عندما خُسِف القمر وبقي مشايخ الإمارة على حقدهم!

تغيّرتْ مواقف معظم الذين كانوا يُعادون العراق ورئيسه الشهيد ، إلاّ بعض أزلام دشاديش مشيخة الكويت العظمى .

بالأمس ، وفي صبيحة يوم عيد الأضحى ، هربتُ من زحمة برقيات التهاني والتبريك المتشابهة الصياغة والمفردات التي انهالت على المواقع الألكترونية والفيسبوكيّة وغيرها إلى الاطلاع على جديد الأحداث . فكان أول ما استوقفني فيديو على “يوتوب” لسائح سعودي في إندونيسيا وهو يتكلّم مع عامل إندونيسي في ورشة  للسيارات ، يلبس “تي شيرت” طُبِعتْ على صدره صورة كبيرة للرئيس الشهيد .

قال له السائح مندهشا : هذا صدام حسين ! وكرر بعدها القول (صدام حسين …

. ) Goodصدام حسين

فردّ عليه العامل فَرِحا بالإيجاب وقد عَلَت وجهه ابتسامة عريضة . فما كان من السائح السعودي إلا أن أمسك بمبلغ من الأوراق المالية وقدّمها له مُحيّيا روح الشهيد قائلا : يرحمه الله.

توقّفتُ مليّا أمام هذه الحادثة الفردية التي تدلّ ــ إذا دخلنا في أعماق قلوب أبناء أمتنا الطيبين ــ على أن الذين تمترست دولهم  ضد العراق في خندق حفر الباطن قبل أكثر من ربع قرن لم تكن أنظمتهم تُعبّر عن مواقفهم . حتى الذي لم يكن منهم مع “الاجتياح” لم يكن مع شن الحرب . لهذا عادوا إلى رشدهم والمجاهرة بمواقفهم بعد أن اكتشفوا باعتراف العالم كله معدن الشهيد ومعنى وجود العراق العربي القوي ، ورأوا شتى صنوف التهديد والعدوانية والتدخل في شؤونهم ، واستخفاف العالم بكبيرهم وصغيرهم بعد رحيله .

وحدها مشيخة الكويت بقي أراذلها على غيّهم ـ ولا أقول  شعبها بالطبع ـ

هذا على الأقل ما أقرأه وأسمعه من هؤلاء على الدوام ، وما نالني من تعليقات في منتهى العدوانية والبذاءة على صفحات جرائد الإمارة ردا على ما كتبتُه في الذكرى الثالثة لاستشهاده التي صادف تزامنها في ذلك اليوم تحديدا مع خسوف القمر ، ومع مسارعة أميرها على غير عادته إلى إلقاء كلمة أخذ يندب فيها وضع إمارته وما تواجهه من مخاطر !

تُرى ، هل تجنّيت على الحقيقة فيما قلت ، وهل “فَبْرَكتُ” وخرجت عن موضوعية ما يستحقه الكلام في ذكرى حدث لا يُنسى على مدى التاريخ ؟

هذا بعض ما أوردته وما سأبقى مُصرّا على ترداده ما دمت حيّا .   

  

معنيان شاءتهما الأقدار

لعلها الصدفة التي جعلت خسوف القمر يعمّ وطننا العربي من شرق العراق الى غرب المغرب بالتزامن مع الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس صدام حسين ، وفي آخر أيام العام 2009 . حسبما أعلن وقتها رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية في القاهرة ، وغيره من المعاهد والمراصد العربية والغربية.

ولكن ، هل الصدفة أيضا هي التي دفعت شيخ إمارة الكويت الى الخروج علينا بصورة فجائية في عشية هذه الذكرى ، بخطاب دون أي مناسبة ، لكي ” يُوَلول ” فيه على مصير إمارته من خطورة الفتنة الطائفية التي تفتح الأبواب أمام الفوضى والإنفلات وخراب الديار ، بفعل النزاعات القبلية وتفشّي الفساد الإجتماعي والسياسي والأخلاقي .. الخ ، رغم “تحريرها” على أيدي أكبر تحالف دولي ؟

هذه الإمارة التي استقدمت القوات الأميركية ورجال ” السي آي إي ” إلى أرضها قبل دخول القوات العراقية إليها بأسبوع ، في إستجابة لكتاب استغاثة رسمي وجّهه أميرها السابق جابر الصباح الى المجرم جورج بوش الأب بتاريخ  19تموز 1990 ، كانت قد بدأت تنسيقها التآمري على العراق مع “السي آي إي” قبل عام من تاريخه ، تنفيذا لأوامر وزير الداخلية ـ وقتها ـ سالم صباح السالم أثناء اجتماعه مع أركان الإدارة العامة للأمن الوطني برئاسة مديرها العام العميد فهد أحمد الفهد، وتم بنتيجة ذلك ـ كما تقول الوثائق المصادرة من الكويت ـ الإتفاق على استراتيجية للعمل المخابراتي وتبادل المعلومات بين “الدولة الأكبر” والإمارة الأصغر .

لقد كان من الممكن أن يُخسَف القمر قبل أسبوع أو عدة أيام من ذكرى الاستشهاد ، أو أن يخرج الأمير ليبكي حالة إمارته بعد أسبوع أو أيام ، ولكنها لعنة العراق ولعنة الشهيد ، الذي آثر رغم ذلك ولأنه أكبر من صغائر الدنيا وصغارها أن يطالب أبناء أمته وهو يستودعهم في رسالته الأخيرة أن  يترفّعوا عن الحقد ، مع أنه ضحية حقد القوى الكبرى التي وصَفَها بالحيتان التي لا تسمح للأسماك الصغيرة بالعيش ، وضحية غدر الأشقاء واللاشرعية الدولية . ومع ذلك  وسواء بعد “تحرير” الكويت وإلى ما بعد احتلال العراق وتدميره لم تُخفِ أسرة مشيخة الكويت حقدها على العراق ورئيسه الشهيد.

بعض ما استجد بعد غيابه

يصعب الحديث عن الرئيس صدام بالكلام الوجداني في كل ذكرى لاستشهاده بعد أن غاب بجسده عن عالمنا الدنيوي الى عالم البعث الأبدي الذي لا خلاف عليه ، حيث لا يجرؤ خسيس على محاولة تشويه صورته ، ولا تقوى قوة كبرى ولا تحالف إستعماري جديد على شن حرب همجية أخرى ضد “عالمه  الجديد”  بأسلحة الدمار الشامل . يكفينا القول أن بعده تغيّرت أشياء كثيرة . دالت قيم وظهرت ” قيم ” أخرى . لم تعد الخيانة مجرد وجهة نظر فقط كما كنا ولا زلنا ندينها . بل أصبحت نهجا علنيا للكثير من الحكام وحملة الأقلام والساسة  والمفكرين وصولا إلى المندسين في الأحزاب الوطنية والقوى القومية .

   بعده تم تدنيس أرض العراق من قبل احتلال رسمي آخر على أيدي الذين شربوا كأس السم مع خميني في أواخر ثمانينات القرن الماضي ، ثم عادوا ليتقاسموا حكمه مع الشيطان الأكبر. ويمتدوا بعدوانيتهم الموغلة بالطائفية والتعصب ليحتلوا سورية ويسيطروا على لبنان ويمزّقوا اليمن .

    بعده أُعيد بناء جدار العار الذي كان قائما بين شطري ألمانيا ، ولكن على حدود غزة هذه المرة ، وبأيد عربية مصرية ودعم مالي أميركي وارتياح صهيوني لا سابق له حتى في عهد المخلوع مبارك.

   بعده أصبحت العديد من فضائياتنا تحاور بكل شفافية غلاة الكيان الصهيوني ، وأصبحت  صحف ” طوال العمر ” ومواقعهم الألكترونية الليبرالية  تنشر في صدر صفحاتها الأولى مقالات لكتاب وصحافيات صهاينة ، مثال ذلك ـ ما نشره قبل فترة موقع يصدره سعودي من لندن تحت عنوان ” إسرائيل دولة المعجزات ” لكاتبة تُدعى ليندا منحين ـ عبد العزيز! وقد عرّفت نفسها بالناشطة في المجتمع المدني الإسرائيلي!!

وقائع للتاريخ

في ذكرى الاستشهاد  ، سأترك بعض وقائع التاريخ التي عُتّم عليها تحدّثنا عن عصر صدام حسين ، سواء تلك التي تعكس عمق الإصرار على استهداف العراق واستهدافه شخصيا منذ الأيام الأولى التي استلم فيها مسؤولية القيادة  ، أو تلك التي عكست عظمة العراق وقدرة جيشه حتى في ذروة أيام الحصار الخانق الذي تلا العدوان الثلاثيني تحت لافتة “تحرير الكويت”.

بعد خمس وثلاثين عاما من تدمير المفاعل النووي العراقي في 7 حزيران 1981.، وربع قرن من  الحصار فالإحتلال طالعتُ مؤخرا جوانب حول حدثين لم أسمع بتفاصيلهما الحقيقية من قبل ، وقد طالهما التعتيم على مدى السنين التي مرت . أولهما تضمنه كتاب فرنسي صدر أواخر الثمانينات تحت عنوان ” إسرائيل .. منتهى السرية” للكاتب جاك ديروغي ، يكشف فيه تفاصيل عن عملية ضرب كامل معدات هذا المفاعل من قبل الموساد وهو على الأرض الفرنسية ليلة 5/6 نيسان 1979  ، حيث كان جاهزا للشحن في مركز سان مورمير بالقرب من مدينة طولون، أي قبل عام من تدميره في العراق .وهذا يعني أن المفاعل العراقي استُهدف عمليا وهو ما زال مشروعا قبل إقامته ، ودون تهديد لفظي ولا وعيد كما رأينا في مسلسل مسرحية نووي الملالي التي وصل الجانب المخفي منها حسب قناعة البعض إلى امتلاك القنبلة .

أما الحدث الثاني فقد قرأت تفاصيله في العودة إلى شهادة الأميرال جاك لانكساد ،  رئيس أركان القوات الفرنسية التي كشف فيها بتاريخ 14 كانون الثاني 1993 عن النتائج الحقيقية  لسلسلة الضربات الجوية والصاروخية ، التي شنها التحالف الدولي في الأيام الأخيرة من عهد بوش الأب على عدد من المؤسسات والمنشآت المدنية العراقية ، بهدف تأليب الشعب والجيش ضد القيادة العراقية ، وكيف أنها  لم تحقق أهدافها العسكرية والسياسية . وضرب أمثلة بالأرقام على ذلك ، منها أن طائرات الحلفاء لم تصب سوى أربعة أهداف من أصل 28 هدفا في البصرة والسماوة والنجف والعمارة وسواها . وتحّدث بإسهاب عن المفاجأة التي حملها حجم الرد العراقي رغم ظروف الحصار.

أمام هذين الحدثين وغيرهما من أمثلة أخرى علينا أن لا ننسى أن كل الضربات التي استهدفت العراق لم يسبقها مسلسل تهديدات كلامية ولا تسويفات وسيناريوهات مثيرة للسخرية ، مثلما حدث مع إيران الملالي منذ أكثر من ربع قرن وحتى الاتفاق النووي الملغوم لصالح الملالي ، دون أن تُوَجّه لها ضربة كفّ واحدة ! ومع ذلك ، نرى الكثير من الأحزاب والمنظمات  والنقابات وحركات التحرير ،  ومعظم من ساندهم الرئيس الشهيد  وغرفوا من “بيت المال” العراقي ، لا صوت لهم ولا رأي ، يلهثون وراء مصالحهم كمجموعات وأفراد مثلهم مثل معظم حكام هذا الزمان الأغبر.

أبو عدي لك المجد وعليك السلام ،  رحمك الله ورحمنا من بعدك.!

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث