ينامون تحت سلالم البيوت، وفي ملاجئ أعدوها بأنفسهم في المنازل والحدائق العامة، لكي يتجنبوا موتاً محققاً حين تمطرهم الطائرات والمدافع بالصواريخ، فيما يعلم كل واحد منهم أن دوره بالموت الذي تحمله تلك الصواريخ قادم لا محالة.
حين يهدأ القصف، يخرجون من مخابئهم يتفقدون من بقي حياً بينهم، كل واحد منهم يعلم مهمته، فيذهب هؤلاء لتهيئة القبور، وآخرون يجهزون الموتى لدفنهم، وغيرهم يعالجون المصابين، وبعض يذهبون لجمع شيء من أوراق الأشجار والنباتات، وتحويلها إلى طعام يُهدّئون به بطون الصغار التي تصرخ من ألم الجوع.
هذا ما يحدث في الفلوجة، 62 كم غرب بغداد، منذ أن أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، انطلاق معركة “تحريرها” في 23 مايو/أيار الماضي، التي ينتظر كل ساكن فيها دوره بالموت، بل إن الموت صار أملاً في حياة أفضل، فصار أمنية.
ذلك ما كشفه لـ”الخليج أونلاين” نازحون هربوا من الفلوجة، جميعهم من الأطفال والنساء وكبار السن، لكنهم -برغم الموت اليومي الذي عايشوه في مدينتهم- يقولون إنهم أرغموا على الخروج منها.
فهم يؤكدون أن “البقاء تحت قصف الصواريخ أرحم من أن نسلم أنفسنا إلى مليشيات إيران”، بحسب أم حسين، المرأة المسنة، التي تجلس مع قريباتها من النساء داخل مخيم أقيم خصيصاً لنازحي الفلوجة.
أوضاع مأساوية
أم حسين وصفت الحياة في مدينة الفلوجة وحجم معاناة أهلها، موضحة أن “الحصار الذي فرض من قبل الجيش العراقي والمليشيات على مدينة الفلوجة أجبرنا على الخروج من المدينة؛ وذلك من أجل إنقاذ أطفالنا الذين يعانون من فقر الدم الحاد”.
وتشير إلى أن تنظيم “الدولة” الذي يسيطر على المدينة منذ نحو سنتين “أرحم بكثير من المليشيات، هم يحاولون توفير الغذاء والعلاج للعوائل، لكن المليشيات أغلقت الطرق، ولم يعد يصل الدواء لمرضانا، ولا الحليب لأطفالنا، والمدينة خلت من المواد الغذائية” بحسب تأكيدها.
لا أحد في هذا المخيم الموجود في مكان بعيد وسط الصحراء بالأنبار، غرب العراق، وخصص للنازحين من مدينة الفلوجة، سعيد بخروجه من مدينته، هم كذلك يرفضون أن يقال عنهم بأنهم هربوا من مدينتهم، “بل هربنا بسبب القصف الكثيف الذي تشنه مليشيات إيران، والخوف على حياة الأطفال والنساء وكبار السن”، بحسب الحاج أبو محمد.
وأكد أبو محمد، الرجل المسن، أن “ما تعرض له النازحون حين هربوا إلى بغداد ومدن أخرى منذ عامين، من معاملة سيئة، يدل على أننا مطاردون من قبل الطائفيين من أبناء وطننا، لذلك كنا نرى أن موتنا داخل مدينتنا وفي بيوتنا أكرم لنا من العيش في ذل وإهانة، تتحكم بنا المليشيات التي تأتمر بأوامر إيران”.
أبو محمد وجميع النازحين من الفلوجة لفتوا النظر إلى أن عناصر تنظيم “الدولة” لم يمنعوهم من مغادرة الفلوجة بعد بدء المعركة، بل كانوا يشجعونهم على الرحيل حين يتوقف القصف؛ حفاظاً على أرواحهم، ولأجل حصول الأطفال والنساء وكبار السن على علاج وطعام، بحسب قولهم، لكنهم أوضحوا أن “التنظيم” كان يمنعهم من مغادرة المدينة قبل المعركة، ويعاقب من يخالف ذلك الأمر بالقتل.
من جانبه يستذكر عمر، الطفل صاحب الأعوام العشرة، ما كان يدور في المدينة حين يبدأ القصف ونزول الصواريخ على بيوتهم وشوارعهم، وسماع الدوي وتكبيرات الناس، الذين لا يتوقفون حينها عن الدعاء وطلب المعونة الإلهية، آملين أن ينتهي القصف، ويخرج الجميع أحياء سالمين.
يقول عمر وهو يستذكر الحياة اليومية في مدينته، التي غادرها برفقة والدته وجده وإخوته، وهو يتحدث لـ”الخليج أونلاين”: إنه “عندما يبدأ قصف المدينة كنا نختبئ تحت سلالم بيوتنا، أو في الملاجئ التي حفرناها في حدائق المنازل لتجنبنا القصف، كان صوت الصواريخ مخيفاً وهي تسقط، كان كل شيء يهتز على إثر التفجير، الأرض والبيوت”.
وتابع: “حين يتوقف القصف على المدينة كنا نخرج بسرعة لتفقد الضحايا، ونسعف الجرحى، وبعض من الأطفال والنساء يتوجهون إلى الحقول والأراضي الزراعية؛ لقطف أوراق الأشجار وبعض التمر”