كشفت صحيفة “المدن” الالكترونية أن إيران توَجت هيمنتها على المؤسسة الدينية في سوريا بإنشاء “مكتب تنسيق” خاص بـ”المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية” في دمشق، منذ أسابيع، والذي سيكون غرفة عمليات لتحديد مسار الخطاب الديني في سوريا.
وأوضحت المصادر أن المكتب سيتألف من مندوبين عن عدد من المؤسسات الإسلامية السنية، أبرزها “معهد الشام العالي للدراسات الشرعية” وعلماء من الجامع الأموي وممثلين عن الطريقة الصوفية، إضافة إلى ممثلة عن “القبيسيات”، ومندوبين عن الحوزات الشيعية في دمشق. وسيكون لـ”مكتب التنسيق” صندوق مالي ينظم الهبات والأموال التي تصل من إيران إلى المؤسسات التي ستدعمها، أو التخطيط لمشاريع مشتركة بين الهيئات الدينية المؤلفة للملتقى.
ووفقا للصحيفة، فإن “مكتب التنسيق” الذي أُنشئ في “المستشارية الثقافية الإيرانية” في منطقة المرجة وسط العاصمة دمشق، وجُهَز بمكتبة تضم كتبا شيعية، سيكون نواة لـ”المجمع” داخل “المستشارية” في مرحلة أولى. وفي المرحلة الثانية، سيتحول “مكتب التنسيق” إلى ملتقى لـ”المجمع” مستقل عن “المستشارية” وسينتقل إلى منزل يُجهَز في حي الأمين ذي الغالبية الشيعية ضمن دمشق القديمة خلال الأشهر القادمة.
وقد بدأ التخطيط لإنشاء “مكتب تنسيق” لـ”المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب” منذ يوليو الماضي خلال زيارة الأمين العام لـ”المجمع”، آيه الله محسن أراكي، إلى سوريا، التقى خلالها رئيس الحكومة عماد خميس. ورافق أراكي مساعد “الشؤون الدولية” في “المجمع” منوجهر متكي، الذي اعتبر أن “الذين يعادون المقاومة يعانون من انحراف وإعوجاج فكري ويجب القضاء عليهم بالتصدي لانحرافاتهم الفكرية”.
وأفاد كاتب التقرير أن الأهداف المعلنة لـ”مكتب التنسيق” هي التقريب بين جميع المؤسسات الدينية الإسلامية في دمشق وريفها، وبناء جسر بينها لوضع رؤية موحدة مشتركة للخطاب الديني في دمشق، وإصدار منشورات وكتب دينية هدفها التقريب بين المذهب السني والشيعي، والعمل على ردم الخلافات في العقيدة. ما يعني هيمنة إضافية لإيران على جميع المؤسسات الدينية في سوريا، والتدخل في معالجتها للقضايا المذهبية، وصياغة خطاب يتوافق مع سياسة إيران المتبعة، وفقا لما أوردته الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر من “معهد الشام العالي للدراسات الدينية”، أكبر مؤسسة دينية في سوريا، قوله إن “المجمع” أهدى مكتبة ضخمة للمعهد، وأقام عدد من طلاب اللم الإيرانيين ندوات ومحاضرات داخل المعهد بهدف نشر “رسالة آل البيت”. ويقوم “المجمع” الآن بحملة إعلانية دعائية هي الأكبر في شوارع العاصمة لاستقطاب طلاب الثانوية للتسجيل في “المعهد” ودراسة العلوم الشرعية.
وأشارت الصحيفة إلى أن المعهد أُنشئ بتمويل إيراني في العام 2011 بعيد انطلاق الثورة السورية، بمرسوم جمهوري، باعتباره مؤسسة تعليمية للعلوم الشرعية واللغة، ولم يرتبط كباقي المؤسسات التعليمية في سوريا لا بـ”وزارة التعليم العالي” ولا بـ”وزارة الأوقاف”، بل بشخص وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، الذي يعتبر من أهم منفذي سياسة التشيّع في سوريا. ويعتبر المعهد بحسب المرسوم “شخصية اعتبارية مستقلة” له تمويل مالي مستقل، طبعاً من دون الافصاح عن مصادره.
وضمّ المعهد كلاً من “معهد الفتح الإسلامي” و”مجمع الشيخ احمد كفتارو”، و”مجمع الست رقية” أكبر مؤسسة دينية لنشر الفكر الشيعي في دمشق. ويتولى إدارة المعهد “مجلس أمناء” برئاسة وزير الأوقاف وعضوية ثلاث شخصيات “علمية اجتماعية” ممثلة لـ”الفتح” و”كفتارو” و”رقية”، يعينها وزير الأوقاف. كما أُنشئت العديد من الثانويات الشرعية التي ترمي إلى نشر الفكر الدعوي الشيعي، وافتتاح عدد من الدورات لتعلم اللغة الفارسية.
