، فهل كان هؤلاء الجلادون يقومون بذلك فقط مع السجناء الإسلاميين أم مع جميع المعتقلين السياسيين؟

جلاد دولة “الإستقلال” كان عادلا في توزيع التعذيب ويمكنك الرجوع إلى روايتي “خيوط الظلام” التي تتحدث عن التعذيب في زمن الرئيس الأسبق مؤسس الدولة ضد معارضيه اليوسفيين، فقط كانت فترة التعذيب وعدد المعذبين هي المختلفة.

كيف كان الإقبال على الرواية وحجم المبيعات قبل 14 يناير وبعده؟

الرواية حققت الرقم القياسي في المبيعات في تاريخ الرواية التونسية ليس في العدد بل في سرعة النفاد، فهي الرواية الوحيدة التي نفدت طبعاتها الأربع في أربعة أشهر أي بمعدل طبعة كل شهر وهذا ما لم تحققه أية رواية تونسية على حدّ علمي.

هل تحقّق رجاء الشاعر التونسي البحري العرفاي الّذي قال “آمل ألاّ تقع الرواية بين أيدي الشباب قبل أن يتدارسها السياسيون وعلماء النفس والإجتماع ومثقّفو الحياة، ينفذون بها إلى طبقات سحيقة في عوالم النفس البشرية ويسبحون بها إلى فضاءات لها علية ويسبرون أسرارها الخفيّة إذ تنتزع من فضائها الطبيعي وامتدادها الإنساني وتجلّياتها الفطرية والثقافية، ينظرون فيما يمكن أن تخلّفه تجربة (البرزخ) تلك في أعماق الذات البشرية ونسيج المجتمع وتاريخ الأوطان وذاكرة الأجيال”؟

أظن أن الطريق إلى هذا الرجاء مازال بعيدا، وهذا وجه من وجوه أزمة مجتمعنا وأحسب أن المحظور وقع ولكني آمل أن لا يكون بقتامة ما صوره صديقنا الشاعر بحري حتى لا أحمل وزر الأثر الذي قد يخلفه عمل أدبي في نفوس شباب نتطلع إلى جهودهم لتحقيق ما كتب من أجله هذا العمل وغيره من مقاومة الظلم والإستبداد والتعذيب.

الأزمة في مجتمعنا التي أقصدها هنا هي في غياب مثل هذه الجهود الفكرية والثقافية والإجتماعية في تدبر أحداث ما قبل الثورة والإحاطة بضحاياها واستثمار منجزها الأدبي والفكري لاستخلاص النتائج وهذا الغياب مرده سبب جوهري يكاد يكون وحيدا هو هيمنة التجاذبات السياسية  والأيديولوجية على مواقف الفاعلين من كل ما ينتجه العقل التونسي، فمازلت أذكر أن التلفزة التونسية اعتذرت عن استضافتي للحديث عن الرواية بداعي أنني قد أقوم بداعية لحركة النهضة وهو ربط أحمق لأنهم نظروا للعمل في جانبه السياسي ولم ينظروا إليه كإضافة للمنجز الأدبي التونسي.

هل تغيّر سمير ساسي بعد 14 يناير؟

سئل سقراط عن الرجل ينتقل من مكان إلى مكان ولا يغير رأيه قال لم يكن يحمل عقله معه، و أنا والحمد لله لم يفارقني عقلي مطلقا.

هل تغيّرت المعاملات في السجون هي الأخرى خاصّة وأنّ المنظمات الحقوقية أكّدت في أكثر من تقرير لها أنّ الأوضاع كارثيّة ولا تبشّر بالخير؟

يبدو التغيير غير جدي، فتقارير المنظمات الحقوقية والتقارير الإعلامية  وصمت السلطة الرسمية تجاه هذه التقارير وإنكارها الخجول لها يدل على أن الأمر لم يتغير عن حاله كثيرا وهنا مكمن الخطر لأن التعذيب في زمن الحرية وبعد الثورة حتما له انعكاساته السلبية أعظم منه لو كان زمن الإستبداد، بمعنى وهنا لست أبرر التعذيب أحيانا يبحث السجين الواقع تحت التعذيب عن مبرر في ذهنه يستعين به على المقاومة فيرد التعذيب الذي يهين كرامته إلى طبيعة الإستبداد ويرى أن الفائض من جنس المفيض منه و أنه لا ينتظر من نظام مستبد أقل من ذلك  وهذا نوع من المقاومة النفسية في حدها الأدنى، وهو نوع لا يمكن اللجوء إليه ما بعد الثورات وفي زمن التحرر من الطغيان  وأحسب أن ذلك ستكون له آثار كارثية على الإنسان المعذب بعد الثورة.

ما ذكرته في رواية “برج الرومي أبواب الموت” فظيع ومرعب، فهل يقلّ سجن “برج الرومي” يقلّ وحشيّة عن غوانتنامو وأبو غريب أم يتفوّق عليهما؟

هم يتنافسون في الفظاعة، منهم سابق بها ولا أجد فيهم مقتصدا  وكلهم  في نهاية القول تجسيد حي لظلم الإنسان لنظيره في الخلق.

Exit mobile version