” مع تقدم قوات سوريا الديمقراطية إلى المناطق التي يسيطر عليها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، فرّ آلاف المدنيين السوريين من مدينتي الرقة ودير الزور من منازلهم، اللتين أعلن فيهما التنظيم الخلافة في شهر يونيو من العام 2014″.
وأضاف موقع المونيتور في تقرير ترجمته وطن أن عبد الستار الذي ينحدر من مدينة البو كمال أقصى شرق دير الزور، روى كيف أنه بقي 18 يوما برفقة زوجته وأولاده الثلاثة، في وسط الصحراء وبين الألغام، وفي كثير من الأحيان كانوا يتابعون رحلتهم مشيا على الأقدام، حتى وصلوا إلى نقطة “رجم صليبي” الحدودية الفاصلة بين سوريا والعراق، الخاضعة إلى سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية.
ولدى حديثه مع الموقع البريطاني طلب عبد الستار ذكر اسمه الأول فقط، خوفا على من تبقى من أهله في بلدته، وبدأ كلامه بالقول: عندما قررنا الهروب، كنا ندرك أننا سنواجه الموت. هناك كنا أمواتا، وقد يأتي في أي لحظة. ووصف عبد الستار قرار هروبه بالجريء، وقال: كنا نسمع الأخبار نادرا، ووصلتني أخبار قبل شهر أن التحالف الدولي بدأ معركة الرقة. وأضاف: دبت الحماسة بي، وقررت الهروب في أول شهر نوفمبر الماضي برفقة عائلتي.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية بدأت في 5 نوفمبر الماضي حملة غضب الفرات، بمشاركة 30 ألف مقاتل من العرب والأكراد في العملية، بغية طرد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية من مدينتي الرقة ودير الزور أبرز معاقله في سوريا، بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. أما مأساة عبد الستار وغيره من النازحين فلا تنتهي بمجرد وصولهم إلى نقطة رجم صليبي، إذ بقي عشرين يوما عالقا على الحدود، حيث تخضع عملية دخول الفارين من المناطق الخاضعة لسيطرة عناصر التنظيم إلى مخيم الهول، لإجراءات أمنية احترازية يقوم بها مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، خشية تسلل عناصر التنظيم. حيث يقع مخيم الهول في شرق محافظة الحسكة، وهو يبعد نحو 40 كيلومترا، وبني في 24 مارس من العام الجاري.
وذكرت منال، وهي امرأة سورية من مدينة دير الزور، أنها اضطرت إلى أن تبيع أثاث منزلها، وأدوات المطبخ لتكمل المبلغ المتفق عليه مع المهرب، بعدما ارتفعت أجور النقل ونفقات التهريب. وفي حديثها مع موقع المونيتور، قالت منال التي رفضت ذكر اسمها الحقيقي: “المهرب طلب منا ألفي دولار، ولم نكن نملك هذا المبلغ، فقررنا بيع بيتنا والعفش، حتى اكتمل المبلغ.
وتتألف أسرة منال من خمسة أفراد، الزوج الذي رفض الكلام، وابنتين وطفل صغير لم يتجاوز عمره سنة، يسكنون في خيمة بمخيم الهول مساحتها حوالي 4 متر مربع قسموها إلى نصفين قسم للنوم والجلوس، وآخر عبارة عن مطبخ صغير، وافترشوا الحصر ووزعوا عليهم 3 بطانيات و3 اسفنجات للنوم.
ولفت موقع المونيتور إلى أنه يعيش النازحون من الرقة ودير الزور في مخيم الهول أوضاعا صعبة مع بدء فصل الشتاء البارد، وتشكل الرعاية الصحية ونقص الأدوية ومياه الشرب خطرا كبيرا على آلاف النازحين. وأشارت مديرة مخيم الهول منسقة العلاقات الخارجية في المخيم بيريفان حسين إلى أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعمل على توسعة مخيم الهول. وأضافت: تعمل المفوضية على أن يستوعب المخيم مائة ألف نازح ولاجئ، وتبني 10 آلاف خيمة، لأن المخيم يستقبل أسبوعيا دفعتين، كل واحدة تتراوح بين 300 إلى 500 لاجئ ويتم توطينهم.
وعن المشاكل التي تواجهها إدارة المخيم مع ازدياد عدد الفارين، قالت بيريفان حسن: تنام عوائل عدة في العراء ريثما يتم تسليمها خيمة، فالطبابة والأدوية تقدمها منظمة الهلال الأحمر الكردي، ولم تقدم إلينا أي منظمة دولية المساعدة. أما الدكتور ريزان موسى، وهو متطوع في منظمة الهلال الأحمر الكردي، ويعمل في مستوصف مخيم الهول، فقال إن طاقم النقطة الطبية محدود للغاية، لكننا نسعف الحالات المرضية العاجلة. أما المستعصية فيتم نقلها إلى مشافي الحسكة.
ومن جهته، قال النازح عبد الحميد ويقطن منذ شهر بمخيم الهول، وهو من أبناء مدينة الميادين التابعة لمحافظة دير الزور: إن كل شخص ينزح ويهرب سرا عن طريق المهربين من قبضة التنظيم المتشدد رفض مبايعته. أما الذين بايعوه وقرروا الهروب وكُشف عن أمرهم سيقتلون لا محال.
وروت سعاد، وهي امرأة في منتصف عقدها الرابع من مدينة الرقة، وصلت مؤخرا إلى مخيم الهول، أنها قررت أن تلوذ بالفرار من أرض الجحيم على حد وصفها، مشيرة إلى أن أهالي مدينة الرقة يعيشون في مدينة الأشباح، فالحياة توقفت إلى إشعار آخر.