ويعود نشر التشيّع في دمشق إلى أواسط السبعينيات، وفقا لتقرير الصحيفة الإلكترونية، وكان أول المبشرين الداعين للمذهب الشيعي حسن مهدي الشيرازي، وهو عراقي الجنسية هارب من نظام صدام حسين، في العام 1975. والشيرازي أسس أول حوزة في سوريا بالقرب من “مقام السيدة زينب” في ريف دمشق في عام 1976، والتي تعتبر اليوم من أهم الحوزات الشيعية في سوريا. ويُنسب للشيرازي الفضل في التقارب بين الشيعة والعلويين، بعدما أصدر فتوى نصّت على “أن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان مثل كلمتي الإمامية الجعفرية. كل شيعي هو علوي العقيدة، وكل علوي هو شيعي المذهب”.
ومع ذلك، فالنشاط المكثف للتشيّع لم يزدهر في سوريا إلا بعد وراثة بشار الأسد للسلطة في سوريا؛ فبين العامين 2001 و2006، أقيمت 15 حوزة كان أبرزها “حوزة الحيدرية” و”حوزة الإمام جواد التبريزي” و”حوزة الإمام الصادق” بالإضافة إلى مراكز “الرسول الأعظم” و”الإمام المجتبى” و”الحسين”. ومن ثمّ أقيمت “مديرية الحوزات العلمية” في دمشق، والتي باشرت عملها في العام 2005، كهيئة تعليمية مستقلة عن وزارتي التربية والأوقاف. وبعد مضي خمس سنوات على افتتاحها، بلغ عدد الطلاب في “مجمع الست رقية” أكثر من 5000 طالب وطالبة، من الشيعة في إيران والعراق ولبنان والبحرين واليمن وباكستان وأفغانستان، كما أوردت الصحيفة.
ويُذكر أن الطقوس الدينية الشيعية العلنية لم تظهر في دمشق قبل العام 2005، حين خرجت أول “مسيرة كربلائية” في شارع مدحت باشا المحاذي للجامع الأموي والقريب من حي الأمين، مركز الشيعة في العاصمة.
لو أمعنا النظر في وضعية إيران الفكرية والثقافية والمعتقدية عبر تاريخها منذ أن دخل الفرس وباقي العناصر والقوميات المجوسية إلى الإسلام لسهل علينا منهجياً تفسير سياساتها ومواقفها وتوجهاتها الراهنة من الإسلام والمسلمين وكذا القوميات والعناصر المحيطة بها ، ولنذكّر بما يلي :
(1) لقد كانت إيران الفارسية صاحبة حضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ ، وكانت قوة أعظم مع الروم ، وهي لا تزال تتذكر ذلك وتستحضره في كل سياسات وتحركات الدولة الإيرانية ، وما جد إيران في البحث عن الزعامة ممثلة في المذهب الشيعي إلا ترجمة لمنطلقات الماضي التليد الكامن في اللاشعور والمرتبط بالعداء للعرب الذين أدخلوا شعوب المجوس عنوة في الإسلام رغم أنف أسيادهم الفرس الذين دخلوا الإسلام حيث لم يجدوا أمامهم من بد بعد أن تبددت هيبتهم وذهبت ريحهم .
(2) إن الإسلام في إيران لا بد من أن يكون ممزوجاً أو مغلفاً بغلالة ولو رقيقة من الذاتية الفارسية والخصوصية المجوسية ووجدت إيران ضالتها في الإسلام الشيعي .
(3) إن حضارة الإسلام في إبران هي الأخرى حضارة ذات نكهة تشتم فيها دوماً رائحة وعبق تاريخ ما قبل الإسلام ، حيث تثور حضارة فارس ولا تهدأ ، ما جعلها في كثير من الأحيان تسفر عن وجه صريح وتتأخر حضارة الإسلام في خلقية صورة باهتة .
(4) بل إن الأوضح والأكثر تعبيراً وتجلية لما نحلل هو النمط الفكري والثقافة الإيرانية ، فهما دوماً يطفوان على سطح الثقافة الإسلامية ويجليان النزعة العنصرية والرغبة الجامحة في تقديم العنصر والعرق على الدين الرحب الذي يصهر ويذيب في بوتقته كافة العناصر والأعراق .
إن إيران شاءت أم أبت أسفرت أم استحت لا بد من أن تكون متميزة متفردة تملك آلية ومبرراً للصراع مع القومبات الأخرى من عربية وطورانية وغيرها وهو المذهب الشيعي ، وتملك القوة التي تمكنها من فرض هيبتها وإرادتها وهي السلاح النووي وعضوية النادي الذري ، وتملك حضارة فارسية أولاً إسلامية آخراً ، وتباهي بثقافة مجوسية تبحث عن كل غريب وتحتوي كل شاذ ، تجسد الرسول الكريم في الأفلام ، وتجسد كذلك الرسل والأنبياء وصحابة الرسول الكريم بعد أن تسبهم وتقذفهم .
هكذا إيران الدولة والنظام السياسي والسياسة الخارجية والحضارة والثقافة والفكر ، وستظل هكذا ولن تتغير لأنها واقع يلعب الإرث التاريخي فيه أهم دور ، بل يصنعه مستقبلاً بنفس قواسم وملامح الماضي ، فلا نستغرب أن تطمح وتطمع إيران في تحويل كل العرب والترك وغيرهم إلى شيعة أي إلى إيرانيين ، فالشيعة هي منقذ إيران من الضياع والتبدد ، وإيران هي موطد ومرسخ الشيعة ومعها الطائفية لدى الإسلام والمسلمين !!