الإعدام في الوطن العربي: كيف تتخلص من المعارضة في خطوة واحدة

By Published On: 7 أغسطس، 2016

شارك الموضوع:

نشر موقع “اضاءات” تقريرا موسعا عن حالة الاعدامات في الوطن العربي أشار فيه إلى العام الماضي 2015 يعتبر من أعلى الأعوام خلال ال 25 عامًا الماضية في حصيلة المتوفون جراء الخضوع لعقوبة الإعدام على مستوي العالم، فتشير منظمة «العفو الدولية» إلي أن 1643 تم إعدامهم، وتأتي «المملكة العربية السعودية» في المرتبة الثالثة على مستوي العالم في تنفيذ عقوبة الإعدام، بالإضافة إلي أن أعلي حصيلة في المعدمين كانت من نصيب دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

يدور جدالًا واسعًا بين فريقين حول عقوبة الإعدام، فالفريق الأول يري ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام مستندين إلي أنه لا يجوز لأحد أن يسلب حياة شخص آخر حتي ولو كانت الحكومات في سعيها لتطبيق العدالة من منظورهم، بينما يؤمن الفصيل الآخر أن عقوبة الإعدام تعتبر الرادع الوحيد لجرائم معينه مثل القتل.

 

كما يتمسك بالإعدام فصيل آخر باعتبارها جزء من الشريعة الإسلامية، إلا أن أعداد الدول التي لجأت في إلغاء عقوبة الإعدام بالتوقيع على البروتكول الملحق بالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الخاصة بإلغاء عقوبة الإعدام في إزدياد، فهناك 60 دولة فقط هي من تبقي على عقوبة الإعدام في قوانينها وفقًا إلى «المرصد العربي لمناهضة عقوبة الإعدام». أما باقي الدول فتنقسم إلي دول ألغت العقوبة تمامًا وأخري ألغتها بالنسبة للجرائم العادية والبعض الآخر لم يلغها من القوانين إلا أنها لم يعد يطبقها بعد.

 

من الصداقة لحبل المشنقة: العلاقة بين ناصر وقطب

يدخل إلي قاعة المحكمة مرتديًا بذلته محاطًا بعدد من ضباط الشرطة منتظرًا بدء محاكمته العسكرية، على خلفية اتهامه هو وآخرون من جماعة الإخوان المسلمون بالتخطيط لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، فيدخل إلي قفص الاتهام ويجلس ليستمع إلي حكم الإعدام الصادر بحقه في حالة من غضب الكثيرين. حيث في 29 أغسطس/ آب 1966 تم تنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب بعدما اتهمه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بأنه يدبر مع مجموعة من جماعة الإخوان المسلمين – التي كانت في ذلك الوقت من أشد المعارضين لسياسات عبد الناصر- محاولة اغتيال له.

 

على الرغم من إعدام سيد قطب إلا أن ذلك لم يوقف جماعة الإخوان المسلمين عن استكمال معارضتهم للأنظمة الحاكمة ومحاولة الوصول للسلطة

 

على الرغم من توتر العلاقة بين قطب وعبد الناصر في فترة ما قبل الإعدام إلا أنه كان من أقرب المقربين لمجلس قيادة الثورة عقب اندلاع حركة الضباط الأحرار، فكتب قطب الكثير من المقالات التي تدعو الشعب لمساندة حركة الضباط الأحرار وتم العرض عليه كثيرًا أن يتولى منصبًا هامة في الدولة إلا أنه كان يرفضها، ويقول سيد قطب في علاقته مع الضباط الأحرار «استغرقتُ فى العمل مع رجال ثورة 23 يوليو 52، حتى شهر فبراير/شباط 1953. عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير، ومنهج تكوينها، وحول مسائل أخرى فى ذلك الحين، لا داعى لتفصيلها». ويضيف قطب: «كنت أعمل أكثر من اثنتى عشرة ساعة يوميا، قريبا من رجال الثورة».

 

ولكن سرعان ما تبدلت تلك العلاقة؛ وفي إبريل/نيسان 1954 كانت أول المرات التي اعتقل فيها سيد قطب مع بعضٍ من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، حينما اشتد الخلاف بينهم وبين عبد الناصر ليستمر ذلك الاعتقال لمدة شهرين.

 

ثم تم اعتقال قطب مرة أخري وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا على خلفية حادث المنشية في أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام، إلا أنه خرج من سجنه بعفو طبي رئاسي بعدما توسط له الرئيس العراقي عبد السلام عارف، وفي أثناء وجود قطب في السجن بدأ في كتابة سلسلة من الرسائل التكفيرية التي يكفر بها الحاكم والشعب، مما زاد من شدة الخلاف بين قطب والنظام الحاكم، ليحكم عليه بالإعدام ظنًا من النظام الحكام بأن ذلك سوف يوقف رسائله ودعوته التي تقوم على تكفير النظام الحاكم والمجتمع.

 

من الاستقلال لحبل المشنقة: إعدام عبد الخالق محجوب

«لي اعتراض لا يتعرض لشخصك ، ولكن هذه المحاكمة سياسية . ورئيس المحكمة ذو اتجاه سياسي ينتمي للقوميين العرب . هذا الاتجاه الذي دفع البلاد في طريق شائك ولم يتفهم الأبعاد الوطنية والتقدمية للحزب الشيوعي . ولي اعتراض على العضوين الآخرين اللذين لا اعرفهما ، ولكن يستطيع رئيس المحكمة التاثير عليهما . إن اعتراضي لا ينصب على الأشخاص وإنما يتعلق بطبيعة المحاكمة والأحداث السياسية والصراع الذي وقع بين الاتجاه القومي العربي والاتجاه الشيوعي الديمقراطي».

كان محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي منذ عام 1952 وحتي إعدامه عام 1971، مما جعله من أشد معارضين  نظام النميري

بتلك الكلمات بدأ «عبد الخالق محجوب» المعارض السوداني الشيوعي وقائع الدفاع عن نفسه أمام المحكمة العسكرية التي عقدت له في 27 يوليو/ تموز 1971 على خلفية اتهامه المشاركة في انقلاب الرائد «هاشم عطا» ضد الرئيس «جعفر النميري»، ليحكم عليه بالإعدام ويتم تنفيذ الحكم في اليوم التالي للمحاكمة.

 

كان محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي منذ عام 1952 وحتي إعدامه عام 1971، مما جعله من أشد معارضين  نظام النميري. وتم اعتقاله ونفيه إلي مصر على إثر نشاطه السياسي المعارض على الرغم من أن حزبه كان من المقربين إلي نظام النميري عقب انقلابه عام 1969، إلا أن النميري أخذ في حظر نشاطات الأحزاب وإبعاد ممثلي الحزب الشيوعي من المشهد مما دفع الحزب إلي إصدار بيان في 19 يوليو/ تموز 1971 يدعو فيه إلي إسقاط نظام النميري.

 

ويبدو أن ذلك البيان كان إشارة انقلاب هاشم عطا المحسوب على الشيوعين، إلا أن النميري استطاع السيطرة على الأوضاع بالبلاد في ثلاثة أيام فقط. وقام بعدها بمحاكمة محجوب وعطا وآخرين وحكم عليهم بالإعدام، على أمل إسكات أصوات المعارضين عمومًا والشيوعين خصوصًا.

 

وعلى الرغم من إعدام محجوب ورفاقئه إلا أن حركة الانقلابات لم تتوقف ضد النميري، ففي عام 1975 قاد المقدم المحسوب على التيار الإسلامي «حسن حسين» انقلابًا فاشلًا ضد النميري انتهي بإعدامه رميًا بالرصاص، وفي عام 1977 كانت هناك محاولة انقلاب فاشلة أيضًا، لتشتعل ثورة شعبية عام 1885 ضد حكم النميري، مما دفع وزير دفاعه المشير «حسن سوار الذهب» لمساندة الثورة والإطاحة بحكم النميري.

 

الإعدام بنكهة طائفية بالسعودية

«آل خليفة (حكام البحرين) ظلمة والسنة بريئة منهم.. هؤلاء مو (ليسوا) سنة.. هؤلاء طغاة. آل الأسد فى سوريا ظلمة والتشيع بريء منهم. لا ندافع عن ظالم ولا يجوز للمظلوم أن يدافع عن ظالم» كانت تلك الكلمات من نمر باقر النمر في يوليو/ تموز 2012.

 

اعتقل النمر عام 2012 بعدما أيد احتجاجات نشبت بمنطقة «القطيف» بالمنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية بالسعودية

 

واعتقل النمر عام 2012 بعدما أيد احتجاجات نشبت بمنطقة «القطيف» بالمنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية بالسعودية، والتي كانت تنادي بإنهاء التهميش الواقع عليهم وإعطائهم حقوقًا أكثر، وفي عام 2014 صدر حكم الإعدام بحق النمر لينفذ عام 2015.

 

وأعدم «نمر النمر» عام 2016 -المعارض السياسي لحكم أسرة «آل سعود»- بعدما وجهت إليه تهم تتعلق بالإرهاب وإثاره الفتن بين المواطنين السعوديين، حيث لا يقتصر إعدام المعارضة في الوطن العربي على سبب الأشكال السياسية التقليدية لمعارضة الحكومات المختلفة، بل تمتد أيضًا لتشمل شكلا أخر من الطائفية وهو ما تجده عنوانًا للمملكة العربية السعودية.

 

العراق وإعدام نواب المعارضة

يبدو أن الأمر في العراق تعدي فكرة المعارضين السياسيين الذين يقبعون خارج السلطة، فيمتد الأمر إلي إعدام النواب المعارضين بالبرلمان، ففي يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تم الحكم على النائب السني أحمد العلواني والذي تم اتهامه بالقتل العمد لجنديين عراقين، إلا أن الأمر يثار حوله الشكوك حينما يتم تتبع مسيرة العلواني.

 

ينتمي العلواني لقبيلة البو علوان وهي أكبر العشائر السنية في منطقة الأنبار، ولعب دورًا محوريًا في دعم الاعتصامات المناهضة لحكومة نوري المالكي

 

ينتمي العلواني لقبيلة البو علوان وهي أكبر العشائر السنية في منطقة الأنبار، ولعب العلواني دورًا محوريًا في دعم الاعتصامات المناهضة لحكومة نوري المالكي الشيعية، وصدر أمرًا باعتقال العلواني عقب دعمه لتلك الاعتصامات واستخدمت قوات الاعتقال القوة في محاولة اعتقاله حيث تم تبادل النيران بين القوات والعلواني فأصابت النيران أحد أفراد الجيش والذي على أثره تم الحكم على العلواني بالإعدام.

 

لم يكن إعدام العلواني هو نهاية الأمر في منطقة الأنبار، فبعد إلقاء القبض عليه قامت حكومة المالكي بفض الاعتصام الذي كان يدعمه العلواني مما أدي عنه زيادة الاشتباكات بين الفريقين فأصبحت الفرصة سانحة أمام تنظيم داعش ليفرض سيطرته على منطقة الرمادي.

 

الإعدام للترهيب السياسي

تنتهج الدول العربية عقوبة الإعدام كوسيلة للترهيب السياسي، ففي عام 2014 أصدرت أحدي المحاكم المصرية حكم إعدام بحق 183 من أعضاء ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين في قضية الهجوم على أحد أقسام الشرطة «بالمنيا»، وهو ما رأته منظمة العفو الدولية سعيًا لقمع المعارضة.

 

وفي عام 2015 قامت الجزائر بإصدار 62 حكمًا بالإعدام وهو ما تراه العفو الدولية وسيلة لترهيب وتهديد المعارضة على الرغم من عدم تنفيذ أي حكم من تلك الإحكام، وعلى الرغم من أن هناك دول عربية لم تطبق عقوبة الإعدام مثل لبنان والمغرب وتونس إلا أن جيبوتي هي الدولة العربية الوحيدة التي نصت قوانينها على إلغاء عقوبة الإعدام.

 

وبالرغم من تجميد الأردن للعمل بعقوبة الإعدام منذ عام 2006، إلا أنها عادت لتطبيقها عام 2014 لتعدم 11 شخصًا متهمة إياهم بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب. وفي إبريل/نيسان 2015 تم إعدام 600 سجين بسجن الناصرية وحده بالعراق.

 

وبالرغم من الإعدامات المتعددة للمعارضين بالدول العربية المختلفة، إلا أن المعارضة السياسية استمرت في التواجد وبقوة مثلما تواجدت حالة عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي، فعلى سبيل المثال لم تتوقف جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1966 عن معارضة النظام في مصر على الرغم من وجود لحظات توافق بينهم.

 

حيث أن الإعدامات المتكررة لا تُرعب أصحاب الفكر المعارض من نفس الفصيل للصادر بحقهم حكم الإعدام أو الفصائل الأخرى، حيث لا يمكن إيقاف الفكر والسياسة عن طريق العقوبات الجنائية والقمع، فكلها وسائل لا تؤدي إلا لزيادة تمسك أصحاب تلك الرؤي المعارضة والمختلفة -عن رؤى النظم الحاكمة- بأفكارهم؛ لنصرة قادتهم حينًا وللانتقام لرفقائهم الذين تم إعدامهم في أحيان أخرى.

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment