كشف علاء الأسواني، الأديب والروائي المصري المؤيد للنظام الذي يقوده عبد الفتاح السيسي عن خطاب يتضمن معلومات خطيرة عن سبع طرق يتم بها حاليا إدارة المشهد السياسي والإعلامي بمصر، وإخضاع المصريين لما تريده لهم الأجهزة المخابراتية.
ووصف الأسواني الخطاب بأنه “سري للغاية”، وقال إنه عثر عليه بالصدفة (!)، وأن مضمونه يفسر أشياء كثيرة تحدث في مصر، وضمنه مقاله الذي نشره بموقع الإذاعة الألمانية “دوتشه فيله” (DW عربية)، الثلاثاء، حيث تم تبادله بين قياديين بجهاز مخابراتي رفيع المستوى.
ولم يكتب “الأسواني” مقدمة للمقال، لكنه نشر نصه كاملا، منبها، عبر حسابيه بموقعي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، إلى خطورة محتواه، ومؤكدا أن الخطاب يوضح: “لماذا يسمح الجهاز (المخابراتي) بنقد الوزراء في التليفزيون؟ ومن يحرك مشايخ السلفية؟ وما تعليمات الجهاز للإعلاميين المتعاونين معه؟ وما الهدف من التركيز الإعلامي على مسلسلات رمضان؟”، وفق تساؤلاته.
والخطاب بتاريخ الأول من تموز/يوليو الحالي، وهو موجه من العقيد مدير إدارة الإعلام بجهاز مخابرات مصري، إلى اللواء نائب رئيس الجهاز، دون أن يحدد الأسواني اسم الجهاز، وحاذفا منه، في الوقت نفسه، كل الأسماء التي وردت فيه.
خطاب سري للغاية: 7 إجراءات للتحكم بالمصريين
وجاء المقال بعنوان: “خطاب سري للغاية”، كاشفا عن الإجراءات التي يلجأ إليها الجهاز “المخابراتي”، وعددها سبع، من أجل تعزيز صورة رئيس الانقلاب أمام الرأي العام، مقترحا أن يتناول السيسي الغداء مع أسرة مصرية بسيطة، على أن يتم تصويره، وهو يتحدث معهم كأنهم أبناء له، أو أن يقوم باتخاذ أي قرار بخفض أسعار بعض السلع (ولو مؤقتا)، أو يسلم الفلاحين صكوك تملك أراض، أو يسلم قاطني العشوائيات مساكنهم الجديدة، وفق الخطاب.
وتضمنت الإجراءات السبع: توجيه الإعلاميين المتعاونين مع الجهاز المخابراتي للتركيز في برامجهم على الإنجازات الكبرى التي يُزعم أن السيسي حققها خلال عامين، وتوجيه البرامج التليفزيونية من أجل التركيز على أغرب الحوادث، وذلك بهدف دفع الرأي العام إلى حوارات خلافية خارج السياسة، بحسب الخطاب.
وأشارت الرسالة المخابراتية إلى توجيه الإعلاميين أيضا من أجل التركيز على أحداث المسلسلات، وكذلك توجيه نجوم السينما ولاعبي الكرة المشهورين من أجل الحديث عن إنجازات السيسي “العظيمة”، علاوة على السماح بنقد الوزراء في بعض البرامج الحوارية عن طريق ضيوف مختارين، ومداخلات معدة سلفا، لترسيخ فكرة أن التقصير ليس من السيسي، وإنما من معاونيه، الذين لم يرتقوا لمستوى قدراته.
وأشار الخطاب أيضا إلى أنه نتيجة لخطورة الدور الذي تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) تم توجيه الإعلاميين للتركيز على قصص الخيانات الزوجية التي حدثت بسبب “فيسبوك”، وأنه تم توجيههم كذلك من أجل تكذيب التقارير الدولية التي تتحدث عن التعذيب، والتأكيد أن المساجين في مصر يحظون بمعاملة مثالية مميزة، وفق الخطاب.
نص الخطاب بحسب الأسواني
“في أعقاب ثورة 30 يونيو المجيدة، تمكن الإعلام الوطني من كشف الحقائق، وتأكد شعبنا المصري العظيم أن الإخوان المسلمين إرهابيون وخونة، كما أن العناصر الأثارية التي تسببت في أحداث يناير 2011 ليسوا إلا مجموعة من العملاء لأجهزة مخابرات غربية قبضوا أموالا بهدف إسقاط الدولة”.
وأضاف الخطاب: “بعد أن عرف الشعب الحقيقة احتشد وراء القائد الرئيس السيسي الذي تمتع بشعبية غير مسبوقة، لكن للأسف نقلت لنا تقارير الرأي العام مؤخرا مؤشرات مقلقة عن تنامي الغضب الشعبي نتيجة ارتفاع الأسعار المتزايد للخدمات والمواد الغذائية بالإضافة إلى أزمات أخرى يعاني منها المواطنون مثل تسريب امتحان الثانوية العامة والبطالة وانقطاع الكهرباء والمياه عن مناطق عدة”.
وحذر الخطاب من أن “هذا الغضب قد يؤثر – لا قدر الله – على شعبية سيادة الرئيس مما جعلنا في إدارة الإعلام نتخذ الإجراءات التالية”.
وأورد الخطاب الخطوات كالتالي: “أولا: توجيه الإعلاميين المتعاونين مع الجهاز للتركيز في برامجهم على الإنجازات الكبرى التي حققها سيادة الرئيس خلال عامين مثل قناة السويس الجديدة والعاصمة الجديدة والطرق الجديدة، على أن تتم استضافة لاجئين من سوريا والعراق حتى يحكوا عن معاناتهم وتشردهم بعد تدمير بلادهم، الأمر الذي سيدفع المشاهدين إلى المقارنة بين حالة مصر المستقرة برغم مشاكلها ومأساة تلك الدول التي سقطت في الفوضى.
ثانيا: من أجل دفع الرأي العام إلى حوارات خلافية خارج السياسة.. تم توجيه البرامج التليفزيونية للتركيز على أغرب الحوادث مثل حادثة بلطجية أجبروا رجلا على ارتداء قميص نوم حريمي، وزفوه في الشارع، وحادثة الرجل الذي قتل زوجته لأنها أصرت على استعمال “فيسبوك” وغيرها.
كما تم توجيه مشايخ السلفية (وكلهم متعاونون مع الجهاز) من أجل إثارة قضايا فقهية خلافية فطرحوا مسائل مثل: هل يجوز للمسلم اعتبار خادمته في المنزل ملك اليمين، ونكاحها بدون عقد؟ هل يجوز للمسلم أن يتزوج من طفلة لم تبلغ المحيض على أن يقضى وطره منها بالمفاخذة دونما إيلاج؟
وبناء على توجيهنا استضافت البرامج الحوارية مؤيدين ومعارضين للقضايا السابقة ثارت بينهم نقاشات مطولة على قنوات عدة.
ثالثا: الدراما التليفزيونية تقوم بدور مهم في توجيه الرأي العام، وقد تمت مراجعة مسلسلات رمضان في إدارة الإعلام للتأكد من مطابقة موضوعاتها للأولويات الوطنية.. في الوقت نفسه، تم توجيه الإعلاميين من أجل التركيز على أحداث المسلسلات، واستضافة الممثلين في برامج طويلة، ومناقشتهم في أدوارهم، وذلك لجذب أكبر عدد من الجمهور لمشاهدة المسلسلات.
رابعا: تم توجيه نجوم السينما ولاعبي الكرة المشهورين من أجل دعم الدولة، واستجابوا جميعا فأدلى أكثر من ممثل ولاعب كرة بتصريحات شكروا فيها السيد الرئيس على إنجازاته العظيمة، واعتبروا رئاسته منحة إلهية لمصر؛ لأن نبوغه كقائد لن يتكرر.
خامسا: تم السماح بنقد الوزراء في بعض البرامج الحوارية عن طريق ضيوف مختارين، ومداخلات معدة سلفا، من أجل ترسيخ فكرة أن التقصير ليس من الرئيس، وإنما من معاونيه الذين لم يرتقوا لمستوى قدرات سيادته الفذة.
سادسا: نتيجة لخطورة الدور الذي تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) في التحريض ضد الدولة تم توجيه الإعلاميين للتركيز على قصص الخيانات الزوجية التي حدثت بسبب “فيسبوك”، وقام فضيلة الشيخ “…..” بتحذير المسلمين من أخطار “فيسبوك”. كما أن المغني “….” استجاب لتوجيهنا، وحذر معجبيه الشباب من استعمال “فيسبوك” لأنه مضيعة للوقت.
سابعا: توجيه الإعلاميين من أجل التغطية الصحيحة للإجراءات التي تتخذها الدولة مثل تكذيب كل التقارير الدولية التي تتحدث عن التعذيب، والتأكيد أن المساجين في مصر يحظون بمعاملة مثالية مميزة”.
وتابع الخطاب: “عندما تم ترحيل الإعلامية اللبنانية (….) من مصر كانت توجيهاتنا للإعلاميين أن يناقشوا ترحيلها باعتباره إجراء قانونيا لا علاقة له بمواقف المذيعة السياسية، بينما وجهنا أعضاء اللجان الإلكترونية فكتبوا أن المذكورة عميلة للموساد، وتدربت في إسرائيل على التجسس (لمنع أي تعاطف معها)”.
وأضاف الخطاب: “سيادة اللواء (….): بالإضافة إلى الإجراءات السابقة، ومن أجل تعزيز صورة سيادة الرئيس أمام الرأي العام، نقترح أن يتناول سيادة الرئيس الغداء مع أسرة مصرية بسيطة، ويتم تصويره، وهو يتحدث معهم كأنهم أبناء له، أو أن يقوم سيادة الرئيس باتخاذ أي قرار بخفض أسعار بعض السلع (ولو مؤقتا)، أو يسلم الفلاحين صكوك تملك أراض، أو يسلم قاطني العشوائيات مساكنهم الجديدة.. في انتظار تعليمات سيادتك.. العقيد (…)”.
واختتم الخطاب بملحوظة تقول: “بالنسبة لموضوع المذيع “….”، الذي تم الاستعلام عنه من مكتب سيادتكم.. نفيدكم أن المذكور من المتعاونين مع الجهاز، وقد قمنا بتصعيده حتى أصبح له برنامج يومي شهير يدر عليه دخلا كبيرا، لأننا أوصينا صاحب القناة بمنحه نسبة من إيراد الإعلانات. وقد حصل المذيع المذكور على قطعة أرض أربعين فدانا في الساحل الشمالي من أحد البنوك الحكومية ثم امتنع عن دفع الأقساط المستحقة عليه فاتخذ البنك إجراءاته لاسترداد الأرض.. المذكور يلح بشدة علينا حتى نتدخل لتسوية مشكلته مع البنك.. رأينا في الإدارة أن نتدخل مراضاة لهذا المذيع، لأنه يؤدي في برنامجه دورا وطنيا مهما في فضح العملاء والخونة.. بالطبع يظل القرار النهائي لسيادتك”.
وفي الختام علق “الأسواني” على الخطاب بالقول: “طبق الأصل (بعد حذف الأسماء)”، مشددا على أن “الديمقراطية هي الحل”.
نشطاء ومراقبون: التسريب يخص من؟ ولماذا؟
إلى ذلك تتبع عدد من النشطاء ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية، محتوى البرامج الإعلامية والحوارية بالقنوات المصرية، خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، مقارنة بما جاء في الخطاب.
ولاحظوا التطابق التام بين الواقع، والمحتوى الإعلامي الذي يتم تقديمه، عبر وسائل الإعلام المصرية، بهدف إلهاء الشعب المصري عن القضايا الكبرى، عبر طرح موضوعات وقضايا صغيرة وتافهة، مثل تلك التي أشار إليها الخطاب.
وفسر مراقبون تسريب الوثيقة بأنه يأتي في إطار معاودة الصراع بين الأذرع الأمنية للعسكر، مرجحين أن الخطاب المسرب إما يخص المخابرات الحربية، وإما يخص جهاز الأمن الوطني (“أمن الدولة” المنحل).
ولاحظوا أن “الإخوان إرهابيون، وثوار يناير عملاء”، كلما جاء ذكرهم دوما في خطابات العسكر المسربة، مما يكشف حقيقة مواقفهم، وخبيئة نفوسهم، الممتلئة بالعداوة والحقد، تجاه ثورة يناير، ومنتسبي التيار الإسلامي في البلاد، وفق وصفهم.