رئيس سابق بـ”إف بي آي” يكشف سبب الإخفاق في الكشف عن عمر متين

إذا ما تابعت الشبكات الاجتماعية حول موضوع مكتب التحقيقات الفيدرالية والإرهاب ستجد موضوعين أساسيين يسيطران على الساحة في حالة وقوع أي حادث إرهابي بالولايات المتحدة.

 

يتحدث عن الموضوع الأول أصحاب نظرية المؤامرة ونشطاء الشبكات الاجتماعية المناهضين لإنفاذ القانون، الذين يؤكدون أن مكتب التحقيقات الفيدرالية يفبرك الجرائم الإرهابية للإيقاع بالأبرياء، خاصة من الشباب المسلم. وتلك جرائم لا يستطيع الإرهابيون المزعومون اقترافها دون مساعدة أحد مخبري مكتب التحقيقات الفيدرالية، وفقاً لما نشرته مجلة Foreign Policy الأميركية.

 

هذا السيناريو يقول إن المكتب الفيدرالي يقوم بمساعدة منفذ الهجوم، ويقود الإرهابي المسكين من يديه عبر مراحل التخطيط مروراً بالحصول على السلاح وفي النهاية سحب الزناد، وحينما يتم القبض على الإرهابي، يتحدث بعض الفئات من العامة والصحافة والنقاد عن كيفية إساءة مكتب التحقيقات لسلطاته في اقتياد شخص بريء.

 

أما الموضع الثاني الذي يسيطر على الساحة فيكون عادة على غرار “إذا كنت تعرف بأمر هذا الإرهابي وتحريت عنه، فلماذا لم يتم القبض عليه ومنع وقوع هذا الاعتداء البشع؟”.

 

تم تناول هذا الموضوع مراراً وتكراراً خلال التحريات حول تفجير ماراثون بوسطن، حينما تم الكشف عن سعي الشرطة الروسية وراء الحصول على معلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالية حول أنشطة تامرلان تسارنيف في أميركا. وظن البعض أنه يتعين على مكتب التحقيقات الفيدرالية مواصلة التحري عن تسارنيف لحين الكشف عن مؤامرة بوسطن.

 

الأمر بالطبع ليس بهذه البساطة. فمكتب التحقيقات الفيدرالية لا يسيطر تماماً على تحقيقات العمليات الإرهابية المحلية. ويتكرر نفس الجدل حالياً في أنحاء البلاد بعد التأكد من قيام المكتب الفيدرالي بالتحري عن عمر متين – ليس مرة واحدة، بل مرتين – على مدار السنوات الماضية حول أي أنشطة إرهابية. وعلى غرار تسارنيف، لم يتم القبض على متين وتم إغلاق القضيتين لعدم وجود أدلة.

 

أهذا يرجع إلى إخفاق مكتب التحقيقات الفيدرالية في التحريات؟ أو ربما يرجع إلى عدم قدرته على التوصل إلى الأدلة اللازمة للتحري عن إرهابي محتمل؟

 

بصفتي رئيس سابق لفريق عمل مكافحة الإرهاب في سياتل، أعرف مسبقاً أن كلا الأمرين غير صحيح، حيث يتم إجراء مئات من عمليات التقييم والتحريات المبدئية والتحقيقات الكاملة سنوياً بمكتب التحقيقات الفيدرالية بنية منع أي اعتداءات إرهابية. ومع ذلك، لم يتم التحقيق في العديد من القضايا الأخرى ببساطة لأنه مع وجود “دليل التحقيقات والعمليات المحلية” الحالي، يفتقر مكتب التحقيقات الفيدرالية إلى وجود سبب محتمل لمواصلة عمله.
السبب المحتمل

ويتم الحد من قدرة مكتب التحقيقات الفيدرالية على التحري في أي قضية جراء شروط “السبب المحتمل” لفتح تحقيق كامل، الذي نص عليه التعديل الرابع في الدستور. ويعد السبب المحتمل معتقداً قائماً على حقائق تؤدي بأي شخص عادي إلى الاعتقاد بأن شخصاً ما قد اقترف أو يعتزم ارتكاب جريمة. وهو المعيار الذي يتم من خلاله الحصول على كافة صلاحيات الشرطة في الولايات المتحدة.

وبدون السبب المحتمل القائم على الحقائق، لا يستطيع مكتب التحقيقات الفيدرالية فتح أي قضية أو إصدار أمر تفتيش أو اتخاذ أي إجراء قانوني آخر. وقد تم إغلاق التحقيقات في قضيتي متين حينما قرر مكتب التحقيقات الفيدرالية أنه لم يقترف أي جريمة ولم يعتزم اقتراف أي جريمة في المستقبل. ويتطلب ذلك عملاً واضحاً من جانب متين. ومع ذلك، يظل شخصاً يحظى باهتمام العديد ممن يعرفونه، بما في ذلك زملاء العمل والرفاق.

 

يعد الافتقار إلى السبب المحتمل عاملاً هاماً. لقد كان هو العنصر الذي منع مكتب التحقيقات من وضع النقاط على الحروف في هجمات 11 سبتمبر/أيلول. فقد ذُكر أن زكريا موساوي كان يريد أن يتعلم قيادة طائرة من طراز جامبو، لكنه لا يريد تعلم كيفية الإقلاع أو الهبوط، وكان ذلك الأمر يثير قلق معلميه.

 

ومع ذلك، لم تكن تلك الشكوك كافية لتمكين مكتب التحقيقات من الحصول على أمر قضائي بتفتيش محتويات حاسبه الآلي، الذي كان من الممكن أن يتضمن دليلاً على المؤامرة.

 

وبسبب قضية موساوي، فإن يمكن القول إنه بمرور الوقت ستنقضي قضية سيد فاروق وتاشفين مالك في سان برناندينو وقضية متين حالياً نتيجة فقرة السبب المحتمل اللازمة في قضايا الإرهابيين، خاصة حينما يدعو تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بكل جرأة لتنفيذ اعتداءات على الأهداف المدنية الأميركية.

 

ومن ناحية أخرى، يذكر مؤيدو الخصوصية والقيود الدستورية المفروضة على صلاحيات الشرطة أنه لا يوجد مبرر لتغيير المعايير وأن هؤلاء الذين يضحون بالخصوصية من أجل السلامة لا يحظون بأي منهما. فالمشكلة كما شاهدنا في أورلاندو تتمثل في أن الثمن المدفوع جراء الإخفاق في التحريات يكون باهظاً.

 

فلماذا إذن كان من الصعب التوصل إلى السبب المحتمل كي نعتقد أن متين اقترف أو أوشك على اقتراف جريمة؟ ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”:

 

ذكر مكتب التحقيقات الفيدرالية يوم الأحد أن متين خضع للتحقيقات في قضيتين مختلفتين. وفي كلا القضيتين، قام عملاء المكتب باستجوابه. وفي عام 2013، تم استجوابه بسبب “تعليقات تحريضية.. تزعم إمكانية وجود علاقة له بإرهابيين”، بحسب ما ذكره رون هوبر من مكتب التحقيقات الفيدرالية.

 

من بعدها جرى تحقيق آخر مع متين في العام التالي على خلفية الاشتباه بصلته بمنير محمد أبوصالحة الذي كان أول أميركي ينفذ هجوماً انتحارياً في سوريا (فقد كان كل من الرجلين متين وأبوصالحة من مواطني بلدة فورت بيرس بفلوريدا)؛ بيد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يستطع التثبت من مزاعم عام 2013 وخلص إلى أن الصلات بين الرجلين كانت “ضئيلة” ولا خطر أو تهديد فيها.

 

إغلاق القضيتين جاء لعدة أسباب منشؤها القيود الداخلية المفروضة على تحقيقات الإف بي آي؛ حيث يمنع على الإف بي آي فتح تحقيق مع أشخاص لمجرد حريتهم في الكلام والتعبير، أي أنه لا يمكن فتح وإجراء تحقيق كامل لمجرد أقوال الناس حتى لوكان ما قالوه هو مبايعة جماعة إرهابية كتنظيم داعش والإعلان عن ولائهم لها. كل ما يحق لمكتب التحقيقات الفيدرالية فعله هو إلقاء نظرة في إطار ضيق على السجلات العامة والأمنية وإجراء مقابلة مع الشخص. أما أساليب التحقيق غير العادية مثل التنصت وعمليات التخفي السرية والاستهداف بالوشاة فهي كلها خاضعة لقيود غياب السبب المحتمل لتوجيه الاتهام وفتح تحقيق شامل.
مسألة الخصوصية

هناك سبب آخر لعل مردّه إلى القضية الأخيرة العالقة بين الإف بي آي وشركة آبل حينما اخترقت الإف بي آي هاتف الآيفون الخاص بسيد فاروق (منفذ هجوم سان بيرناردينو). فلو كان فاروق على اتصال بإرهابيي باريس قبل اعتدائه في سان بيرنادرينو ولو كانت اتصالاته مراقبة لتمكنا ربما من منع ذلك الهجوم ودرئه. ومع أن وكالة الأمن القومي تراقب الكثير من منصات الجهاديين على الإنترنت إلا أن بعض الاتصالات تظل مشفرة وخارج إطار صلاحياتهم وإمكاناتهم.

 

ستكشف التحقيقات مستقبلاً ما إذا كان متين قد استخدم التشفير أو مواقع شبكات اجتماعية مشفرة للاتصال بداعش التي زعمت مسؤوليتها عن الهجوم، لكن الزمن وحده كفيل بإثبات ذلك. لكن الكثيرين مازالوا يعتقدون أن حقوق الخصوصية والتشفير أهم من إنقاذ حياة البشر. في رأيي أرى أن التشفير القابل للفك هو المفتاح لهزيمة تنظيم داعش وغيره من إرهابيي الداخل المحليين تماماً مثلما كان الوضع أثناء الحرب العالمية الثانية في ساحتيها الأوروبية وفي المحيط الهادي. علينا تعزيز وتفعليل قدرة الإف بي آي لتلج إلى اتصالات الإرهابيين المشتبه بهم، نزولاً عند أمر رقابي قضائي صادر عن المحكمة خاضعٍ لقانون مراقبة الاستخبارات الخارجية.

 

ثمة العديد من النقاط القانونية والدستورية والمتعلقة بالخصوصية التي تؤيد فرض القيود الصارمة على صلاحيات “إف بي آي” في إجراء تحقيق عن الإرهاب؛ ولعل أقوى تلك النقاط هي تلك التي يتذرع بها اليمين المحافظ فضلاً عن اليسار التقدمي أيضاً. ولكن مع تزايد أعداد الإرهابيين الذين ينجحون في الاختباء عن أعين إف بي آي في وضح النهار وعلى مرأى منها ومسمع باستخدام تقنيات التشفير وما شابه، فلعل الوقت قد أزف الآن لإعادة النظر في إجراءات “الاعتقال بناء على خلفية سبب محتمل” بغية السماح بفتح التحقيقات لدى الاشتباه في حالات إرهابية.

 

فات الأوان الآن على ضحايا أورلاندو، لكن تغييراً في المستقبل حول صلاحيات إف بي آي في فتح تحقيق شامل قد يسهم في منع حوادث وهجمات إرهابية مستقبلاً. ولعل الوقت قد حان كي نعود إلى إجراءاتنا قبيل حادثة 11 سبتمبر/ أيلول في التحقيق مع الإرهابيين، خاصة إن كنا سنحكم على أداء إف بي آي مستقبلاً من خلال قدرته على منع الهجمات الإرهابية محلياً.

“فورين بوليسي- ترجمة وتحرير هافينغون بوست”..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى