“وطن-رويترز” “الميناء البحري للدولة الإسلامية نقطة المغادرة إلى روما بإذن الله”.. الآمال الكبرى التي كانت تمثلها تلك الجملة المكتوبة على جدار قرب الواجهة البحرية لمدينة سرت الليبية تبدو خيالية الآن.
وبعد تعرضها لهزائم وتقهقرها أمام القوات المحلية على مدى ثلاثة أشهر وأمام ضربات جوية أمريكية منذ الأول من أغسطس آب توشك الدولة الإسلامية على خسارة المدينة التي فرضت عليها سيطرة مطلقة منذ العام الماضي.
لكن على الرغم من أن الهزيمة في سرت ستشكل ضربة قوية فإنها لن تكون نهاية تهديد المتطرفين والمتشددين في ليبيا. ويقول مسؤولون ومقاتلون إن بعض المسلحين المتشددين تمكنوا من الفرار من سرت قبل محاصرتها ومن المرجح أن يحاولوا استعادة أنشطتهم في أماكن أخرى من البلاد.
كما يمكن للمتشددين أن ينضموا إلى خلايا موجودة وفصائل مسلحة تنشط بالفعل في مناطق أخرى مع استمرار الانقسامات التي غذت التطرف في ليبيا من الأساس وقد يزداد الخطر أيضا نتيجة للحملة في سرت.
وأعطى مسؤولون القليل من التفاصيل عن مقاتلين متشددين اعتقلوا أو قتلوا في المعارك لتحرير سرت وقالوا إنهم يجدون صعوبة في تعقب المسلحين الذين يستخدمون هويات متعددة إضافة إلى قلة الموارد المتاحة لملاحقة وتوقيف الهاربين.
ووفقا لتقديرات محمد جنيدي وهو مسؤول في المخابرات العسكرية في مصراتة الواقعة غرب ليبيا فقد تمكن أكثر من عشرة من قادة المتشددين ومئات من صغار المقاتلين من الهرب.
وقال “هرب قادة مهمون من سرت… نعتقد أن هناك بعضا منهم في الصحراء وأنهم سيحاولون إعادة تنظيم صفوفهم ومواصلة العمل بذات الفكر.”
لكن جنيدي ومسؤولين آخرين قالوا إن ذلك لا يعني أن الدولة الإسلامية ستعاود الظهور علنا في مدينة ليبية أخرى. لكن بمقدور التنظيم شن هجمات انتقامية أو تمرد وإدارة خلايا نائمة في المناطق الحضرية وعقد تحالفات جديدة في المساحات الشاسعة في الجنوب.
وقال ماركو أرنابولدي وهو باحث في الإسلام السياسي ومتخصص في ليبيا “من أحد الأمور القليلة التي نعرفها حق المعرفة هو أن الدولة الإسلامية لا يمكنها مواصلة التصرف على أنها دولة حقا كما كانت تفعل من قبل.”
وسرت هي مسقط رأس معمر القذافي وكانت آخر مدينة كبرى تسقط في انتفاضة 2011 التي أطاحت به. وتقع سرت في وسط الساحل الليبي في منتصف الطريق بين مناطق سيطرت عليها حكومتان متنافستان في الشرق والغرب منذ 2014.
وسيطرت الدولة الإسلامية على سرت قبل عام ونصف العام فيما كانت الفصائل المتناحرة تتقاتل في أنحاء البلاد.
وكانت أغلب القوة العددية للتنظيم في ليبيا متمركزة في سرت والتي تضعها أغلب التقديرات قبل معركة سرت بين 2000 و5000 مقاتل. وفي مرحلة من المراحل اقترح مسؤولون غربيون أن سرت قد تصبح خيار التقهقر أمام المسلحين المعرضين للضغوط في المعارك في سوريا والعراق.
لكن الفرع الليبي من الدولة الإسلامية -والذي تم طرده مرة من قبل بالفعل من معقله السابق في مدينة درنة شرق البلاد- واجه صعوبات في كسب التأييد وجني أرباح والاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها.
وفي يناير كانون الثاني قام المتشددون المتمركزون في سرت بالتوسع نحو الشرق من الشريط الساحلي الممتد على مسافة 250 كيلومترا الذي يسيطرون عليه وهاجموا مواقع في الشرق لكن دون السيطرة على منصات نفطية كبرى.
وفي مايو أيار اندفعوا نحو تجمعات سكانية ونقاط تفتيش إلى الغرب مما استفز القوات المحلية للقيام بهجوم مضاد من مصراتة وبدء الحملة لاستعادة السيطرة على سرت.
أرض المعركة
سرت الآن ساحة معركة وأحياؤها المركزية المهجورة حاليا تشهد تبادلا لإطلاق النار بصورة متقطعة فضلا عن قذائف مدفعية والقتال من منزل لمنزل.
وفي أيام احتدام الاشتباكات وردت تقارير عن مقتل العشرات من الجانبين. ولا تتوافر أرقام دقيقة لأعداد القتلى من صفوف الدولة الإسلامية لكن القتلى في صفوف الكتائب التي تقودها مصراتة تشهد على قوة العدو مع مقتل أكثر من 350 شخصا وإصابة 1500 آخرين.
وأدى سقوط هذا العدد الكبير من القتلى إلى طلب ضربات جوية أمريكية مما حفز على تقدم القوات لكن ذلك التقدم أبطأته تفجيرات السيارات الملغومة وعمل القناصة المدربين جيدا والأنواع المتعددة من العبوات الناسفة بدائية الصنع.
ويخشى المسؤولون الليبيون الآن من أن مثل تلك الأساليب الدموية يمكن أن تستخدم في أماكن أخرى تشمل العاصمة طرابلس ومدنا أخرى في الغرب الليبي الذي شنت الدولة الإسلامية فيه هجمات من قبل.
وقال فتحي باشاغا وهو مسؤول أمني ينسق بين القوات في مصراتة وحكومة الوفاق التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس “الآن هم محاصرون ومن السهل هزيمتهم لكن بعد أن يهزموا بالتأكيد سينتقمون.”
وفي أقصى الغرب قد تحاول الدولة الإسلامية إعادة جمع صفوفها حول صبراتة وهي منطقة استخدمها متشددون تونسيون كمركز دعم وتدريب قبل مقتل العشرات في ضربات جوية أمريكية في فبراير شباط وفي اشتباكات في وقت لاحق مع قوات محلية.
وذكر تقرير للأمم المتحدة نشر الشهر الماضي إن بعض المقاتلين عبروا إلى تونس عقب الضربات بينما وجد آخرون ملاذا في صبراتة نفسها أو على سفوح جبال نفوسة إلى الجنوب. وقال التقرير إن الدولة الإسلامية “مازالت عاملة في المنطقة الممتدة بين طرابلس والحدود التونسية خاصة في المناطق الريفية.”
وفي ليبيا يقول مسؤولون إن المقاتلين الهاربين من سرت هربوا إلى الجنوب على الأرجح بما يضع احتمالات إعادة تقوية العلاقات بين الدولة الإسلامية والجماعات المتشددة الأخرى الموجودة في منطقة الساحل من بينها بوكو حرام في نيجيريا والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي والمرابطون وأنصار الدين.
وقال حسن كارا وهو قائد ميداني في سرت إن قادة كبار في الدولة الإسلامية “فروا من أرض المعركة في وقت مبكر جدا” وقال سكان في جنوب غرب ليبيا إن هناك متشددين هربوا عبر الصحراء نحو النيجر.
لكن الباحث أرنابولدي قال إنه يعتقد أن التقارير بشأن أعداد من فروا من سرت قد تكون مبالغا فيها. وأضاف أن مقاتلين تمكنوا من الهرب قالوا له أن ذلك لم يكن متاحا إلا لفترة وجيزة في بداية المعركة.
وقال تقرير الأمم المتحدة الشهر الماضي إن محاولات الدولة الإسلامية لاختراق شبكات التهريب في جنوب غرب ليبيا فشلت إلى حد كبير لكن في الجنوب الشرقي قام التنظيم “بإبرام اتفاق مع جماعات عربية مسلحة حول الكفرة لحماية قوافله” مما مثل “وجودا نشطا صغيرا” للتنظيم في المنطقة.
تساؤلات بشأن حفتر
في الشمال الشرقي قد تؤدي آثار القتال في سرت إلى تأجيج الصراع بين القوات الموالية للقائد العسكري في شرق البلاد خليفة حفتر- وهو معارض لحكومة الوفاق- وتحالفات هشة من مقاتلين يشملون إسلاميين موالين للدولة الإسلامية ولهم صلات بالقاعدة مثل أنصار الشريعة.
وبعض المتشددين من شرق ليبيا قد يعودون لبلداتهم من سرت. ولم تتمكن كتائب مصراتة التي شنت الحملة على سرت من الغرب من إغلاق الطرق التي تؤدي إلى خارج المدينة نحو الشرق إلا في يونيو حزيران.
وقال أحمد جرايمه وهو قائد ميداني من الكتيبة 166 من مصراتة والتي تتمركز حاليا على الجبهة الشرقية “سمعنا أن عناصر من الدولة الإسلامية تفر من تلك الجهة ولذلك تحركنا لإغلاقها.”
وقاتلت قوات حفتر إسلاميين في مدينتي بنغازي ودرنة في الشرق. وعلى الرغم من أن الموالين لحفتر أمنوا مناطق كبيرة من بنغازي إلا أن ضربات جوية وقصفا واشتباكات مازالت مستمرة في بعض الأحياء.
وقال ميلاد الزوي وهو متحدث باسم القوات الخاصة التابعة لحفتر لرويترز “يوجد خلايا نائمة في الشرق منها أجدابيا القريبة من محطات النفط والبيضاء حيث تقع الحكومة في الشرق.”
وأضاف “الدولة الإسلامية وغيرها من متشددين وجهان لعملة واحدة.”
ويقول معارضو حفتر إنه يبالغ في دور الدولة الإسلامية بين أعدائه والكثير منهم مقاتلون سابقون مناهضون للقذافي ولا صلات لهم بالمتشددين.
وسيكون النصر في سرت دعما قويا لحكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة والتي توجه اسميا الكتائب التي تقودها مصراتة لكن محاولتها لتشكيل قوات أمن موحدة وإنهاء القتال تعثرت.
وقال تقرير الأمم المتحدة إن استمرار الانقسامات السياسية قد يجعل الفصائل الليبية “تستغل الشبكات المتطرفة العنيفة في النزاع السياسي القائم.”