“أم الدنيا” في عهد السيسي .. الدولة تطحن الفقراء واللحم والدجاج هاجس الغلابة “تقرير”

By Published On: 15 أغسطس، 2016

شارك الموضوع:

تعود “أم أشرف” لمنزلها يوميا بحوزتها 15 جنيها حصلت عليهم جراء بيع الجرائد والمناديل. تحاول السيدة الخمسينية تدبير أمورها بالقليل، تشتري الخُضر مرتين بالأسبوع، أما الدجاج أو اللحم فبالكاد تحصل عليهم مرة كل شهر.

 

صدرت منذ أسابيع دراسة جديدة عن مركز التعبئة والإحصاء تقول إن “أكثر من 50% من الشعب المصري يتناولون أجنحة الدجاج والهياكل مرتين على الأقل أسبوعيا” ما يدل على الفقر الشديد.

 

وفيما تزداد الأسعار ضراوة تظل كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي تتردد حول الفقراء، إذ كرر بأكثر من لقاء دعمه لهم، قائلا في إحدى اجتماعاته برئيس الوزراء: “استمروا فى رعاية الغلابة علشان أنا حاسس بيهم قوى”.

 

الدراسة التي صدرت عن التعبئة والإحصاء، لم تركز فقط على الدجاج، فكشفت أن رؤوس الأسماك، وعظام الماشية متواجدة على طاولة الأسرة المصرية أيضا، وأنه بسبب انعدام الغذاء السليم يعاني أكثر من خُمس المصريين من مرضين أحدهما مزمن والآخر غير مزمن.

 

لم تكن هياكل الدجاج التي يُحضرها “كريم-بائع نعناع في الشارع- لأسرته مرتين في الأسبوع سوى أمر يضطر للجوء له. الأسعار تتفاوت من بائع لآخر، حسبما يروي الشاب الثلاثيني لمصراوي، قد تصل أحيانا إلى 11 جنيها لكيلو الهياكل وتنخفض حتى ثمانية جنيهات، لكن في جميع الأحوال “أنا بفاصل مع البياع”، فهو يسعى لتوفير كل قرش.

 

الرقابة تتراجع

تلك النسبة التي رصدتها الدراسة لم تُفاجئ عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، فيعتبر أن ذلك ناتج طبيعي للفقر، مضيفا لمصراوي أنه ليس ثمة أضرار ناتجة عن تناول هياكل الدجاج أو الأجنحة، حتى “أرجل” الدجاج تُصدرها مصر للصين بكميات وفيرة. لكن المشكلة هي فرم الهياكل وبيعها للمواطنين دون رقابة. فتناول تلك الهياكل المفرومة قد ينتج عنه أمراض خطيرة، لأن بعض الدجاج يكون غير صالح للاستخدام الآدمي، أو مُنتهي الصلاحية.

 

في السابع والعشرين من مارس الماضي، قدّم رئيس الوزراء شريف إسماعيل رؤية الحكومة المصرية للاقتصاد، وأكد في كلمة ألقاها أمام البرلمان أن الفقراء ومحدودي الدخل لن يتأثروا ببرامج الإصلاح الاقتصادي، موضحا أن الحكومة لديها أولوية للفئات التي تحتاج لرعاية، فتبني برامج اقتصادية توفر الحماية الاجتماعية المناسبة، وتتخذ الإجراءات التشريعية اللازمة لذلك. في حين حذر عدد من النواب أن تلك الإجراءات الحكومية ستمس محدودي الدخل والفقراء.

 

منذ 18 عاما تقبع “أم أشرف” أسفل كوبري المريوطية بالهرم، بعد وفاة زوجها تاركا خمسة أبناء تعين عليها رعايتهم. ورغم أنها استطاعت تربية الأبناء-أكبرهم عمره 34 عاما- إلا أن أسعار السلع لم تسمح لها بأكثر من حد الكفاف.

