قال الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة رئيس تحرير صحيفة “الأهرام” السابق، إنه “كُتِب علينا أن نعيش مدى الحياة فى ضنك وفقر وقرف وظلم، بحجة أننا حاربنا سنة ٤٨ و٥٦ و٦٧ و٧٣، مش هانِخلص، الاقتصاد سيئ، أصلنا كُنا بنحارب، التعليم سيئ، أصلنا كنا بنحارب، المرور سيئ، أصلنا كنا بنحارب، الفساد، أصلنا كنا بنحارب، المحسوبية، أصلنا كنا بنحارب، التخلف، أصلنا كنا بنحارب، رغم أن آخر حرب خاضتها مصر مضى عليها ٤٣ عاماً”.
وأضاف سلامة خلال مقاله بصحيفة “المصري ” الثلاثاء، أن هذه الأعوام، فى عُمر أى اقتصاد، كفيلة بالصعود به إلى السماء، إذا كانت هناك الإدارة الرشيدة، ولنا فى النموذجين الألمانى واليابانى الأسوة الحسنة، فقد خرجت الدولتان من الحرب العالمية الثانية مدمرتين إلى الحد الذى لا يجوز معه أى عمليات إنقاذ، إلا أنه بعد مرور عشرة أعوام فقط كانت صادرات الدولتين فى أسواق العالم، ثم توالت التحديات والإنجازات، إلى أن أصبحتا بعد عشر سنوات أخرى من أقوى اقتصاديات العالم.
وأكد أنه “لم يعد مقبولاً بعد مرور ٤٠ عاماً على حادث ما، حتى لو كان التعرض للقصف النووى، أن يظل أى شعب يقبل باعتباره ذريعة للفشل مدى الحياة، لم يعد مقبولاً الاعتراف بالفساد، وفى الوقت نفسه الفشل فى مواجهته، لم يعد مقبولاً الانفراد بصنع القرار بمنأى عن الخبراء والمتخصصين، لم يعد مقبولاً فى أى مكان بالعالم القبول بحكم الهواة، أو المتسلقين، أو الطامعين فقط فى كرسى الحكم، الفهلوة والنحنحة فشلتا، كما منطق القوة، فى إدارة أصغر محال البقالة، كيف يمكن إذن أن تنجح فى إدارة شعوب، واقتصاديات دول، وعلاقات أمم مع بعضها البعض؟!”.
وقال سلامة: “بحسبة بسيطة، سوف نكتشف أن آخر الأجيال التى استوعبت مشاهد الحرب لدينا من كانت أعمارهم فى ذلك الوقت ١٧ عاما، أى أن أعمارهم الآن ٦٠ عاماً، أى خرجوا إلى المعاش، كيف يمكن أن يقضى الإنسان طيلة حياته ضحية لحدث، أو لحرب، لا تستطيع حكوماته المتعاقبة تجاوزها؟ كان يمكن للرؤساء السابقين، عبدالناصر والسادات وحتى بدايات حكم مبارك، التذرع بهذا الحدث، أو بهذه الظروف، إلا أنه لم يعد جائزاً أبداً ترديد هذه الذرائع الآن، خاصة أننا لا نتحدث هنا عن الحرب العالمية الثانية، التى استمرت ٦ سنوات، أو حتى الحرب العراقية- الإيرانية، التى استمرت ٨ سنوات، أو الحصار على هذه الدولة أو تلك الذى استمر أيضاً سنوات طويلة، نحن نتحدث عن حرب الأيام الستة”.
وشدد على أن الحرب على الفساد يجب أن تكون الأولوية الأولى فى منظومة أى حُكم،و وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب بديهيات طبيعية لأى قيادة تسعى للنجاح، الاستعانة بالخبراء والمتخصصين، واستيعاب الرأى الآخر، أهم عوامل التقدم، الاستفادة من الموارد الطبيعية للدولة، وثرواتها البشرية، دون تمييز، أول مقومات التطور، الرجوع للشعب فيما يتعلق بمستقبله، والحفاظ على ممتلكات الدولة، أمور نص عليها الدستور.
ونبه سلامة على أن الاستدانة لم تكن أبداً أحد مقومات النجاح أو التطور فى أى مجتمع، لأن السؤال التقليدى هنا هو: من أين سيسدد حال الاستدانة كل شهر؟ الوضع الطبيعى هو أن يعيش على حجم الدخل، عملاً بالنصيحة المصرية الشهيرة (على قد لحافك مد رجليك)، لأنه فى حالة استمراء الاستدانة لن يجد أمامه يوما ما سوى الانتحار، لعدم قدرته على السداد، هو فى العرف الدولى إعلان الإفلاس، قائلا: ” ترشيد الناس استهلاكها من الضرورى أن يقابله ترشيد حكومى، من وجوه كثيرة، بدءاً من عدد الوزارات والوزراء، الأعداد الكبيرة من المستشارين والمساعدين، الرجوع بسن معاش طبقات بعينها تميزت عن بقية أبناء الشعب، اقتصار الوظائف المدنية الكبرى على الموظفين المدنيين المتخصصين، من محافظين، ورؤساء شركات، والوظائف القيادية بالوزارات، إعادة النظر فى المكاتب الخارجية، وحجم التمثيل بها، والإنفاق عليها، بدءاً من السفارات، والمكاتب التجارية، والسياحية، والإعلامية، إعادة النظر فى طريقة التعيين والترقى فى كل المواقع، بدءاً من الالتحاق بكليات بعينها، وحتى الوظائف العليا، إعلاء شأن الإنسان باحترام حقوقه وحرياته.
واختتم مقاله قائلاً: ” لم يعد عصر الصواريخ الفشنك يصلح للبناء عليه باختراعات أخرى أكثر خداعاً وذرائع أكثر هزلاً، كما أثبتت سياسات الجباية والبحث عما فى جيوب المواطنين وممتلكاتهم طوال الوقت فشلها، إن فى مصر وإن خارجها، لا يجب أبداً أن نظل أسرى سياسة الأنين والتسول والاقتراض، الذى بدا واضحاً أننا نستمرئها، ليس ذلك فقط، بل نسعى إلى تصديرها للأجيال المقبلة”.