(وطن-خاص-وعد الأحمد) مع انتصاف فصل الربيع من كل عام تفترش البراري والسهوب والأراضي الخالية من المزروعات زهور برية لا رائحة لها ولكنها تخلب الأنظار بلونها الأحمر الناري وحضورها الذي يختزن الكثير من المعاني والرموز الأسطوري، إنها زهور شقائق النعمان التي ارتبطت باسم ” النعمان بن المنذر” أشهر ملوك الحيرة الذي يُقال إنه نزل على شقائق رمل قد أنبتت الشقر الأحمر فاستحسنها وأمر أن تُحمى، كما أمر بزرعها حول قصره المعروف بالخورنق وقيل: النعمان اسم الدم وشقائقه أي قطعه فشبهت حمرتها بحمرة الدم.
ومنذ ذلك الوقت أخذت هذه الزهور الجميلة اسمه وصارت دلالة ورمزاً مقدساً لدماء الشهداء الزكية التي تروي الأرض بلونها القاني كما صارت مادة ثرة لكثيرٍ من الأدباء والفنانين الذين استخدموها في أعمالهم كما في مسرحية “شقائق النعمان” للشاعر الكبير الراحل محمد الماغوط وكذلك نُسجت حولها الحكايات والقصص الأسطورية منذ أقدم العصور.
زنابق الحقل
يتميز هذا الزهر بلونه الأحمر الناري الذي يوحي بروعة وإحساس خارقين ويظهر على شكل أضمومات وتجمعات في أجمات كبيرة وعلى مسافات واسعة وخاصة في الأرض البور المشبعة بالمطر وهو لم يُهجن إلى الآن ولم يُستنبت في حدائق خاصة، ولشقائق النعمان – كما يقول الباحث محمد خالد رمضان لـ”وطن” أسماء كثيرة – حسب البيئة المحيطة – فمثلاً في ريف دمشق ومحافظة المدينة يُطلق عليه اسم ” الشقيق ” وفي درعا والقنيطرة اسم ” الحنون وفي المنطقة الوسطى والسويداء ” الدحنون “أما البدو فيطلقون عليه اسم ” الدودحان والبريدحان” ومن تسمياته أيضاً ” شقيق الدم ” زهر الدم” ” زهر الرياح نقطة الدم ” و يُطلق عليها أيضاً اسم ” شقار إكليلي ” و” زنابق الحقل” أيام السيد المسيح كما قال عنها ” وتأملوا زنابق الحقل ” .
دم أدونيس
دخل زهر شقائق النعمان حياتنا وادبنا الشعبي وتراثنا العربي بلونه الأحمر القاني الذي يحمل الكثير من المعاني والرموز وبما يوحيه للإنسان عند النظر إليه والتمتع بجماله وبما يحمله من علامات أسطورية خرافية.
وتروي الأسطورة اليونانية ان أدونيس قد قتله خنزير متوحش عندما كان يصطاد في الجبل، ومن دمه المهدور انتشرت شقائق النعمان . وجاء في الأسطورة أن فينوس عندما سمعت أنين أدونيس هرعت إليه فلما رأت دماءه، شقت ثوبها، ولطمت وجهها، وقررت أن تلون الأزهار البيضاء بحمرة دمه، فظهرت (شقائق النعمان) بلونها الأحمر المعروف .
كما دخل هذا الزهر في النسيج الإنساني العام فوجدناه في الأغنية الشعبية وفي المثل وفي النشيد الديني كما وجد على بعض الملابس القديمة المطرزة في بعض مناطق سورية كـ ” زاكيا” و” القلمون ” وغيرهما ، ففي الأغنية الشعبية شاعت كثيراً أغنية المطرب الكبير صباح فخري التي تقول :
البلبل ناغى عا غصن البان
يا عيني
آه يا شقيق النعمان
وفي الأمثال الشعبية يقولون “متى ما طلع الدحنون ” ضب أغراضك يا مجنون و”الدحنون” كما ذكرنا آنفاً هو أحد أسماء شقائق النعمان والمثل موسمي ويقال عند قدوم الربيع أو في أواخره ويعني أنه في آخر الربيع يدخل الدفء رويداً رويداً وتشع الحرارة .
وورد ذكر هذه الأزهار لدى الكثير من أطباء العرب القدامى فقد تحدث داود الأنطاكي في تذكرته عن شقائق النعمان قائلاً «إن شُرب سكَّن الوجع وخاصة القولنج ويزيل البرص شرباً وطلاء، ويخفف من ظلمة العين شرباً واحتمالاً، طبيخه يدر اللبن شرباً والحيض إحتمالاً، مسحوقه يقطع الرعاف من وقته وهو مجرب».
وذكره ابن البيطار في كتابه الجامع فقال «إذا مُضع النبات اجتذب البلغم، وعصارته تنقي الدماغ من المنخرين وهي تلطف تجلو الآثار الحادثة في العين عن قرحة تنقي الشقائق القروح الوسخة وتقلع وتستأصل العلة التي ينقشر معها الجلد يدر الطمث إذا إحتملته المرأة ويدر اللبن».
أما ديسقوريدس فيقول « النوع البستاني والبراري من شقائق النعمان إذا دقت جذورها واخرج ماؤها واستنشق نقي الرأس، وإذا مضغت طردت البلغم، وإذا طبخت وتضمد بطلائها أبرأت أورام العين الحارة، ويقلع الجرب المتقرح».
أما عيسى بن علي فيقول «شقائق النعمان ان خلط زهرة مع قشور الجوز الرطب صبغ الشعر صبغاً شديد السواد ويقلع القوباء وعصارته تذهب بياض العين ولاسيما أعين الأطفال، إذا اكتحل بماء عصارته سوَّد الحدقة ومنع من ابتداء الماء النازل في العين وقوَّى حاستها وأحدَّ بصرها».
ولشقائق النعمان في الطب الحديث استعمالات كثيرة ومنها أن أزهار شقائق النعمان مهدئة معتدلة ، وتستخدم هذه الزهور اليوم بشكل رئيسي كمفرج معتدل للآلام وكعلاج للسعال المتهيج كما تساعد في خفض فرط النشاط العصبي ويمكن استخدامها أيضاً في علاج الأرق والسعال والربو .
فوائد علاجية
الاسم العلمي لشقائق النعمان هو anemone oronaria ولهذا الزهر فوائد علاجية كثيرة فقد أشار العشاب الأيرلندي كيوغ سنة 1735 م إلى أن شقائق النعمان ذات طبيعة مبردة ومنعشة عند غلي ما بين 5الى 6 زهرات حيث يخفف الألم ويحث على النوم كما يمكن وضع الأوراق الخضراء المرضوضة على القروح والحبوب والحميات الجلدية الحارقة.