أكبر معهد بحثي في أمريكا يكشف عن تفاصيل التعاون الاقتصادي المتنامي بين مصر وإسرائيل
شارك الموضوع:
في 18 تشرين الأول/أكتوبر، أفاد موقع “واينِت” الإخباري أنّ مصر وإسرائيل تسعيان إلى تنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة بعد سنواتٍ من العلاقات الباردة بينهما في هذا المجال. ولا يزال المسؤولون يعملون على تسوية التفاصيل، إلّا أنّ هذا الخبر يعكس المرحلة الآتية لعلاقة اقتصادية شهدت تقلباتٍ ملحوظة منذ توقيع معاهدة السلام بين البلدين عام 1979. كما يسلّط الضوء على امتداد هذا التعاون الثنائي فيما يتخطّى التحسُّن في المجال الأمني.
معلومات تاريخية
في عام 1980، بدأت العلاقات الاقتصادية الرسمية بين البلدين. وفي 8 أيار/مايو 1980، وبعد التوقيع على معاهدة السلام، وافق البرلمان المصري على الاتفاق التجاري الأول مع إسرائيل. وتمّ تشكيل عدد من اللجان المشتركة لتعزيز المشاركة في مختلف القطاعات، إلّا أنّ التعاون الفعلي بقي ضئيلاً خلال فترة الحكم الطويلة للرئيس الأسبق حسني مبارك.
وجاءت الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بمبارك في عام 2011 لتشكّل عائقاً جديداً أمام تطوير علاقات مستقرة بين البلدين. بيد، بدأت الروابط الاقتصادية تتعمق في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تواجه حكومته تحديات مالية متفاقمة، وتعتزم المضي قدماً، وفقاً لبعض التقارير، من خلال مبادرات في ثلاثة مجالات وهي: مناطق التجارة الحرة المعروفة بـ “المناطق الصناعية المؤهلة” وقطاعَي السياحة والطاقة.
توسيع نطاق “المناطق الصناعية المؤهلة”
في نيسان/أبريل من هذا العام، وللمرة الأولى منذ عشر سنوات، زار وفد إسرائيلي مصر للبحث في سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. وكانت القاهرة تحرص على زيادة صادرات “المناطق الصناعية المؤهلة” إلى الأسواق الأمريكية، ولذلك رحّبت بمساعدة إسرائيل. وتتوزع “المناطق الصناعية المؤهلة” في مصر على مناطق القاهرة الكبرى والإسكندرية ومنطقة قناة السويس ومنطقة وسط الدلتا والصعيد، وهي تضمّ أكثر من 700 شركة وتوظف نحو 280 ألف عامل. وحالياً، تمثّل هذه المناطق 45 في المائة من الصادرات الوطنية إلى الولايات المتحدة.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2004، تمّ التوقيع على البروتوكول لتحديد المناطق كملحق لـ “اتفاقية التجارة الحرة” بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي ذلك الوقت، كانت هذه المناطق حيوية لاستمرارية صناعة الأقمشة في مصر، إذ دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في وقت كانت فيه “منظمة التجارة العالمية” تلغي قيود الحصص ذات الصلة وتوقّع اتفاقيات تفضيلية مع دول أخرى.
ومع ذلك، تسعى مصر منذ ذلك الحين إلى تخفيض المدخلات الإسرائيلية في “المناطق الصناعية المؤهلة” (أي نسبة المنتَج المصدّر الذي يجب أن يكون من صناعة شركات إسرائيلية، وذلك بناءً على الصيغة الواردة في الاتفاقية الأساسية). وقد عُقدت دورتا حوار لمناقشة هذه المسألة، فوافقت إسرائيل في الدورة الأولى عام 2008 على تخفيض مدخلاتها من 11.7 إلى 10.5 في المائة. أمّا الدورة الثانية فقد عُقدت قبل أسبوعين من تولي حكومة «الإخوان المسلمين» السلطة في عام 2012، ووافقت خلالها إسرائيل شفهياً على تخفيض المزيد من مدخلاتها، إلّا أنّها لم تفِ بالوعد فعلياً. ولم يبحث الطرفان في المسألة من جديد قبل كانون الأول/ديسمبر 2015، عندما تناقل أن إسرائيل سلّمت 2 في المائة إضافيين من حصّتها في “المناطق الصناعية المؤهلة” إلى مصر.
السياحة
تراجعت السياحة الإسرائيلية في مصر بشكلٍ ملحوظ في أعقاب الانتفاضة الشعبية عام 2011، لينخفض عدد السياح من 226,456 زائر عام 2010 إلى 133,620 عام 2012. وبدأت هذه الأرقام ترتفع من جديد بشكلٍ تدريجي بعد ذلك، لتصل إلى 140,425 سائح عام 2014 و148,336 عام 2015. وعلى الرغم من أنّ أرقام عام 2016 ليست نهائية بطبيعة الحال، زار البلاد حوالى 15 ألف سائح إسرائيلي بين شهرَي كانون الثاني/يناير وآذار/مارس، وهو عددٌ ضئيل نسبياً يعكس انخفاض حاد في السياحة الأجنبية الشاملة لمصر بعد تفجير طائرة روسية كانت تنقل المسافرين في تشرين الأول/أكتوبر من العام المنصرم. إلّا أنّ هذه الأرقام ارتفعت طوال فصل الصيف. فقد أشارت إحصاءاتٌ من معبر طابا الحدودي إلى أنّ 14,270 إسرائيلي عبروا الحدود في شهر حزيران/يونيو، وتبعهم 29 ألف في تموز/يوليو و45 ألف في آب/أغسطس، وهي أعدادٌ مشابهة لتلك التي شهدتها مصر في صيف العام المنصرم (حوالي 90،000 إسرائيلي سافروا من إيلات إلى معبر طابا بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2015).
وبالفعل، استمرّ آلاف السياح في التدفّق إلى شواطئ سيناء رغم التحذيرات الأمنية الصادرة عن السلطات الإسرائيلية والاشتباكات المتكررة بين الجماعات الإرهابية والقوات العسكرية المصرية. وأظهر تقريرٌ نُشر في 25 تشرين الأول/أكتوبر من إعداد القناة الثانية الإسرائيلية، على سبيل المثال، قَوْل أحد السياح، “إنّ الوضع الأمني في القدس أكثر خطورة من سيناء”.
ولا تزال السياحة الإسرائيلية – المصرية الأحادية الاتجاه تمثل مشكلة، على الرغم من أن الأمور تتغير في هذا الصدد. ففي أيار/مايو، التقى وفدٌ من قطاع السياحة المصري مع إسرائيليين في القدس وتم الاتفاق على زيادة عدد المسيحيين الأقباط المسموح لهم بزيارة الأماكن المقدسة في إسرائيل. ومن جانبهم، وعد الإسرائيليون بزيادة التدفق السياحي إلى مصر.
الغاز الطبيعي
في السنوات الأخيرة، تحوّلت مصر من دولةٍ مهمّة مصدّرة للغاز إلى دولةٍ مستورِدة له. ومن المتوقّع أن يستمر هذا الاتجاه حتى بعد بدء إنتاج الغاز من حقل «ظُهر» الضخم قبالة الساحل المصري في العام المقبل.
وفي الوقت نفسه، اكتشفت إسرائيل حقول الغاز الكبيرة الخاصة بها، وهي اليوم أحد الموردين المحتملين للغاز إلى القاهرة بعد أن كانت قد استوردت الغاز المصري لسنواتٍ طويلة. وكانت عمليات استيراد الغاز هذه تُجرى عبر خط أنابيب يمرّ شمال سيناء وفي قاع البحر من العريش إلى عسقلان، إلّا أنّ عوامل دبلوماسية وأمنية واقتصادية مختلفة أدّت إلى توقف هذا التدفق بحلول عام 2012. ومنذ ذلك الحين، اقترحت الأطراف المعنية بهذا القطاع أن يتم عكس اتجاه خط الأنابيب موضع البحث، إلّا أنّ هذه الجهود تورّطت في فوضى قانونية بقيمة 1.8 مليار دولار بعد أن لجأت “شركة الكهرباء الإسرائيلية” إلى التحكيم الدولي بسبب قطع مصر للغاز عنها عام 2012.
ولعلّ المقاربة المنطقية لهذه المسألة تكمن في تحويل مخزون حقلَي «تمار» و«ليفياثان» الإسرائيلييْن إلى غازٍ طبيعي مسال في محطّتَي إدكو ودمياط في منطقة دلتا النيل، ثمّ تصديره عن طريق السفن. ويمكن أيضاً تأمين بعض الغاز للصناعات المصرية، إذ غالباً ما تُحوّل الحكومة المصرية إمداداتها لتزويد محطات توليد الطاقة المحلية.
ومن المرجّح أن يكون شراء مصر للغاز الإسرائيلي موضوع جدلٍ سياسي بالنسبة للقاهرة، شأنه شأن بيع الغاز لإسرائيل سابقاً، إذ لا يزال الإعلام والمثقفون المصريون يعارضون الفكرة. ومع ذلك، تَظهر اليوم دلالاتٌ عن تمهيد السلطات الطريق لهذا النوع من الصفقات. ففي 27 تشرين الأول/أكتوبر، برّأت محكمة استئنافٍ مصرية وزير البترول والثروة المعدنية في عهد الرئيس مبارك سامح فهمي من بيع النفط الخام لإسرائيل بسعرٍ زهيد. و في عام 2012، كان قد حُكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً.
التداعيات السياسية
منذ الانتفاضة التي اندلعت عام 2011، تضاءلت الخيارات المتاحة أمام مصر لإنقاذ اقتصادها، كما يتضح من كفاحها من أجل إصلاح العجز المتزايد في ميزانيتها، ونسبة البطالة المتزايدة في البلاد، وتراجُع السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة. حتّى أنّ حوالات المصريين المغتربين – ومعظمهم يعيش في دول «مجلس التعاون الخليجي» وتشكّل حوالاتهم المالية أصولاً اقتصادية مهمة – قد شهدت تراجعاً منذ الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية. وسيزداد الوضع الاقتصادي المصري خطورةً إذا استمرت هذه المشاكل، وهي ليست على الإطلاق في مصلحة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فحتى في خضم هذه الاتجاهات السلبية، تتطوّر في الآونة الأخيرة ديناميكيةٌ ثنائية إيجابية في مصر. فقبل ثلاثة عقود، وجدت واشنطن ضرورةً لإدارة العلاقة المصرية – الإسرائيلية بشكلٍ مباشر. أمّا اليوم، فإن التغيرات في الديناميكية الإقليمية قد سمحت لهذين البلدين بالتقارب من دون وساطة أمريكية.
ونظراً للتعاون الأمني العميق بين مصر وإسرائيل والانهيار الاقتصادي المستمر في مصر، قد تكون الجارتان على أبواب مرحلةٍ جديدة من التعاون، ولكن فقط إذا كانتا على استعداد لتقديم الحوافز الكافية الواحدة إلى الأخرى. ومن شأن هذا التحوّل أن يتناسب بشكل جيد مع المصالح الأمريكية الأوسع المتمثلة في السلام والاستقرار الإقليميين. لذلك، يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين تشجيع المبادرات المصرية – الإسرائيلية الأخيرة، واستكشاف سبل جديدة تسهم في توسيع آفاق هذا التعاون الاقتصادي وتعميقه.
المصدر: هيثم حسنين هو زميل “غليزر” في معهد واشنطن