قالوا له انت منا و نحن لك في كل حين، انت محسوب علينا، انت عارف بالنضال، و بفن السياسة أدرى العارفين ، نحن ندعوك بالوصاية ان تكون سائراً للجهاد،اليوم يوم الحصاد،هناك الكل بانتظارك انها ساعة الصفر و قد لاح بالأفق يوم النصر المبين.
قال: أنا ؟ و ما لي من هذه الدنيا بعد ان وهبت كل علمي و اجتهادي باخلاص و ضمير، و نذرت ايام عمري ساكباً من ندى النفس مشاعر حبي و امتناني لكل من سار معي على مواطيء اشواك الدرب الطويل.
و في زوايا ذاكرة الفكر كنت للحق شادياً بصوت يعلو شاكراً بالامتنان مع الشاكرين.
قالوا: انت واحد منا، كنت لنا خير اخٍ على درب الثائرين و قدوة النضال و استقامة عدل الاحرار الساهرين.
قال : و أنا بباب الحكمة كنت ساهراً أعطى اليسير، و بالحلم أفنى الكثير، و بعنفوان عزم الشباب كنت غيث العطاء للظامئين و سراج نور خيرٍ و رشيد لمن بالهفوات تاهوا بعد ان اضلهم غِمام ضباب السبيل.
قالوا: انت منا في الصلاة و الصيام ، و اليوم محسوب علينا بقدسية العودة على طريق الأمال و الآلام للهداية لصراطنا مستقيم.
قال: أنا ؟ و الرسالات جامعات الوجود من ارض عاد و ثمود بجنة آدم لنوح و ابراهيم جدُ أجداد الجدود أني على وعد الوعود باقٍ على عهد العهود و للحق بالود ودود.
قالوا: انت لنا و اليوم محسوب علينا,انه يومٌ يدوي فيه صوت النفير، انت في سجن الولاة انت عبد و أسير، ها نحن في كل وادي ننادي و نستغيث لكسر غل قيد،و لالتأم جرح قيحٍ في جناحنا الكسير،
قال: هل هذا سر من أسرار الفؤاد ام انه علم دفين في قعر واد اديم ؟، حسبي الله و نعم الوكيل كنت بالأمس أحيا في صوامع عتمة و زنازين و كأني للجلاد عبد اتلوى في الظلام و قد لوى الجوع اضلعي و خنقت المنايا انفسي بينما أنتم نوحا تحت اقدام الطغاة و لهم سجداً مع الساجدين.؟
قالوا: نحن أبناء الولاة نجيد حكم الحفاة و نستخف قيد الغزاة و ان اردنا نعيد الحياة للرفاة الباليات من غمرة نوم المماة .
قال: يا لطيف الطف بالعباد و فقراء الرغيف واكفِ بخبز الكفاف كل طاهر شريف و اغث من كرم الغيث من عاف قليل العيش للعفاف بملئ قلب خفاق عفيف.
قالوا: انت معنا و لنا في الأعوام العجاف، إذا ما أجدبت رياض الدنيا في السهول و الوهاد و أصاب الرزق عقود الركود الممزوجة بالقحط و الجفاف.
قال: مهلاً اي فرقة في المشرق بهكذا عناد تنادي لكي تملئ سويعات العمر فرقة ترمي طوائف الأوطان بسهامٍ تُحرفُ آيات الكتاب, و تمحق رسالات السماء،و تكحل الأحلام بالجهل و تطلي أحداقٰ المستقبل بالسواد و تعفر الهاماتِ بالرماد،ثم بثقل جرجرة الأصفاد و سلاسل الأعناق تبيع ناصريها لقسوة الدهر و متبعيها لعبودية أعوام غمرت وجوههم بغبار ابعاد الغربة و البلاء.
قالوا:لا تخف نحن معك أخوة في الطريق، نبني لك في جنان الآخرة قصورٌ من ديباج و حرير، فيها حوريات عاريات و ينابيع رقراقة جاريات، و قوارير خمر طيبات من عيون ساريات صافيات كالدر سلسبيل.
قال: اه ما أطيب نعمة العيش مع هوى النفس بكرامة على بساط من صوف او حصير و ايام كد وجد و أمسيات بالكفاف مع صغاري،وليالي جميلات ساهرات دافئات على جنبات غدائر الدنيا يراودني السهاد و النعاس على نشوة عطر ورد نرجس و رياحين، تحت امان ظلال اغصان شجرة الحياة تداعبني في مضجعي نعومة أصابع الجنس اللطيف.
قالوا: و صدى الصوت يرجع من زوايا الجهل لقد أضل السبيل هذا العبد الذليل!كافر ملحد خارج عن الملة أفاك عميل،
قال: بالله عليكم هل عندكم من خبايا علم حِكمتكم و كنوز ثرواتكم و فسيح فردوس جنانكم للفقراء و المساكين في هذه الحياة الدنيا و لعبيد الأيام التي جرعت كأس خل البؤس و شبعت مرار خبز الشقاء قليلٌ من نعيم جنات الاخرة التي هي لكم مستقر و انتم تحت ظلالها و من سخاء قطوفها الجناء آمنين مخلدين ؟!
لم يبقى لصدى الصوت الا تمتمة مبهمة كهمس الموت دحرتها الغباوة و همهمة تتلاشى في فضاء ظلمة الجهل،الى الجحيم، كافرٌ ملحد خائن بائع الضمير.