الجيوش الوطنية والثورات العربية ـ دراسة منهجية تجريبية موثقة

(20)

الجيش المنقسم على نفسه في مواجهة الثورة اليمنية

الجيش التونسي لم يتصد لإرادة الشعب في الثورة على النظام الدكتاتوري الفاسد وتقويضه وخلق نظام جديد ، أما الجيش المصري فقد ألحق بثورة الكرامة العربية انتكاسة كادت تأتي عليها وتحيلها إلى هباء منثور ، والآن نتولى درس وتحليل أحد الجيوش التي واجهت نسخة ثورة الكرامة العربية في اليمن ، وذلك من خلال المطالب الأربعة التالية :

المطلب الأول : الخلفية التاريخية للجيش اليمني :

لم يتمكن النظام الجمهوري الذي فرضه “عبد الناصر” في اليمن مع بداية عقد الستينيات من القرن العشرين من القضاء على القبلية التي ازدهرت إبان نظام الإمامة ، وتغلغلت وتجذرت في النسيج الاجتماعي في اليمن ، بلوامتدت إلى الجيش اليمني وأثرت على ولائه للدولة وللمجتمع ، ولعل التطور التاريخي للجيش اليمني يوضح  ذلك :

الفرع الأول : تشكيل الجيش اليمني على أسس وانتماءات قبلية :

لم تتنبه النظم السياسية التي توالت على دولة اليمن إلى ضرورة القضاء على القبلية الضاربة بجذورها في أعماق المجتمع ، بل انهمكت في الصراعات السياسية من أجل السلطة والحكم ، وتبددت محاولاتها المبتسرة والمحدودة في هذا الأمر وذهبت أدراج الرياح ، وظلت القبلية تسيطر على علاقات الناس بالدولة ، بل وتهدد الدولة نفسها التي تقزمت أمام القبيلة ، وتوزعت وتنازعت ولاءات الناس بين القبيلة والدولة ، وأثر ذلك على قبول أفراد المجتمع للنظم والتنظيمات والقوانين ، وهم من عاشوا قروناً لا يألفون إلا الأعراف والعادات والتقاليد .

وعندما قفز نظام “علي عبد الله صالح” إلى سدة الحكم لم يتصد للأعراف والروبط القبلية ، ويحاول تحجيم آثارها بل عمد إلى استثمارها وتوظيفها لتحقيق أغراضه في التمكين لنفسه في الحكم أطول فترة ممكنة ، وأيقن النظام السياسي أن الجيش يمثل أهم مرتكزاته ودعائمه ، فسارع إلى إعادة هيكلته وتنظيمه مرسخاً رابطة القبلية .

لقد هيْكل النظام السياسي الجيش ونظمه على أساس تمكين القبائل الموالية له والمتحالفة معه من المواقع والأسلحة الاستراتيجية والحيوية ، وكأن النظام كان يتوقع الثورة عليه لتقويض أركانه ، وبهذا الإجراء من النظام السياسي التقى ولاء القبائل لقبائلهم مع ولائهم للنظام ، ولكن على حساب الدولة التي لم تستقر في أذهان اليمنيين حتى بعد قيامهم بثورتهم المجيدة في عام 2011م .

الفرع الثاني : سيطرة أبناء رموز النظام السياسي على قيادة الجيش :

بالرغم من أن “علي عبد الله صالح” كان يستمتع بتعاطي القبائل معه على أنه شيخهم ، إلا أنه لم يكتف بسيطرة قبائله وحلفائهم على المراكز والأسلحة الحساسة في الجيش بل سعى بإصرار ومثابرة على استمرار سيطرة القبلية على الجيش ، وتعميق ولاء القبائل لقياداتهوهم أبناؤه ، وساعدهمأبناء رموز النظام ، وبذا فقد تحول الجيش إلى جيش شديد الولاءلقياداته ونظامه السياسي ، وأصبح الجيش اليمني جيشاً للنظام السياسي بامتياز .

ولم يُقدّر للجيش اليمني أن يتبع نهج الجيش المصري في الهيكلة والمأسسة والعسكرة ، بل ظل إحدى وحدات السلطة التنفيذية التابعة للنظام السياسي ، لكنه تحصل على بعض التميز المادي نظراً لمهمته الصعبة في مواجهة قوات الجماعات المتطرفة في المناطق النائية من البلاد ، وداخل الجيش تفاوت التميز المادي تبعاً للروابط القبلية ، وكان من شأن ما تقدم أن يقوي من إمكانية انقسام الجيش إزاء حدث الثورة اليمنية .

الفرع الثالث : فساد قيادة الجيش :

قد نخلص في هذا المؤلَّف إلى نتيجة مؤدّاها أن قيادات الجيوش العربية تعاني من فساد شديد ، تكمن أسبابه في مكانتها المميزة في المجتمع ، وفي تحكمها في عناصر القوة المادية في الدولة ، وقربها من النظام السياسي بل واندماجها فيه وسيطرتها عليه ، ومن شأن ذلك الفساد متعدد الأسباب أن يؤدي إلى إخفاق الجيوش العربية في تحقيق أي من أهدافها .

لقد سيطرت قيادات الجيش اليمني عليه باعتباره جيشاً خاصاً ، وتحكمت في ميزانياته ، وفي المعونات التي تأتي إليه من الخارج ، وبصفة خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نظير تصديه للجماعات المتطرفة .

لقد تأثر الجيش اليمني بشكل واضح بآفتي القبلية وفساد قياداته ، وكذلك باستهلاكه في حرب الجماعات المتطرفة ، وأغلب الظن أن فساد قيادات الجيش لم يكن من الأسباب الرئيسة في قيام الثورة في اليمن .

Exit mobile version