«عبدة مشتاق» يقابل «زوربا اليوناني» بإحدى «انتخابات» الجماعة!
ليس عجيباً ان يسرق سارق، أو أن يتطلع إلى ما ليس له متطلع، أو أن يتولى مقاليد بلد كمصر العسكر بصورة شبه مستديرة منذ 1805م، بمجىء «محمد علي» اليوناني من أصول ألبانية، ليخدع الشيخ «عمر مكرم»، في لحظة تاريخية فارقة تغلب المصريين فيها على الوالي العثماني «خورشيد» والمماليك، وصاروا «هم» وشبكة المرمى، بحسب إخواننا محبيّ الرياضة، ليهدوا بلدهم إلى «علي» ليمعن فيها محاولات نهضة من آسف لم تهتم بالإنسان الاهتمام الكافي، وانشغلت بشئون الخارج والعسكر إلا قليلاً!
ليس عجيباً ان يتطلع للزعامة، ومقعد «عبده مشتاق»، بحسب الراحل «مصطفى حسين»، متطلع، ولكن العجيب كل العجب أن يجىء هذا في وقت أكثر من عصيب، تداخلت الأوراق فيه، واختلط الحابل بالنابل، ولا تجد في مجموعة مُلمٌّ بنسق الأحداث لفهم ثم يعترض، ولا ينكر منصف أن فيهم حسنو ومخلصو النية من الإخوان، وهي إذ تخرج على مكتب قديم، تعبر عن صورة من صور محاولات الحل لأزمة طاحنة داخل الجماعة، هنا وفي مصر، وفي كل قطر هاجرت إليه، ولكن من آسف المحاولات تدخل في فخ عميق تجعلها لا للحل بل لتكريس الأزمة.
قالت «الإيكونوميست» البريطانية منذ أيام إن الإخوان بهذا التشتت، والانقسام في القيادات لم يعد يعرف لهم كيان يمكن التفاهم معه، وبالتالي حلحلة الأمور، إن جاء وقت حلحلتها.
ويذكر هذا بقول الشاعر:
وكل يدَّعي وصلاً بليلى …. وليلى لا تقر لهم بذاكا!
فما أكثر القيادات، وما أقل القادرين على التأثير، فضلاً عن وجود الفاهمين المدركين لخطورة وطبيعة المرحلة التي تكاد تنهي الجماعة، وتعمل فيها الحكم الإلهي بالاستبدال لكن من يفهم؟!
«1»
يعلق بالذاكرة من فيلم «زوربا اليوناني» سيناريو «نيكوس كازانتزاكيس» وانتاج أمريكي/ يوناني عام 1964م مشهد وفاة المرأة العجوز، وعدم تمهل الجارات، الكبيرات السن غالباً، وهن يدخلن مسرعات، يسرقن حليها، ولا يترك أسورة في يدها، أو قرطاً في أذنها، فضلاً عن ملابس أو حبل للغسيل، هؤلاء النسوة مثلهن مثل اللواء «أحمد شفيق»، مثل المثقف «جابر عصفور»، مثل بعض المنضوين تحت راية الإخوان اليوم، كل هذه النماذج تشعرك بأنهم يسعون نحو قطعة جبن رومي، فيقرضون منها ما يستطيعون، دون رحمة بأسنانهم، أو بالجبن، أو بذكرهم من بعد نهاية الأزمة بسىئ الفعال، إن قدر الله لها نهاية!
واللواء شفيق قبل منصب الوزارة رقم 116 في تاريخ مصر منذ 29 من يناير/كانون الثاني 2011م في أجواء بالغة الاحتدام في مصر، وقبل معه الدكتور عصفور، ثم استقالا في 3 من مارس من نفس العام، هم وعشرات الوزراء، ولم يستحوا جميعاً على دمائهم، ولم تأخذهم نعرة للخجل إذ عادوا فترشح شفيق للرئاسة في يونيو/حزيران 2012م، وقبّل الدكتور عصفور منصب وزير الثقافة من 16 من يونيو/حزيران 2014 حتى 26 من فبراير/شباط 2015م، وقيل إنه كان حريصاً على إكمال فترة 6 شهور ليحظى بمعاش الوزير، والقانون المصري لا يعطيه هذا الحق قبل 180 يوماً!
«2»
انتخابات أخيرة جرت في قطر من الأقطار للإخوان، لماذا لا نذكر اسم القطر؟ وهل ذَكَرَ قرابة المائة شخصية، مع الاحترام والتقدير لمخلصيهم، وفيهم وزراء من حكومة الرئيس «محمد مرسي»، ونواب ببرلمان 2012م، وربما محافظون سابقون، ورجال دين، وأيضاً غير هذا، على الطرف الآخر البعض من مندسين وعملاء للأمن تم زرعهم بعناية بينهم، وربما على مستوٍ مذهل..فهل ذكروا جميعاً على الملأ أو شبهه نتائج انتخاباتهم؟.
المهم أن من دلائل استفحال الازمات أن تجد الوقت يزيد من لهيبها ووقودها، ويصبح مرور الشهور بل السنوات، وإن قلت علامة فارقة في اتساع نيرانها وتواصلها وتجددها.
جرت الانتخابات بالطبع على نفس نهج وقواعد الجماعة المعروفة، وكنا من قبل نجد أسماء المسئولين المُنتخبينَ قبل الخروج، او قبل خروج الذين انتخبوهم، ولكن لا بد أنه جرت في الأمور أمور، إذ إن الانتخابات تمت في 14 من رمضان الماضي، ولا يُعرفُ على نحو واسع وربما متوسط مَنْ هو مسئول المكتب الجديد ولا أعضاء الشورى الجدد، فضلاً عن «المكتب التنفيذي»؟
هل صارت هذه الانتخابات، التي تحاول خلق مكتب تنفيذي للجماعة ومجلس شورى أمراً داخلياً خاصة بقرابة المائة الذين شاركوا فيها، وبالتالي مجموعتهم الخاصة على وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي فلا ينبغي أن يعرف أحد بها؟!
«3»
يذكرني الامر بفوازير الراحل «صلاح الدين حافظ» في أخبار اليوم في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، فإذا كانت الانتخابات داخلية لمائة أو ينقصون أو يزيدون فلماذا وضع شعار الإخوان على ملصقاتهم، ودعاياهم التي يصدرونها أحيانا، بل القول بإنها انتخابات للإخوان كلهم ربما في العالم؟
وهل، لا قدر الله، أتت الانتخابات، في مرحلة من مراحلها، علت أم دنت، بـ «عبده مشتاق»؟ فلا يشرف السادة الوزراء والنواب والمحافظين السابقين، مع الاحترام لهم بالفعل، أن يعلنوا أنهم اختاروا بملء إرادتهم مثل هذا «الرجل»؟
أم إنهم انتخبوا وأتوا بأفضل ما فيهم قدرة على إغاظة الجبهة الأخرى، وقد علم مكتب الجبهة الأخرى بالانتخابات وما تم فيها وبها، وفقاً لتقنينات سياسة الغيظ الجديد فلا داعي من «إذاعة» الأمر..فقد تمت المهمة الخاصة بنجاح؟
أم أن في الذين أتوا من جراء الانتخابات متهم بما لا يشرف السادة معه الإعلان عنه؟ والأخير سؤال وتساؤل بالفعل، فما من انتخابات إلا ويسعد النَاخب والمُنتخب الإعلان عن الجديد التي أتت به.. اللهم إلا انتخابات عبدة مشتاق .. إذ يفرح الأخير فقط باللقب .. ويندم الباقون على الآتيان به بل «يَستعرون» ويريدون التبرأ منه!
«4»
أما أعجب ما في أمر هذه الانتخابات فهو أنك تجد صبيحة يوم إجرائها خبر عنها مسرب للصحف التي يطلق البعض عنها انقلابية في مصر، وهناك متفنن في القطر الذي تمت الانتخابات به، ومن نفس الجبهة بنشر الأخبار هذه في مثل تلك الصحف الصفراء والمواقع الانقلابية، وكانت الجبهة التي تسمى القديمة ملّته فلفظته بعدما قدمته للصف دون توثيق، وبأعلى مستوٍ ممكن، فلما آلمتها فضائحه طردته، وكانت قد فعلت حين استقبلته عن طيب وحسن نية، وكم يجر حسن النوايا في هذه الأوقات من موبقات وبلايا وفضائح وقطع أرزاق؟! ليستقبله الصف الجديد بالترحاب، ولكن الفزورة الاخيرة تقول إنه على خلاف عاداته لم يسرب خبر النتيجة بعدما سرب خبر الانتخابات، وهذا يستدعي تساؤلاً أخير وأكثر .. هل للأمر علاقة بالمثل الشعبي الدارج عن البعض النادر من «دود المش» أعزكم الله؟ أي من التحالفات المعلنة وغير، والبلايا الخافية وغير، والتستر الذي يكسر عين المُسرب للصحف والمواقع فلا يكمل المسيرة..فقد تم مس الأمر «عبده مشتاق» ولي نعمته..!
اللهم ارحمنا من بعض نفوس أتت بالانقلاب، فهو لم يظهر أسوأ ما في الإخوان بل إن أسوأ ما فيهم أتى به، واستمر الانقلاب لاستمرار هذا السوء وأسباب أخرى!
اللهم انعم «علينا برجال ، ينبهون الناس ، ويرفعون الالتباس ، و يفكرون بحزم ، و يعملون بعزم ، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون»، برأي «عبد الرحمن الكواكبي»، رحمه الله، ويقدرون دقة الموقف الذي يواجهه الصف الثائر كله في مصر فلا يفرح بعضهم بجنسياتهم وإقاماتهم وأبنائهم وأموال أتوا بها من حيث يعلم الله هنا ..ثم يسعون نحو المناصب الواهية المتوهمة!
فيما ليس لديهم خطة أو حتى مجرد تصور صدق أم خاب عن حل الأزمة الضارية الحالية التي تواجهها مصر والأمة..لكن لديهم محاولة النيل من المكاسب، حتى وقت المحنة الشديدة، فهم يمضون على درب «عبده مشتاق» وكل «مشتاق» على مدار التاريخ!