 

تعتبر “أم أشرف” أن تصريحات مسئولي الدولة رنانة “عايزين نشوف تغيير مش مجرد كلام حلو ووعود مبتحصلش”. تدخل السيدة في نقاشات عديدة-رغم عدم استطاعتها الكتابة والقراءة- مع ابنها الذي يخدم بالجيش الآن، فيخبرها أن الدولة معذورة بسبب عدد المواطنين الكبير، وأنه لولا الحكومة والرئيس لكان الوضع أسوأ، لكنها ترد قائلة: “طب ما دة واجبهم إنهم يهونوا الحياة على الناس.. مش كفاية الغلا اللي عايشين فيه”، لكنها رغم اختلافاتهما، تنتظر بفارغ الصبر الأيام الذي يأتي فيها للقاهرة كي تطبخ له “الزفر”، بعد “تحويشة” تبلغ قيمتها 50 جنيها. وعندما لا يكون موجودا تُصبح أجنحة الدجاج والهياكل بديلا جيدا لحد ما.

 

كيف تطحن الدولة الفقراء

“سياسة الدولة تجاه الفقراء” هي السبب الرئيسي للدراسة الصادرة عن التعبئة والإحصاء. كما يشير محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء. مضيفا لـ”مصراوي” أن ثمة ضغط على الطبقة الفقيرة بسبب الضرائب المتكررة عليهم ومتوسطي الحال، فالدولة -بحسب العسقلاني- خفضت 40% لمصانع الغاز، وقرابة 20% لمصانع الحديد ورجال الأعمال، قائلا “الدولة عملت عجين الفلاحة للأغنياء، وكل ما يحصلها عجز في الموازنة تلجأ لجيوب الفقراء، وكل حاجة عمالة تغلى على الفقير، فهيجيب فراخ إزاي”.

 

يعيش “كريم” برفقة سبعة من إخوته بالإضافة لوالديه. في رمضان الماضي وصل ارتفاع سعر الهياكل والأجنحة إلى الذروة “كانت بـ11 جنيه ومبنعرفش ننزل سعرها”، يتحسس الشاب حديثه حين يروي عن معاناته الشهرية كي يوفر بضع جنيهات فائضة ليحصل على الأجنحة، يخجل قليلا من شرائه “بواقي” الدجاج، عالما أن ثمة بدائل أفضل متمثلة في الأسماك، القليلة الثمن لحد ما، لكنه أيضا لا يستطيع معها صبرا. من جانبه يضيف “العسقلاني” أن فترة حكم مبارك أجهدت الفقراء والطبقة المتوسطة، بالإضافة إلى الخمس سنوات التي عقبت الثورة، وارتفاع الأسعار أزال كل الحماية للطبقة الفقيرة.

 

“الغلابة دول عمري كله”.. كانت تلك الكلمات هي رد الرئيس “السيسي” على سؤال وجهه له المذيع عمرو أديب، خلال اتصال هاتفي ببرنامج “اليوم”، قائلا للمذيع إنه لن يقبل منه توصية على “الغلابة”.

 

من 30 إلى 40 كيلو من الهياكل يبيعها عيد سالم بشكل يومي خلال عمله بمنطقة السيدة عائشة بالقاهرة في محل يملكه الحاج “زين” المعروف هناك ببيع “العفش؛ ذلك الاسم المتداول بين بائعي الدجاج عن الهياكل والأجنحة. الرقم الكبير للكيلوات يعبر عن الإقبال على تلك الأجزاء من المواطنين الذين يجدون فيها رمق من رائحة “الزفر”، تغنيهم عن ارتفاع أسعار الدجاج التي تتراوح بين العشرين والخمسة وعشرين جنيها للكيلو الواحد.

 

نكهة “العفش” بثمن بخس

“مرات ابني بتقولي الهياكل والأجنحة دول عيبة عندنا في البيت.. بس بقولها إننا ملناش حاجة بدالهم”. حين تضطر “أم أشرف” لشرائهم مرتين تقريبا في الأسبوع، تطبخ بعض الملوخية والأرز ولا تستخدم “الشوربة”، إذ لا تُفضل طعمها كثيرا، لكنها تضع “بواقي” الدجاجة في الملوخية لتُعطي النكهة، أو على حد قولها “زي ما المثل بيقول.. بِر الكلب بعضماية”، وإن كان “كريم” يشتري الأجنحة بسعر زهيد لحد ما، فالسيدة الصعيدية تشتريها بـ13 جنيه لكيلو الهياكل، وثمانية عشر جنيها للأجنحة “سعرها غلي من ساعة رمضان ومرجعش”.

 

كانت أسعار تلك الأجزاء لا تزيد عن 10 جنيهات للكيلو الواحد فيما قبل، لا تفاصل ابنة سوهاج مع البائع حين تذهب إليه، لكن مع كل زيادة في السعر تتحس محفظة أموالها القليلة، لتعرف هل سيتبقى معها ما يكفي العودة للمنزل وشراء باقي الاحتياجات أو استكمال الشهر أم لا.

 

يرجح رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” أن عدد الفقراء سيزداد في المستقبل، نتيجة الضرائب التصاعدية وارتفاع الدولار. مضيفا أن الدولة مطالبة بتقديم عدالة ضريبية “هل من العدل أن يدفع الفقراء والمعدمين 60% من الضرائب، و30% تدفعها الشركات الكبرى، والأغنياء 10% فقط”.

 

وفي نفس السياق يقول رئيس شعبة الدواجن إن ارتفاع سعر الدولار يذبح المواطن، لأن 70% من الأعلاف التي تتغذى عليها الدواجن يتم استيرادها من الخارج، فتتأثر بشكل مباشر بسبب الدولار، ما يجعل المزارع ترفع السعر وكذلك التُجار والبائعون، ويحصل المواطن في النهاية على مُنتج بسعر مرتفع حتى ولو كان يشتري هيكل الدجاجة أو الأجنحة.

 

الحل في يد البرلمان

وأكد “العسقلاني” أن هناك مخاطبات من قبل جمعية “مواطنون ضد الغلاء” وغيرها من الكيانات المستقلة للبرلمان المصري -الذي يرى أن في يده الحل لتلك الأزمات- من أجل تطبيق قانون حماية المنافسة وقانون حماية المستهلك، وأن يلزم الدولة بألا تضع تسعيرة لا تتوازن وحاجة الفقراء.

 

وفيما وجه “العسقلاني” رسالة للرئيس قال فيها “هناك مسئولون لا يشغلهم إلا أن يطحنوا الشعب المصري”، تمنع “أم أشرف” عن نفسها الدجاج، معتمدة على الطعام الذي يوزعه أهل الخير في الشارع “لو جالي وجبة أكلها وأروح البيت شبعانة عشان أوفر لعيالي”، ورغم أن ذلك يؤذيها أكثر من شراء الهياكل إلا أنها حرصت دائما ألا تُشعرهم بضيق الحال “لو رجعت في يوم بعشرين جنيه ونفسهم في فرخة بجيبلهم”.

 

“فيه ناس بتاكل رجول الفراخ من الجوع”.. يتهكم ياسر محمد فور سماعه عن إحصائية الجهاز الخاصة بطعام المصريين. بيديه كان يقوم بتنظيف دجاجة تلو الأخرى داخل محله الصغير في مصر القديمة. يبيع يوميا ما لا يقل عن 10 كيلو من هياكل وأجنحة “تقريبا الكيلو من 5 إلى 7 جنيه”، والبعض يأتيه طالبا “أرجل” الدجاج، فيعيطها لهم دون مقابل.

 

ترى “أم أشرف” أداء الحكومة من نظرتها الخاصة “يعني انا الكشك بتاعي اتحرق في الثورة.. وأديلي خمس سنين بجري وراهم ومحدش مهتم”، تعتقد أن حل مشاكل الفقراء يبدأ من النظر لظروفهم بعين الرحمة، سواء من خلال الأسعار أو تنفيذ مطالبهم البسيطة. خسائر البيع تحاربها بشراء البقول إن وجدت أسعار الخُضر مرتفعة، تضحك بأسى قائلة “دة الكرنب وصل لـ13 جنيه الواحدة..”، أما “زين” صاحب محل الدجاج، فُيشفق على الزبائن الذين يرجونه إعطائهم كيلو من الهياكل أو الأجنحة دون مقابل مؤقتا حتى تتوفر الأموال فيقول لنفسه “الناس تعبانة.. لو مكلوش هياكل هيسفّوا التراب”.

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment