المرزوقي لـ”وطن”: هذا ما ندمت عليه عندما كنت رئيسا وعلى السيسي أن يرحل لأنه مأساة مصر

الدكتور منصف المرزوقي هو رئيس الجمهورية التونسية الثالث منذ 2011 وحتى 2014، وهو أول رئيس في العالم العربي يأتي إلى سدة الحكم بانتخابات ديمقراطيّة ويسلم السلطة ديمقراطيا الى المعارض المنافس له بعد انتهاء مدة ولايته ويتّصل به هاتفيا لتهنئته بالفوز.

 

هو أيضا مفكر وسياسي تونسي ومعارض سابق لنظامي زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، ومدافع عن حقوق الإنسان، ويحمل شهادة الدكتوراه في الطب، ويكتب في الحقوق والسياسة والفكر.

 

وبعد خسارته الانتخابات الرئاسية التونسية سنة 2014، أسس المرزوقي في نهاية نفس العام “حراك شعب المواطنين” الذي انضوت تحته عدة أحزاب منها حزبه السابق “المؤتمر من أجل الجمهورية”، ثم أسس في 20 ديسمبر 2015 حزب “حراك تونس الإرادة”، كما أسس مع عدة شخصيات عربية المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية في يوليو 2014 وترأسه.

 

واختارت مجلة “تايم” الأمريكية، المرزوقي سنة 2013 من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، كما اختارته مجلة “فورين بوليسي” من بين أفضل 100 مفكر عالمي لسنتي 2012 و2013.

 

والتقت صحيفة “وطن” منصف المرزوقي في حوار صحافيّ، أكد لنا فيه أنّ القلادة التي أهداها إلى ملك المغرب ليست قلادة بورقيبة وإنما هي قلادة من ميراث الدولة التونسية وقد أهداها إلى ملك المغرب في إطار البروتوكول العادي والعامّ وفي إطار ما هو معمول به في كلّ الدبلوماسيّات في العالم.

 

ووصف إعادة تركيز تمثال الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بأكبر شارع بالعاصمة التونسيّة بأنّه ترميز لعودة النظام القديم، ورسالة منه بأنه قد انتصر عليهم وهو آية على ذلك، مذكّرا أنّه لم يغتنم الفرصة “ليغيض” معارضيه بنجاحه في الإنتخابات سابقا ومضيفا أنّ “هؤلاء” عادوا بعقليتهم وبحزبهم وبطريقة فهمهم للديمقراطيّة.

 

وتحدّثت “وطن” مع الرئيس التونسي السابق، في عديد المحاور كطبيعة علاقته بالإمارات وقطر وماهيّة الرابط الذي يربطه برئيس الجمهوريّة الحالي الباجي قائد السبسي وغير ذلك من المواضيع الهامة.

 

وفي ما يلي نصّ الحوار الذي أجراه عبد الحليم الجريري:

 

بدايةً، رجل الأعمال شفيق جراية قال إنّكم ابتلاء من عند الله لتونس، وطالبكم بإعادة قلادة بورقيبة التي أهديتها إلى ملك المغرب، فكيف تردّ على هذه التصريحات؟ 

 

لن أرد على الشخص، ولكنني أصحّح معلومة، وهو أنّ القلادة التي أهديت إلى ملك المغرب ليست قلادة بورقيبة وإنما هي قلادة من الدولة التونسية في إطار البروتوكول العادي العامّ،  وتهدى حسب العرف المعمول به وهذه في اعتباري حكاية ليس لها أي مدلول حتى نتحدّث عنها كثيرا.

 

وما رأيك في قول السيد شفيق الجراية إنك كنت ابتلاء لتونس؟

أنا لا أردّ على أمثال هذا الشخص.

 

أعلنت مصادر حكومية أميركية الأربعاء الماضي أنها تستخدم قاعدة جوية تونسية لشن عمليات ضد تنظيم «داعش» في ليبيا بطائرات من دون طيار، ما هو رأيك في هذا الإعلان  خاصّة وأن هنالك من يعتبره اعتداءً واجتراء على سيادة الدولة التونسية؟ 

لمّا كنت أنا مسؤولا عن الدّفاع الوطني كانت السياسة التونسية متجهة نحو التعامل مع كلّ حلفائها من أجل محاربة الإرهاب، لكن دون أن تكون تونس في الواجهة ممّا قد يثير ردود فعل عنيفة ضدّ بلادنا التي لا تستطيع أن تتحمّل ذلك، وبالتالي فأنا أستغرب كيف سمح للطائرات الأمريكية بأن تقوم بغارات انطلاقا من أرضنا، لأن الإتفاق الذي كان في عهد رئاستي شخصيا للبلاد هو تبادل المعلومات فقط وليس القيام بعمليات نوعيّة.

 

هل تؤكد ما راج حول فشل تكوين جبهة سياسية معارضة تضم حزبك وأحزاب أخرى على غرار التيار الديمقراطي والبناء وحزب الوفاء بسبب الصراع حول المرشّح القادم لانتخابات 2019 الرئاسية؟

هذا كلام فارغ وهو يندرج في إطار الشائعة التي لا أساس لها من الصّحة، لأنّه أولا نحن في طور الحديث والتفاوض، ومنذ البداية اتفقنا على أنّ قصّة الإنتخابات هذه لن تطرح أبدا واتفقنا أيضا أن العمل سيكون على ما نتفق عليه وكلّ ما لا نتفق عليه يترك جانبا، إلى ذلك فإنّ كل هذا الذي يروّج حول الفشل وعدم الإتفاق وغيرهما هو محض إشاعات مغرضة تندرج في سياقات الحملة الرئاسية التي تقوم بها الأطراف الأخرى.

 

ومن هي هذه الأطراف الأخرى؟

طبعا هي الأطراف التي تمثّلها السّلطة والمعارضة وغير هؤلاء ممّن يترصّدون بنا، هنالك أناس يلوموننا على عدم الإلتقاء وأناس آخرون يلوموننا على الإلتقاء، يعني دائما نحن محصورون بين فكّي كمّاشة.

 

ما هو سبب عدم حضورك في المؤتمر السابع للرابطة التونسية لحقوق الانسان؟ هل كان إقصاءً أم أنك آثرت عدم الحضور لأسباب خاصّة؟ 

أنا الذي فضّلت عدم الحضور لأسباب تخصّني منها أنني أعتبر الرابطة الحالية مختلفة تماما عن الرابطة التي كنت أرأسها.

 

اختلاف على أي مستوى؟

فلسفة حقوق الإنسان هي أن تكون ضدّ الإنتهاكات أيّا كان الطّرف وأيّا كانت الضحيّة وهذه لم تعد فلسفة الرابطة الحاليّة للأسف.

 

وعوّضتها أي فلسفة؟

فلسفة من نوع آخر ولذلك أنا فضّلت الإبتعاد.

 

ما هي قراءتك للمشهد الحقوقي الحالي؟ وهل يمكننا الحديث اليوم عن عودة تغوّل البوليس؟

 

ليس فقط البوليس بل النظام السياسي ككلّ، هو النظام السياسي البورقيبي النوفمبري الذي عاد ليتغوّل من جديد، فقضيّة تركيز تمثال بورقيبة في قلب شارع الحبيب بورقيبة هو إشعار بأن “ها قد عدنا ونحن جاثمون على قلوبكم ولو لم يعجبكم الأمر”، بحيث أن كلّ الماكينة قد عادت وليس فقط البوليس أو البوليس السياسي، كذلك عقليّة المنّ وعقلية الوحدة الوطنيّة أي أنّ الذي لا يدخل في إطار الوحدة الوطنيّة فهو ليس وطنيّا بالنسبة لهم.

 

يعني إعادة التمثال إلى شارع الحبيب بورقيبة هو ترميز لأي شيء بالضبط؟

هو ترميز لعودة النظام القديم، ورسالة “بأننا انتصرنا عليكم وعدنا وهذا هو رمز انتصارنا”، وكلّ هذا لا يبشّر بخير وأنا أريد أن أذكّر بأنني كنت أوّل من عمل على لمّ شمل العائلة البورقيبية والعائلة اليوسفيّة في تونس وكنت قد دشّنت متحفا لبورقيبة في المنستير بالوثائق التي وجدتها في قصر قرطاج، ولم أغتنم الفرصة لأقول ها قد انتصر تيّار صالح بن يوسف بل بالعكس أردت إثبات أشياء أخرى بعقليّة أخرى، لكن هؤلاء عادوا بعقليتهم وبحزبهم وبطريقة فهمهم للديمقراطيّة.

 

ما هو رأيك في حكومة الوحدة الوطنية  وخاصّة ماذا تقول في تشريك الاتحاد فيها؟ هنالك من يقول إنّه مجرّد احتواء لكي لا يعطّل سير الحكومة من خلال الدعوة إلى الاضرابات كما كان يفعل مع الحكومات السابقة.

كنت أقول لك إنها نفس العقلية البورقيبيّة، يعني أن تجمع كلّ الأطراف حتّى تحتويهم ومن جملتها الإتحاد العام التونسي للشغل، ومن يبقى خارج هؤلاء فهو لا وطني، يعني أنا أصبحت لا وطنيّا بما أنني لست منتميا إلى هؤلاء، علما وأنني لم أستشر في شيء في هذه الحكومة، والوحدة الوطنية تكون مع الخصوم ولا تكون مع الأصدقاء، ثمّ إن الوحدة الوطنيّة لا تعني الإحتواء بل هي مشروع وطني وهذا ما لم يكن واردا وأقول مجدّدا إن هذه عقليّة بورقيبة وهذه تقنيات بورقيبة، والسبسي ليس إلا امتدادا لهذه العقليّة.

 

بمناسبة ذكر السيد الباجي قائد السبسي، رأيناك في لقاء مع الصحافي يسري فودة  تقول عنه وهو رئيس للجمهوريّة إنّه رجل بذيء، ألا ترى في كلامك هذا حطّا من هيبة الدولة؟  

هيبة دولة ماذا؟ يجب عليه هو نفسه أن يمثّل هيبة الدّولة، وأنا بكلمتي هذه وصفت تصرّفاته وأسميت الأمور بمسمّياتها، وأنا قضيّتي أنه من المسخرة أن يتحدّث عن هيبة الدّولة وهو يتكلّم بتلك الكيفيّة عن الذين استشهدوا في الثورة، وليس هذا فقط بل إنّ مأخذي عليه يشمل عدّة تصرّفات كثيرة أخرى وأعتبر بورقيبة وابن علي والسبسي من نفس الصّف ونفس العقليّة ونفس التفكير، ولا تنسى أن السبسي كان وزيرا عند بورقيبة وكان رئيسا لمجلس النواب عند بن علي، يعني كان شاهد زور على أكثر الأنظمة دكتاتوريّة وأنا أراه كآخر حلقة قادت تونس إلى الوضع الذي هي عليه بعد ستين سنة من الإستقلال، فإذا قارنت تونس بدولة كالمغرب أو كماليزيا فستستنتج أن هذا الرّجل فوّت علينا فرصة أن نضع بلادنا على سكّة التقدّم بل أرجعنا إلى وراء، ولهذا فإنّ قضيّتي معه سياسيّة وليست قضيّة شخصيّة، فكما حاربت بورقيبة وابن علي في السابق، فإنني اليوم أحاربه هو.

 

ما علاقة رئيس الجمهورية السابق برئيس الجمهورية الحالي؟ 

أنا أتذكّر أنه في البداية وتحديدا بعدما استلم السّلطة ظللت على سكوتي تقريبا لمدّة سنة لأنني لا أريد تعطيله وتركت له الفرصة عملا بمبدأ “لا تكن كخصومك”، وأنت تذكر أننا بمجرّد استلامنا للسلطة بدؤوا يهاجموننا ولم يتركوا لنا فرصة العمل بتاتا، وعليه فإنني تركت له المجال ليعمل ثمّ لمّا حصلت أزمة اللاجئين السوريين شعرت بأنه من واجبي أن أتحدّث إليه وأقول له إنه من واجبنا الأخلاقي والمبدئي كعرب فتح المجال على الأقلّ لعشرة آلاف سوري لاجئ، وطلبت منه موعدا على هذا الأساس وأعلمت جهاز إعلامه بأنني سأحدّثه في الملفّ السوري، لكنّه رفض استقبالي، فكان هذا بالنسبة لي كالصدمة لأنني استقبلته ثلاث مرات عندما كنت رئيسا، بالإضافة إلى هذا فإنه بدأ يهاجمني في أكثر من مرّة لأكتشف في النهاية أنني صرت عقدة بالنسبة له.

 

وأودّ تذكيرك مرّة أخرى بأن قضيتي معه ليست شخصية بقدر ما هي سياسيّة، وعليه فإنني أعتقد أنه يتوجّب عليه أن يكون في مستوى شعارات هيبة الدولة، كما سأضلّ أعتبره آخر حلقة من حلقات النظام القديم، والنظام القديم حسب اعتباري فيه ثلاثة رؤساء: بورقيبة وابن علي ثمّ السبسي، وبعده سوف تنتهي هذه الفترة التي دامت أكثر من ستّين سنة ثمّ تدخل تونس إن شاء الله في قطيعة نهائيّة مع هذا النظام وتبني نظاما ديمقراطيّا حقيقيّا.

 

بالمناسبة من هو المسؤول الكبير الذي قصده الرئيس السبسي في إحدى خطاباته حسب رأيك؟ 

أوّلا أعتبر أنه من الفضيحة بالنسبة لرئيس دولة مستقلّة أن يقول إنه يتلقّى التعليمات من مسؤول كبير، هذه هي أمهات الأشياء التي لا أستطيع أن أقبلها منه، فرئيس الجمهوريّة مهمّته الأساسيّة هي الدفاع عن استقلاليّة البلاد.

 

من هذا المسؤول الكبير حسب اعتقادكم؟

لا أعلم سريرته لكنني أعتقد أنه يقصد “جون كيري” وزير خارجيّة أمريكا.

 

كنت متأكّدا من أن عُمُرَ السبسي سيحول دون فوزه في الانتخابات الرئاسيّة ومع ذلك انتصر عليك، فبما تفسّر هذا الانتصار ؟ 

ثلاث سنوات والماكينة الإعلاميّة تشتغل لصالحه وضدّي وهذه الماكينة لعبت دورا هامّا في وصوله إلى الحكم، كذلك المال السياسي لعب دورا مهمّا أيضا، لكن الأهم من كلّ هذا هو وجود شبه قانون كوني بأن الرئيس الذي يأتي في مرحلة انتقاليّة بعد الثورة عادة لا يعاد انتخابه وهذا ناتج عن أسباب موضوعيّة لأن الثورة تأتي بعد الفوضى ولأن حجم التوقعات وتشعّبها عادة ما يكون كبيرا جدّا، فعادة ما تستطيع الثورة المضادّة أن تعود عبر صناديق الإقتراع، إلى ذلك فإن ما وقع في تونس ليس شاذّا بل هو قاعدة، والقاعدة تقول أيضا إن الثورة عندما تأتي بانتخابات فإن المواطنين يكتشفون فراغها، فرجل مثل السيسي وعد بكذا وكذا والآن الجميع يضحك على السيسي الذي وعد بثمانين ألف كيلومترا من الطرقات السيارة في مصر ووعد بجلب المليارات إلى ما ذلك، والآن فهم الجميع أنهم وقع خداعهم.

 

لماذا لم تفتحوا ملفات الثروات المنهوبة أيام توليكم الرئاسة ولماذا لم تسعَوا لتأميمها، خاصّة وأننا رأينا منكم تأييدا مطلقا لحملة “وينو البترول” ؟

لا بالعكس، نحن فتحنا ملفات الثروات المنهوبة مع السويسريّين والفرنسيّين واللبنانيين ومع الكثير من البلدان الأخرى، وأذكّرك بأننا استرجعنا 27 مليون دولار من حساب لليلى بن علي.

 

أتكلّم عن الثروات الطبيعيّة تحديدا.

بالنسبة للثروات الطبيعيّة فلا تنسى أنني كنت رئيس جمهوريّة، والقضايا الإقتصاديّة والإجتماعيّة كانت بيد الحكومة وليست بيد رئيس الجمهوريّة تبعا للقانون الذي كان معمولا به آنذاك، رغم هذا فإنني طرحت الموضوع على رئيس الحكومة أيام كان لي معه لقاء أسبوعيّ، وكنت أطرح معه دائما وأبدا قضايا الفساد وقضايا العدالة الإنتقاليّة وقضايا البترول.

 

أنا طبيب وأنتمي لقطاع الصحّة العموميّة وبالتالي فإنني ممّا يسمّى باليسار الإجتماعي وليس باليسار الأيديولوجي، يعني اليسار المؤمن بأن الإقتصاد يجب أن يكون في خدمة المجتمع من خلال محاربة الفساد ومحاربة الفقر إلى ما ذلك.

 

ولمّا اتهمت بحملة “وينو البترول” قلت إنه من الأسف الشديد أنني لم أكن وراءها، وأيّدتها وسعدت لاستفاقة الشعب، أنا مشروعي هو شعب المواطنين وشعب المواطنين تعني المواطنين المسؤولين، والمسؤولين تحديدا عن ثروات بلادهم، فعندما أجد أن الناس مستعدّون للدفاع عن ثروات بلادهم سواء في “جمنة” أو في “قرقنة” أو في أي مكان فأنا سأكون دائما متعاطفا ومؤيّدا.

 

عديد الأقاويل تحوم حول علاقتك بقطر، ما هي طبيعة هذه العلاقة وتحديدا ما هي علاقتك بأميرها حمد وخلفه ابنُهُ الأمير تميم؟

القطريون هم الوحيدون الذين أعانونا أيّام الثورة بكلّ الوسائل هم والأتراك، فمن منحنا الدعم المادّي والعسكري غير هؤلاء؟ فبطبيعة الحال فإنني سأكون بجانب من كانوا بجانبي.

 

طيّب ولماذا لا نرى تدخّلا منك في خزانتهم الدّاخليّة؟ إذ أنه يوجد نوع من الضغط على الحرّيات في قطر لا نراك تتكلّم عنها.  

على كلّ حال لا يمكن لك أن تقارن ما يقع في قطر بما يقع في مصر مثلا والفرق بعيد جدّا، وأقول لك مجدّدا إن مسؤوليتي كرئيس دولة كانت الدفاع عن مصالح تونس ومصالح تونس كانت مهددة لولا إعانات قطر وكانت هنالك علاقات صداقة بيننا ولكنها علاقات صداقة وليست علاقات فساد، ويوجد فرق بين العلاقتين.

 

في المقابل، ما سرّ مواقفك الشرسة تجاه دولة الإمارات؟ هنالك من يتحدّث عن عداء جليّ بينك وبينها.

هذه الدّولة منذ البداية كانت ضدّ الثورة التونسيّة وضد الثورات العربية ككلّ وضدّ الربيع العربي، وهي لم تدّخر جهدا في التدخّل في شؤوننا مع أننا لم نتدخّل أبدا في شؤونها، فلماذا تعتبر دورها هو القضاء على حريّتنا؟

 

هنالك من يذهب إلى كون الإمارات تدخّلت حتى بالمال في تونس من أجل إعادة التوازن للمنظومة القديمة، ما مدى تصديقك لهذا الكلام؟

طبعا، وهل نسيت موضوع سيارتي المرسيدس التي قدّمتا للسبسي؟ أليس هذا تدخلا؟ أليست هذه محاولة شراء رجل سياسة؟ هم كانوا يعتبرونني حليفا للنهضة والشيء المضحك هو أنني لم أعد حليفا لها فصار حليفهم هم السيد الباجي قائد السبسي.

 

هل ندمت على قطعك لعلاقات تونس بالنظام السوري؟ وإذا عاد بك الزمن إلى وراء، هل كنت ستنظم مؤتمر “أصدقاء سوريا” ؟ 

أبدا لم أندم.

 

لو عاد بك الزمان إلى وراء هل كنت ستتخذ نفس القرار؟

نفس الشيء وأكثر من أي وقت مضى، فعندما أرى مأساة الشعب السوري التي حصلت جراء هذا السفاح الجلّاد أقول إن الخير فيما فعلت، وكحقوقي أنا أقول إن هذا الرجل يجب أن يحال على المحكمة الجنائية الدوليّة وأطالب من كلّ الحقوقيّين العرب الآن أن يتجنّدوا ليرفعوا قضيّة هذا السّفاح إلى المحكمة الدوليّة.

 

-ولكن لماذا لم تفكّر في الجالية التونسية الموجودة في سوريا آنذاك؟ هذا سؤال الشارع.

هذا غير صحيح، الجالية التونسية موجودة في سوريا والقنصليّة التونسية أيضا موجودة في بيروت، وبين بيروت ودمشق ساعة سير، ومشاكل التونسيين هناك هي القنابل المتهاطلة عليهم وليست عدم امتلاكهم لأوراق هويّة أو سفر، إضافة إلى هذا فتونس ليست لها مع سوريا مصالح فقط بل لها أيضا مبادئ، حيث أنها أول من أطلقت شرارة الربيع العربي ومن الضروريّ أن تتضامن مع السوريين.

 

المضحك في الأمر أن الذين حاربوني على قضيّة سوريا ومنهم هذا السبسي لم يعيدوا العلاقات معها إلى الآن، ولا أرى في ذلك أي سبب غير أن هذا الرجل غير حرّ في قراره لأن قرار إعادة العلاقات مع سوريا ربما يغضب بعض الأطراف التي يتعامل معها مثل السعوديّة أو الإمارات، بينما أنا أخذت موقفي بحريّة كاملة واستقلاليّة تامّة لأنني أدافع عن مبادئ وليس فقط عن مصالح.

 

بالنسبة لعبد الفتاح السيسي الرئيس الحالي لمصر، ثمّة من يعتبره مصحّحا للمسار الثوري، ما رأيك؟

هذا الرّجل اليوم أصبح أضحوكة وهو في نفس الوقت مأساة لمصر وأعتقد أن مصر طالما بقيت تحت حكم هذا الرّجل وأمثاله فلن تقوم لها قائمة للأسف الشديد.

 

ماهو الحلّ بالنسبة لك خاصّة وأنك تعلم أن الدولار في مصر وصل إلى 17 جنيها؟

الحلّ في أن يرحل السيسي أولا لأنه ليس في مكانه ثمّ ثانيا لأنه إذا بقي فسيصل الصرف إلى تسعين جنيها.

 

ما هو رأيك كحقوقيّ قبل أن تكون رئيسا سابقا، في تصريح السيّد راشد الغنوشي الأخير، الذي قال فيه إن تنظيم الدولة الإسلاميّة يمثّل الإسلام الغاضب؟ 

راشد الغنوشي يمثّل نفسه ويدافع عن أفكاره، ولكن بالنسبة لي فموضوع هذا التنظيم لا يحتمل نقاشا لأن هؤلاء الناس يمثلون خطرا إرهابيّا علينا وعلى الجميع وبالتالي يجب مواجهتهم سياسيّا وأمنيّا.

 

أشدد على أن سؤالي هو عن رأيك في رفض السيد الغنوشي قول أي كلمة أخرى على هذا التنظيم.

اسأل راشد الغنوشي، أنا لا أريد أن أعلّق على هذا.

 

هل عدّلت رأيك بخصوص الترشّح للانتخابات الرئاسية القادمة؟

ما معنى عدّلت؟

قلت إنك لن تترشّح للإنتخابات القادمة نظرا لعمرك.

لا هذا ليس صحيحا، وعلى العموم فإن هذا الموضوع ليس مطروحا الآن ولكلّ مقام مقال ولنفهم أولا إلى أين نحن سائرون.

 

هل ندمت على قرار لم تتخذه أيام توليك رئاسة البلاد؟

أجل ندمت، إذ كان من المفروض عليّ أن أواجه الفساد بقبضة حديديّة منذ الثلاثة أشهر الأولى من توليّ الرئاسة.

 

لماذا الثلاثة أشهر الأولى بالذات؟

لأن الشعب كان مستعدّا وكلّ الأطراف كانت مستعدّة، لكن للأسف الشديد لم تكن كلّ القرارات ملك يدي بل كانت تشاركني فيها الحكومة، ومع هذا كان بإمكاني أن أضغط أكثر ممّا ضغطت وقد دفعت ثمنا على هذا التساهل.

 

وما هو هذا الثمن؟

هو عودة النظام القديم.

 

هل تعتبر أن المسار الديمقراطي في تونس سائرٌ نحو النجاح أم أنه سينتهي إلى الفشل؟

في الحقيقة هناك مقومات نجاح كبيرة باعتبار ما أرى من هبّة للقضاء وهبّة للصحافيين بالإضافة إلى الوعي الملاحظ داخل المجتمع المدني وعمليّات الإقتصاد التشاركي والتكافلي التي بدأت تلوح وتتكاثر، يوجد نضج كبير، وفي نفس الوقت يوجد تفاقم لمنظومة الفساد وعودة النظام القديم.

 

يعني تريد أن تقول إن التوازن حاصل بين الحقّ والباطل في بلادنا؟

أجل، لكن المعركة مازالت مستمرّة ولا يمكن الجزم بمن انتصر على من، فلا نحن انتصرنا ولا هم انتصروا والمعركة مازالت مستمرّة بيننا وأنا على قناعة بأن الإنتصار سيكون حليفنا في النهاية باعتبار أن الشعوب تتقدّم إلى أمام ولا تتأخّر إلى وراء.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث