“القاسمي” شاب تونسي معاق يرقص على إيقاع “سيمفونية المستحيل”
“كل ذو عاهة جبار” مثل شعبي اعتدنا ترديده لدى الحديث عن ذوي الاحتياجات الخاصة ممن تجاوزا اعاقاتهم وحققوا ما يعجز الأصحاء عن فعله، وهذا ما ينطبق على الشاب التونسي “آمر القاسمي” الذي أضحى محط إعجاب الكثيرين بأدائه رقصة “بريك دنس” متحدياً إعاقته التي تمثلت ببتر ساقيه، وسلطت وكالة الأناضول التركية الضوء على الشاب واصفة إياه بأنه ” يحلق بذراعيه نحو الأفق ويرقص على إيقاع سيمفونية المستحيل ولسان حاله يقول “العجز في العقول وليس في الأجسام”.
وشكّل النجاح في أداء رقصة “البريك دنس” على أنغام الموسيقى الغربية الصاخبة وإتقانه لحركاتها، لدى القاسمي–بحسب الأناضول- مصدر فخر واعتزاز بالنسبة له، ما ساعده على تجاوز الحاجز النفسي للإعاقة التي يحملها والاندماج في المجتمع.
وألمحت الوكالة في تقريرها الذي كتبه مراسلها “رشيد الجراي” إلى مفهوم رقصة “البريك دنس” التي كانت تسمى برقصة “تكسير العظام” ويتم أداؤها على إيقاع موسيقى “الهيب هوب” وتطورت باعتبارها جزءاً من ثقافة الراب. وتعتمد الرقصة على التعبير الجسماني لموسيقى الراب وهي من أصعب وأخطر الرقصات، وأصبحت تسمى في عدة دول بينها تونس “رقصة الشوارع”.
وأجرت “الأناضول” لقاء مع القاسمي ذو الـ 16 عاماً في منزله الكائن بمدينة حمام الزريبة بمحافظة زغوان ( 95 كلم جنوب العاصمة تونس) للتعرف على قصة التحدي التي يعيشها. وروى الشاب المعاق أنه ولد سليماً معافى لكن مرضاً خبيثا ألمّ به-كما قال- عندما كان طفلاً صغيراً في السنة الثانية من عمره، ما دفع الفريق الطبي المشرف على حالته الصحية لبتر ساقيه وتعويضه بساقين اصطناعيتين”.
ولم يكن استيعاب ذلك أمراً سهلاً بالنسبة له-كما يؤكد- لكن رعاية عائلته وقرب أصدقائه منه ساعده على تخطي المشاكل النفسية والانخراط في ناد محلي لكرة القدم سرعان ما غادره بسبب عدم تأقلمه مع عناصر الفريق.
في عام 2013 التحق آمر بمجموعة من الشبان الذين يرقصون “البريك دنس” في الشوارع والساحات العامة، ما أهلّه في وقت وجيز لتعلم فنونها وخوضها في بطولات تشرف عليها جمعيات متخصصة والفوز ببعضها. وخاض القاسمي- أدواراً متقدمة في البطولة التي تم تنظيمها في مدينة القيروان عام 2014 وفاز في بعضها. وكان- ذلك كما يقول- شعوراً جميلاً لا يُوصف”.
وأشارت الأناضول في تقريرها إلى أن “القاسمي” واجه عدة مشاكل كادت أن تجبره على الانقطاع عن التمارين بسبب ما قاله “إهمال الدولة لمثل هذه الطاقات وغياب فضاءات للتمارين إضافة إلى الثقافة السائدة في تلك المناطق التي ترفض هذه الفنون وتعتبرها غريبة عنها”. وكشف الشاب المعوق أن “المجتمع التونسي ينبذ أصحاب الإعاقة الذين يحاولون إثبات وجودهم من خلال الرقص ويرى أن كل ما يقدمونه من عروض أمر غريب، ولذلك –كما يؤكد- لا يجدون فضاءات يمارسون فيها هواياتهم، لذلك اختار مع رفاقه الرقص في الشوارع والساحات العامة. باعتباره شكلاً من أشكال التمرد”.
وتوقف التقرير عند تعرض آمر القاسمي لصدمة نفسية إثر فقدانه لصديقه الذي كان له دور بارز في تعلقه بهذه الرقصة إثر حادث مروري قاتل. يقول القاسمي: “شعرت بصدمة كبيرة، فصديقي الذي كان يرافقني في التمارين ولا يغيب يوماً عن مساندتي، توفي في حادث مرور، لذلك فكرت في كثير من الأحيان بإنهاء هذه التجربة نهائياً، لكن حبي للبريك دنس جعلني أتراجع عن هذه الخطوة وأعود لممارستها من أجله”.
ويطمح “القاسمي” إلى تطوير موهبته وصقلها في أماكن وأندية مهيأة للقيام بالتمارين اللازمة وخوض مسابقات دولية خارج تونس “من منطلق أن ذوي الاحتياجات الخاصة قد حصدوا لتونس في الألعاب الأولمبية الموازية ميداليات لم ينجح الرياضيون الأسوياء في تحقيقها”.