“وطن”-شمس الدين النقاز- في خطابه أمام البرلمان التونسي خلال الجلسة العامة الإستثنائية لنيل الثقة صباح الجمعة الماضي، أكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن عدم إيجاد حلول ناجعة سيدفع بالحكومة إلى تبني سياسة التقشف مما يعني تقليص حجم النفقات للدولة وتسريح آلاف الموظفين والترفيع في الضرائب.
لكن وبعد الجدل الكبير الذي خلفته تصريحات الشاهد، عاد الأخير في ساعة متأخرة من ليل الجمعة لنفي تصريحاته الصباحية والتأكيد على أن أولويات المرحلة القادمة هي إرساء منوال تنمية جديد موضحا أنّ حكومة الوحدة الوطنية لن تكون حكومة تقشف ولن تسرح الموظفين ومن أجل ذلك جاءت مبادرة رئيس الجمهورية قائلا “سوف أعطي كل الصلاحيات اللازمة لكل أعضاء الفريق ولكنني سأكون صارما معهم”.
تصريحات رئيس الحكومة الجديد الصباحية كانت الأقرب إلى الحقيقة وفق تأكيد خبراء اقتصاديين، وما لجوؤه إلى نفيها ليلا إلّا محاولة منه لطمأنة التونسيين وامتصاص الغضب الشعبي.
وتدليلا على صحّة تصريحات رئيس الحكومة المكلّف حول تسريح الموظفين، قال وزير النقل أنيس غديرة في تصريح لـ”رويترز” الإثنين، إن شركة الخطوط الجوية التونسية تعتزم تسريح ألف موظف أو ما يزيد على 12 بالمائة من موظّفيها القارين في إطار خطط رامية للإصلاح وتعزيز القدرة التنافسية للشركة.
وأضاف غديرة أنّ “تسريح الموظفين كان مخططا منذ أشهر في إطار خطة لإصلاح الشركة الوطنية وهو قرار جاء بعد اتفاق مع النقابات لخفض التكاليف وتعزيز التنافسية.
وأوضح أنّه سيتم في مرحلة أولى تسريح 400 موظف اختاروا الخروج طوعا مقابل تعويضات.
فرضية التقشف تبقى فرضية محتملة
وعن التقشف وتسريح الموظفين الذي أعلن عنه “الشاهد”، قال الخبير الإقتصادي وليد بن صالح إنّ فرضية التقشف تبقى فرضية محتملة جدّا إذا بقيت الوضعية على ما هي عليه وأنّ جملة من العوامل في 2017 ستجعل الحكومة تتخذ إجراءات تقشف.
وكشف بن صالح في حديث لصحيفة “الصباح الأسبوعي”، أنّه لتفادي التقشف لا بد أن تصل نسبة النمو إلى 4 أو 4.5% حتى تتراجع كتلة الأجور عن 14% من الناتج المحلي الخام، ولتفادي سياسة التقشف فمن الضروري الإستثمار في الإدارة التونسية من خلال تطوير آليات عملها والإتجاه نحو اعتماد التكنولوجيات الحديثة وتسهيل الخدمات والحدّ من البيروقراطية بل والأهم هو إعادة توزيع الموظفين بما يتماشى مع إمكانياتهم وما يتماشى مع متطلبات الإدارة.
ويرى مراقبون أن سياسة التقشف التي تنوي الحكومة الجديدة تطبيقها سببها ضغوطات من منظمات التمويل الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
صندوق النقد الدولي يأمر والحكومة تنفّذ
وكشفت مصادر بوزارة المالية أن الحكومة ستجد نفسها في مواجهة منظمات التمويل الدولية نتيجة الكم الهائل من الإنتدابات التي عرفها القطاع العام خلال السنوات الماضية وعدم التزام الحكومة التونسية بما تعهدت به سابقا، خاصة مع صندوق النقد الدولي، بشأن تخفيض عدد العاملين في القطاع العام وتخفيض عبئ الأجور المؤثر على مجمل التوازنات المالية.
ووفق ما أفادت به ذات المصادر في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط، فإن ضغط صندوق النقد الدولي من أجل تحديد عدد الموظفين في القطاع العام بسقف أقصى لا يتجاوز 500 ألف موظف فحسب، والسعي العاجل لتخفيض إجمالي الأجور على المستوى المحلي بنحو 12 في المائة، حتى يتمكن الصندوق من مواصلة ضخ التمويلات إلى الاقتصاد التونسي الذي يعاني من التباطؤ وتراجع الصادرات.
ووفق ذات الصحيفة فإن تونس تنتظر إفراج صندوق النقد الدولي عن القسط الأول من قرض مالي مخصص لها خلال سنة 2016 ومُقدر بنحو 319.5 مليون دولار، إلا أن كل المفوضات التي أجرتها الهياكل الحكومية التونسية لم تؤت أُكلها حتى الآن، بعد أن نوهت مصادر من وزارة المالية التونسية إلى تعطل هذا القرض، ويعود هذا التأخير إلى عدم قدرة تونس على الالتزام بتعهداتها وأبرزها الحفاظ على مستوى الأجور في حدود 13.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات ببلوغها 14.9 في المائة، ما جعل صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر، علاوة على عدم استكمال تونس عمليات الإصلاح المالي والهيكلي للإقتصاد التونسي.
وفي سياق متّصل، أكد وزير المالية السابق حكيم بن حمودة أن سياسة التقشف لن تكون ناجعة في تونس ولم تكن كذلك حتى بالنسبة للدول الأوروبية بل أثبتت أن لها انعاكاسات وخيمة على الشأنين الإجتماعي والإقتصادي.
وأضاف بن حمودة في تصريحات لصحيفة “الشروق” التونسية أنه على الشاهد قبل التفكير في الذهاب إلى هذه السياسة يجب التفكير في الحلول التي من شأنها حلّ المشاكل والصعوبات قبل تعميقها فهذه السياسة ستؤدي إلى تراجع النمو والتشغيل وتفاقم البطالة وأنه يمكن للدولة أن تضغط على بعض مصاريفها لكنها في المقابل عليها إيجاد موارد استثنائية لعودة النمو إلى النسق المتدفق وخلق مواطن شغل.
سياسة التقشف غير ضرورية
من جهته، أكّد الخبير المالي مراد حطاب أن سياسة التقشف غير ضرورية إذا ما تم اتخاذ جملة من القرارات العاجلة منها مراجعة ظاهرة التوريد العشوائي في بلادنا في حين أن سياسة التقشف ستكون تداعياتها وخيمة على الشأن الإجتماعي وتهديد الإستقرار السياسي وتساهم في تراجع نسق النمو وارتفاع عدد العاطلين عن العمل مؤكدا أنه يجب تجنب هذه السياسة والعمل على حماية القطاعات الوطنية وترشيد التوريد والإستهلاك ومراجعة ما يعرف بـ”التهريب المقنن” والتحكّم في الواردات والعمل على استغلال منتدى الإستثمار خاصة أن أصدقاء تونس وعدوا بالإستثمار بما يقدر بـ6 مليارات دولار.
ويرى عدد من الخبراء أن حديث الشاهد عن صعوبة الوضع الإقتصادي وإمكانية اللجوء إلى سياسة التقشف في غير محلّه لأنه شكل حكومة تتكون من 40 وزيرا (26 وزيرا و14 كاتب دولة)، حيث أن هذا العدد يعتبر ضخما لدولة تتكون من 11 مليون نسمة بالإضافة إلى ما سيترتب عنه من نفقات إضافية، ذاكرين أمثلة لدول أخرى على غرار فرنسا التي يبلغ عدد سكانها 53 مليون نسمة وعدد وزرائها في حكومة مانويل فالس 16 وزيرا وإنقلترا البالغ عدد سكانها 62 مليون نسمة ولها 12 وزيرا.
من جهته رفض الإتحاد العام التونسي للشغل المنظمة النقابية الأكبر في تونس، تصريحات رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي إنه على حكومة الشاهد البحث عن حلول أخرى لإنقاذ تونس من الوضع الإقتصادي الخانق الذي تعيشه دون اللجوء إلى التقشف على حساب الشغالين والفئات الهشة.
وأوضح “العباسي” في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد استدرك بخصوص تصريحاته المتعلقة باتباع سياسة التقشف وتسريح الموظفين والتفويت في بعض المؤسسات العمومية.
يذكر أن عدد موظفي القطاع العام في تونس يقدّر بنحو 630 ألف موظف، إلا أن بعض هياكل المجتمع المدني المتابعة للإنتدابات المتكررة تقول إن العدد يفوق الـ650 ألف موظف، الرقم الذي يفوق طاقة بلد لا يزيد عدد سكانه عن 11 مليون نسمة.