هكذا خطّطوا لاحتلال العراق بحرب نووية ثانية في التاريخ !
إذا كانت الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في التاريخ التي استعملت السلاح النووي لضرب هيروشيما وناغازاكي ، حتى تُسرّع بإنهاء الحرب العالمية الأولى ، فإنها هي نفسها أيضا كانت الأولى التي استعملت “النووي “المتطوّر” حتى تُسرِّع عملية احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني.
رُبّ قائل أنها استعملت القنبلة الذرّية في المرّة الأولى بينما استعملت الهيدروجينية أوالنيوترونية في الثانية وهناك فرق بين هذه وتلك . والحقيقة أن الثلاثة من عائلة واحدة هي النووي ، وإن اختلفت كل منها عن الأخرى في كيفية إطلاق طاقتها إما بالإنشطار أو بالإنصهار ، والخبراء العسكريون أدرى منا بتفاصيل ذلك . ولكن ، ما حكاية هذا النووي المتطور؟ متى بدأت فكرة تطويره وكيف .. وأي هدف محدد بالإسم كان وراء هذا التطوير ؟
إذا عدنا إلى العام 1991 ، وتحديدا إلى ما بعد انتهاء حرب “تحرير” الكويت على الفور لطالَعنا جملة من التسريبات التي بدأت تتوارد حول نيّة الولايات المتحدة اعتماد خطة جديدة لتطوير طاقم حديث من الأسلحة النووية وُصَفـت وقتها بـ “الصغيرة” ، من أجل استخدامها في ردع القوى التي تعتبرها إدارة بوش إما ضمن “محور الشر” ، أو تشكّل خطرا على العالم بسلاحها التدميري .
وسرعان ما تحوّلت هذه التسريبات إلى معلومات تناقلتها وسائل الإعلام حول قُرب عقد مؤتمر علمي خاص للخبراء العسكريين الأميركان في مقر القيادة الاستراتيجية بنبراسكا ، من أجل اعتماد هذا الطاقم من السلاح النووي في عمليات الجيش الأميركي بدل الأسلحة التقليدية . إلا أن أحدا يومها لم يُفصح عن الهدف الحقيقي أو المقصود من وراء هذه التسريبات ، وهل هي إنذار علني مسبق لسائر الدول تحسبا من الذراع الأميركية الطويلة ، أم أنها لمجرد الإرهاب واللعب بأعصاب أبناء البلد الذي سيستهدفونه بهذا السلاح كهدف أول ، وقد ذكروه وقتها بالاسم على الملأ وهو… العراق!
تجميد الفكرة عشر سنوات لأسباب إنتخابية
.. ومرت السنين دون أن يُعلَن عن أي خطوة تنفيذية في هذا الإتجاه ، حتى فاجأتنا وزارة الدفاع الأميركية في مطلع العام 2001 بإصدار تقرير حول هذا المشروع يحمل عنوان ” جديد برنامج الأسلحة النووية الأميركية” ، وقد تضمن ترجيح البنتاغون احتمال استخدام سلاح “صغير” ومتطوّر من هذا السلاح الفتاّك في ردع الدول التي يمكن أن تُشكّل تهديدا للأمن القومي الأميركي”!” .وحدَّدها بسبع دول ــ ستة منها للتمويه ــ وهي : روسيا، الصين، العراق، كوريا الشمالية، سورية، ليبيا، و… إيران .
وقد أكد هذا الترجيح يومها مسؤول مكتب نزع السلاح في الخارجية الأميركية جون بولتون ـ الذي أصبح بعدها مندوبهم في الأمم المتحدة ـ قال فيه لصحيفة “واشنطن بوست” بتاريخ 22 شباط / فبراير 2002 أن إدارة بوش عازمة على استعمال هذا النوع من السلاح النووي في “حالات معينة” ، ذلك لأن استبعاد استعماله أصبح غير ذي معنى بعد كل الذي حدث في 11 سبتمبر 2001.
وذهبت مجلة “إكزاكتيف إنتِليجَنس” إلى أبعد من ذلك بنشرها بحثا مفصّلا تضمّن المزيد من المعلومات التفصيلية حول هذا التوجّه ، كشفت عن أن ديفيد وورمستر نائب مسؤول مكتب نزع السلاح في الخارجية الأميركية قد ساهم شخصيا مع ريتشارد بيرل الذي يوصف بأمير الظلام ــ وهو عضو المعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي ورئيس المجلس الاستشاري للجنة السياسات العسكرية ــ في إسداء النصيحة الخطية في رسالة مصاغة على شكل خطة مرحلية قُدّمت لبنيامين نتانياهو في العام 1996 ، حين كان وقتها أيضا رئيسا لوزراء إسرائيل . وتقضي هذه الخطة بضرورة الإسراع في شن حرب استباقية ضد السلطة الفلسطينية ، بعد إلغاء الاتفاقات المعقودة معها وفي مقدمتها اتفاقية أوسلو . كما تتضمن ــ فوق ذلك وأغرب منه ــ حثّ نتانياهو على حثّ الولايات المتحدة بضرورة البدء بهجوم واسع ضد العراق في الوقت نفسه!
طبعا، إذا لم يكن غريبا على الصهاينة الأميركان أن يندفعوا نحو “نصح” الكيان الصهيوني بالاستعجال في شن حرب ضد الفلسطينيين ، فإن من غير الطبيعي ولا المعقول أن يقوموا بنصح نتانياهو على تحريض بلدهم الولايات المتحدة ــ وهُم من أكابر المسؤولين فيه ! ــ باتجاه شن حرب مماثلة ضد العراق في الوقت ذاته تؤدي إلى اسقاط نظامه الوطني!
أما الأغرب من هاتين الحالتين فيعكسه إسراع بوش الإبن بإلموافقة على اعتماد السلاح النووي ضد ما يُسمى بأسلحة الدمار الشامل ، والمصادقة على هذا القرار قبل أسبوعين فقط من حلول الذكرى الأولى لأحداث 11 سبتمبر ، فضلا عن إصدار توجيه رئاسي به يحمل الرقم 17 ، تحت عنوان “حول الأمن القومي”.
وسرعان ما بدأ الحديث بعد ذلك عن قرب وضع هذا التوجّه الذي أُعلِن عنه قبل عشر سنوات موضع التنفيذ العملي ، من خلال عقد مؤتمر علمي للعسكريين والخبراء في نبراسكا يعتمد كيفية إدخال السلاح النووي كركن أساسي في ترسانة الجيش الأميركي.وتم تحديد موعده في شهر آب . أغسطس من العام 2002 . وقد كررت وسائل الإعلام القول وقتها بكل صراحة أن مثل هذا السلاح سيجري اعتماده بشكل خاص في الحرب المزمع شنها ضد العراق ، وحّدّت مهمته الأساسية نصّا بعد ذلك على الفور بـ ” ضرب المخابئ والملاجئ ومخازن الذخيرة والسلاح التي يُشاع أن العراق قد هيّأ لها أماكن آمنة في باطن الأرض بحيث لا يستطيع سلاح التدمير التقليدي النيل منها”!
دور ديك تشيني والمافيا المعادية للعراق
هذه المعلومات قد تبدو للبعض جديدة ، لكن الحقائق الموثقة تؤكدها ، فقد تناقلتها بعض الأوساط المطلعة ، كما نُشِرت جوانب منها في وسائل الإعلام الغربية وعدد محدود من العربية ، وهي تؤكد على أن التفكير الجدّي نحو إنتاج جيل جديد من الأسلحة النووية قد بدأ فعلا منذ العام 1991 .
يومها كان ديك تشيني وزيرا للدفاع ، وكان هو المحرّض الأول على وضع مثل هذا المشروع فور انتهاء “عاصفة الصحراء” وسقوط الإتحاد السوفييتي ، وظهور مستجدات كرّست الولايات المتحدة كقطب أوحد في هذا العالم . وقد ساعده في ذلك عدد من أكبر العاملين في البنتاغون عداء لأمتنا ، منهم بول ولفويتز نائب وزير الدفاع ، وزلماي خليل زاده المبعوث الأميركي الخاص للتعامل مع عملاء السي آي إي ممن كانوا يسمونهم بالمعارضة العراقية . غير أن الرئيس الأميركي بوش الأب أوقف العمل بهذا المشروع قبل أن يخرج إلى النور في العام 1992 ، لا حُبّا بالسلام ولا رغبة في تخفيف حدّة الهمجية لديه ، بل بناء على نصائح تلقاها من أقرب المقربين إليه كجيمس بيكر ، في الوقت الذي كان فيه على أبواب مرحلة انتخابية جديدة تستدعي الجنوح إلى التهدئة لتحسين الوضع الإقتصادي وليس العكس ، أملا في أن يفوز بمرحلة رئاسية ثانية .
لكن بوش لم ينجح أمام منافسه الديمقراطي بيل كلينتون ، ومع ذلك استمر ديك تشيني يعمل على ضخ الأوكسجين في شرايين مشروعه ليبقى حيا ، وإن اضطر إلى ركنه في أدراج مكتبه حتى شاءت ظروف “الديمقراطية الأميركية” عودة الجمهوريين من جديد وتَبوُّء بوش الإبن ، الرئيس المتهوّر المهووس بقوة بلاده سدّة الرئاسة في مطلع العام 2001 ، ثم اختياره ديك تشيني نائبا له . فكانت فرصة ذهبية لهذا الأخير كي يُخرِج مشروعه القديم من الأدراج وينفض عنه الغبار ويأخذ طريقه نحو الاهتمام الجدّي والوضع موضع التنفيذ سريعا جدا … تلبية لرغبة المافيا المتصهينة !
هكذا مرّت مرحلة حرق المراحل التي خططوا لتنفيذ هدفها النهائي قبل ربع قرن من اليوم ، وقد جعلتنا ننام ونصحو ونحن نردد ما يردده غيرنا حول استخدام قوى العدوان في حربها الاحتلالية للعراق القنبلة الهيروجينية والنيتروجينية والإشعاعية ــ وهذا صحيح ــ لكن ، دون أن نفصح أو نسمّي بكل صراحة ما يُرعب العالم ويذّكره ناسهُ بهيروشيما وناغازاكي ،لأن أحدا في هذه الدنيا لم يُسَمّه بالوضوح المطلوب . وهو أن هذه الحرب كانت الحرب النووية الثانية في التاريخ التي شنتها دولة الإجرام الأكبر في هذا العالم بالتعاون مع تابعها توني بلير . وأنها قد استعملت فيها جيلا جديدا من السلاح النووي الذي قاموا بتطويره خصيصا لضرب العراق . وهذا كلامهم نصا وليس كلاما أقوله في لحظة انفعال أو رياء كعبارات الإنشاء المملّة التي يجترّها بعضنا في الأعياد والمناسبات ورسائل التهنئة والتبريك ، كما لو كنا في ذلك القُطرالعربي “الديمقراطي”الذي لا يُجيد غير النفاق واللعب على الحبال وفتح الصدور للملالي وعملائهم و.. المخفي أعظم!